تسعى مدن خليجية صحراوية، كدبي وأبوظبي والدوحة، اليوم، إلى جذب السيّاح، لكنها لا تملك مقومات أولية للسياحة، لذا اتجهت إلى الفن كعامل جذب لا يستهان به.
رقية الكمالي: في الخليج حاليًا ثلاث مدن استراتيجية وتاريخية تحتضن عشاق الفن، وهي: دبي وأبو ظبي والدوحة، هذه المدن، التي لم تكن معروفة في السابق، وبمرور السنوات، أصبحت وسائل الإعلام تتحدث عنها كثيرًا، حتى اشتهرت صورتها في قالب معيّن، وهي صورة مختزلة وممزوجة بسعف النخل ومجمعات التسوّق، والشيوخ الأثرياء، ومشاريع تتميز بجنون العظمة وقمة الفخامة، وكذلك فن معاصر يُشترى بأرقام فلكية.
هذه المدن الثلاث، دبي وأبوظبي والدوحة، لديها العديد من النقاط المشتركة، فثقافتها نابعة من قبائل البدو الرحل، وكلها أصبحت مدنًا مترفة في القرن العشرين، وأخيرًا مدنًا مهتمة بالفن.
تنتمي دبي وأبو ظبي إلى الدولة نفسها، الإمارات العربية المتحدة، فالعاصمة أبوظبي هي الشقيقة الغنية لدبي، كما إنها تملك المال والنفط، والدوحة عاصمة قطر، التي تتمتع أيضًا بإمكانات مالية كبيرة من الاحتياطات الهيدروكربونية، لاسيما الغاز.
استراتيجية قطر
تعتبر الدوحة وأبوظبي مدنًا بسيطة وواضحة للعيان، لاسيما للمقيمين فيها، الذين يعرفون الفنادق، التي تسمح بشرب الكحول والمطاعم ذات الأجواء الاحتفالية.
وعندما تسير في الطريق السريع، المؤدي إلى مطار الدوحة، سيلفت انتباهك وجود سيارات الفيراري بسرعتها الفائقة، وفي نهاية quot;الكورنيشquot; ستجد برجًا شامخًا ومعبّرًا عن العظمة الفنية للأسرة الحاكمة quot;آل ثانيquot; من تصميم النحات الأميركي ريتشارد سيرا على ارتفاع 24 متراً و735 طناً من الفولاذ.
في واجهة المدينة، يستطيع المرء رؤية متحف الفن الإسلامي، الذي صممه إم باي عام 2009 على مساحة 35000 متر مربع وبميزانية بلغت 350 مليون دولار. أما بالنسبة إلى التصميم الداخلي للمتحف، فهو بدعة رائعة لقطر، وهو من تصميم جان ميشيل ويلموت، وبلغ عدد زواره في العام الماضي 200.000 زائر. كما تترأسه الشيخة مياسة آل ثاني، ولمساعدتها على إدارته، فقد استعانت بأحد الرواد في سوق الفن، وهو إدوارد دولمان، الرئيس التنفيذي السابق لدار كريستي.
كما من المتوقع أن تسعى قطر إلى بناء العديد من المتاحف، حيث عرف عن الشيخة مياسة وزوجها وزير التجارة الشيخ جاسم شغفهما الكبير بالفن المعاصر.
يقول الباحث في معهد العلوم السياسية، ألكسندر كازوروني: quot;هذه السياسة تجاه الفن تعكس اهتمام قطر بجعل الفن أولوية رئيسة لتواجه بذلك جارتها، المملكة العربية السعودية، البلد القائد والمؤثر في كل المجالات الشرق أوسطيةquot;.
أبوظبي تستعد لنسخة لوفر فرنسية
من جهة أخرى، يوضح ألكسندر كازوروني: quot;أن دوافع أبوظبي في ما يختص بالاهتمام بالفن تختلف تمامًا عن الدوحة، ففي عام 2004 اجتهدت أبوظبي لنسخ النموذج الفني القطري. في المقابل، أصبحت دبي في هذا الوقت مركزًا معروفًا للتجارة العالمية، وتجاوزت الشقيقة العاصمة كثيرًا، لذا كان من الضروري أن تحاول أبوظبي استعادة سلطة العاصمةquot;.
فأعلنت عن قيامها بمشروع ضخم في جزيرة السعديات، يشتمل على ما لا يقلّ عن خمسة متاحف مصممة على أيدي أشهر المهندسين، وفي عام 2007، تم توقيع اتفاقية مع فرنسا لبناء نسخة إماراتية من متحف اللوفر الفرنسي، بقيمة مليار دولار، من تصميم المعماري، الذي فاز بجائزة quot;بريتزكرquot; العالمية، جان نوفيل.
ويجري العمل على قدم وساق ليتم افتتاح quot;لوفر أبوظبيquot; في عام 2015، كما سيصدر كتاب في أوائل شهر أبريل/نيسان يتحدث عن المجموعات الفنية، التي سيضمها المتحف، حيث هناك ما يقارب 300 عمل فني يمتد من حضارة مصر القديمة إلى الفن المعاصر، مما يمثل حوارًا حضاريًا على المستوى العالمي، إضافة إلى متحف زايد الوطني، الذي سيتم افتتاحه عام 2016، ومتحف quot;جوجنهايم أبوظبيquot; عام 2017.
دبي رائدة وسباقة
قبل الأزمة الاقتصادية عام 2008، وضعت دبي رسميًا في منافسة مع الشقيقة العاصمة، لتنفيذ عشرات المشاريع مع المتاحف العالمية، لذا تم التعاقد مع المتخصص الألماني في الإدارة الثقافية، ميشيل شاندلم، كمدير للشؤون الفنية والثقافية.
يقول مؤلف كتاب quot;سرعة دبيquot;: لقد استخدمت دبي الثقافة كأداة تسويق لها، ويضيف: توجد في دبي حرية تعبير نادرة في المنطقة، بل حتى إنها أصبحت مدينة لجوء لفناني الدول المجاورة، كإيران، في الواقع، أصبحت دبي مدينة لتجارة الفن واحتضانه، وهذا ما يجعلها أجمل وأكثر متعة.
توجد في دبي 40 صالة عرض، إضافة إلى معرض دبي الفني، الذي يعود نصف ملكيته إلى الحكومة المحلية، مما يجعل دبي محطة للصفقات التجارية في المنطقة.
أخيرًا، هل نستطيع أن نطلق على عملية انتشار الفن والاهتمام به في هذه المدن quot;النفط مقابل الفنquot;؟!. فمازالت منطقة الخليج، عمومًا، متعطشة للفن وتذوقه بنهم، لكن دبي سبقت الجميع في التغيير والتكيّف باستمرار مع الواقع الاقتصادي والجيوسياسي المتقلب كثيرًا في هذا الجزء من العالم.
التعليقات