(لقد حاولنا حقا في اللسانيات المعاصرة ؛خلال السنوات الأخيرة؛ بناء أنحاء توليدية واضحة بالنسبة لللغات الخاصة مع تحليل النتائج المتوصل إليها. على الرغم من عدم دهشة أي أحد من تلك المناقشة الموسعة و الجدل الذي مس الصياغة النظرية الملائمة للنحو التوليدي و الوصف الصحيح للغات قيد الدراسة.) نوام شومسكي؛1965؛ص.9.
لقد اتجه الدرس الساني الحديث على يد رواده فيردناند دي سوسير1، و نيكولاي تروبيتسكوي2، و رومان ياكوبسون3، و أندري مارتيني4، و إميل بنفنيست5، و فيكو بروندال6 و جون فيرث7 و مايكل هاليداي8...نحو بناء مدارس متنوعة9، قدمت قراءة جديدة للدرس اللغوي، و أسهمت إلى حد كبير في إبراز الدراسات الأسلوبية10، و ربط العلاقة بين العوامل النفسية و العوامل اللسانية11، و دراسة الانحرافات اللغوية12، و تحديد الاتجاه الفونولوجي13، و رصد الوظائف اللغوية و كذا تحليل النصوص14، و تحليل الدلالة اللغوية15...
و في مقابل ما أسفر عنه البحث اللساني في أوروبا، كان البحث جاريا في أمريكا مع أبرز رواده: فرانس بوهاس16، و إدوارد سابير17، و ليونالد بلومفيلد18، و زليغ هاريس19 و نوام تشومسكي20.حيث صار البحث في اتجاه متطور مر من البنيوية إلى التوزيعية ثم التوليدية.
و تنتقي هذه الورقة الاتجاه التوليدي و صاحبه تشومسكي، لابراز أهم المحطات التي مر منها، و تحديد معالم التوجهات النظرية التي صاغها و اشتغل بها، لنكتشف عالما لسانيا متطورا يعتمد المنطق الرياضي في الروز من قاعدة لأخرى، و منطق التمثيلات الشجرية، و البحث في الانحاء الخاصة، و الكليات اللسانية، و العلاقات الدلالية و المعرفة التصويرية، و التصديقات الشخصية...
1- مفهوم النظرية التوليدية
1.أ- مفهوم النظرية
1.أ.1- في المعاجم
-هي مجموعة من القوانين و القواعد و الأفكار و الاعتقادات و المفاهيم...بخصوص موضوع معين.
- نسق مفهومي معد لمحاولة تفسير بعض الظواهر.
- معرفة مجردة و محتملة للنظر و التفكر، و هي مؤسسة في الغالب على التفسير أو التجربة.
- النظرية في مقابل التطبيق : حيث النظرية أسهل من التطبيق.
- تبنى النظرية على الافتراضات التي تمكننا من الفهم الجيد للأشياء المعقدة.
- تستعمل في كل الحالات الانسانية لفهم الواقع.
- يستعمل المفهوم أحيانا بمعناه اليوناني : يحضر وفد في الألعاب الأولمبية.
- حشد طويل من الأشخاص و العربات.21
1.أ.2- في المنطق الرياضي
هي مجموعة من التأكيدات التي يعتبر بعضها بديهيات أو مسلمات، و بعضها الآخر تأكيدات مبرهن عليها باستعمال قواعد المنطق.و في هذا الصدد يمكن أن نمثل بالنظرية الناقصة لكوديل في الحساب.
1.أ.3-في الفلسفة
مجموع الفرضيات أو المفاهيم القابلة لادراك مجموعة محددة من الظواهر.
1.أ.4-عند بعض المفكرين
1.أ.1.4 أبرهام كابلن
إن تشكل النظرية لا يعني اكتشاف حقيقة خفية فقط، و لكن اكتشاف أسلوب رؤية الحقائق و تنظيمها و تقديمها.
1.أ.2.4 جون ليتل
أي محاولة لشرح و تقديم تجربة يعتبر نظرية، و هي فكرة فهم كيف تحدث الأشياء.
1.أ.3.4 ديتز ستاندي
هي طريقة للرؤية و التفكير حول العالم، و ذلك مثل أفضلية العدسة في الملاحظة من مرآة الطبيعة.
2.ب- مفهوم النظرية اللسانية في المقاربات التوليدية
2.ب.أ المعجم اللساني
تقدم لأنحاء اللغة الخاصة وسائل العمل، و هي مؤلفة من:
- صواتة عامة
- دلالة عامة
- منهج موحد للوصف البنيوي
- جسم من الافتراضات حول الربط بين الصواتة و المكون الدلالي و الوصف البنيوي.
- المعايير الهامة التي تسمح بالاختيار بين مختلف الأوصاف الممكنة للغات الخاصة.22
2.ب.ب الفاسي الفهري عبد القادر
بناء عقلي يتوق إلى ربط أكبر عدد من الظواهر الملاحظة بقوانين خاصة تكون مجموعة متسقة يحكمها مبدأ عام هو مبدأ التفسير. و يمكن تمثلها كمجموعة من المفاهيم الأساسية، و مجموعة من المسلمات تستنتج منها النتائج التفسيرية للنظرية.و كل المفاهيم اللسانية للنظرية تعرف انطلاقا من المفاهيم الأساسية التي تعتبر أولية.23
2.ب.ج نوام تشومسكي
تشاطر العلوم المختلفة في الاقراربأن عددا من مميزات الذهن-الدماغ، يمكن مقاربتها على شاكلة أنساق حاسوبية مقعدة تستعمل في تنفيذ الأفعال أو التأويل.و تزودنا ب : - إجراء اكتشاف أنماط اللغات - إجراء تطوير مختلف الأنحاء الممكنة و هي بذلك تأخذ بعين الاعتبار معياري الاقتصاد و البساطة24.
2- أهداف النظرية اللسانية و التجربة
من الثابت أن النظرية اللسانية قد خلقت أنساقا من الافتراضات تتماشى مع اللغات البشرية، لأنها تريد أ- رصد الخصائص المشتركة بين هذه اللغات ؛و هذه هي السمة العامة التي تطبع اللسانيات، و ب- فهي تتجه نحو مخاطبة المتكلم ndash;المستمع المثالي الذي ينتمي إلى عشيرة لغوية معينة، و يتسم بخصائص الكائن البشري العادي الذي يتفاعل مع اللغة و ينتج جملا جديدة لم يسبق له أن سمعها من قبل.كما أن من أهداف النظرية اللسانية(أن تبحث في مجموعة المبادئ التي تقيد الرتب داخل اللغات)25
و لعل التقدم التكنولوجي، و التطور الموسوم بالاكتشاف، و إبراز معالم ما يتمتع به الفرد من طاقة فكرية، قد جعلت العلم و العالم يشهدان ميلاد فترة جديدة على مستوى ضبط المعطيات المقدمة أو المجموعة، و مدى استقراء التجارب العلمية باعتماد آلية التفسير و التدقيق بعمق في طبيعة هذه المواد. و قد لاحظ تشومسكي (أن الوقت قد حان ليتبنى اللسانيون و علماء النفس على السواء أسلوبا كليليا في البحث في اللغة26.
إن التجربة هي أساس العلم، و في اللسانيات لا بد أن نخضع المواد أو عينات البحث للتجربة وفق النظرية التوليدية المرسومة سلفا و ما تحمله من مبادئ و أسس و قضايا و مسلمات...، و إذا ما تم تعارض بين النظرية و التجربة (فغالبا ما نلجأ إلى تغيير التجربة عوض النظرية)27. كما يتم التقدم في تطوير النظرية وفق ما أسفرت عنه التجربة، و هو ما نلاحظه في المسار التوليدي الذي قدم لنا نظريات متعددة عبارة عن قفزات نوعية متممة أو مكملة أو مجددة لسابقتها.ليبقى التساؤل قبل مباشرة البحث في هذه النظريات هو : كيف يتم بناء هذه النظريات؟.
3- خصائص بناء النظرية اللسانية
لكل بناء خصائص معينة، و خصائص بناء النظرية اللسانية في أغلب أحواله يمر من مراحل متعددة : 1- فرضية العمل الاعتباطية و هي المقدمة الأولى للتأسيس؛2- تطوير الأسئلة؛ 3- تكوين الافتراضات؛ 4- اختبار الافتراضات و اختيارها؛ 5- تأسيس النظرية.28.
فالنظرية التوليدية بهذه التراتبية عبارة عن مجموعة من الفرضيات التي تسمح صياغة قواعد صارمة قابلة للروز باعتماد التجربة و التجريد، و هي تقدم :
أ- لخدمة النحو التوليدي التحويلي في كل مستوياته : الصواتية و الدلالية و التركيبية و المعجمية، و ب- لكل لغات العالم : اللغات الطبيعية.
4- القدرة اللسانية
فتحت عنوان : تعتبر الأنحاء التوليدية نظريات للقدرة اللسانية، افتتح شومسكي كتابه المظاهر بشرح بعض المفاهيم الأساس للنظرية اللسانية فيما أسماه : بالمقدمات المنهجية.و يتعلق الأمر بالمكون التركيبي للنحو التوليدي : بمعنى القدرات التي تصف المتتاليات الحسنة التكوين للوحدات التركيبية الأدنى، و تعيين تكوينا بنيويا ذي طبيعة مختلفة لهذه المتتاليات و كذا الأخرى السيئة التكوين.
فهي إذا قدرة المتكلم على بناء جمل نحوية سليمة، مع التمييز بين هذه الجمل و أخرى غير نحوية، و تركز النظرية التوليدية على حدس المتكلم في وضع تفسير للجمل.فإذا كان المتكلم المثالي قادرا على هذا التمييز، و باستطاعته إدراك مدى مقبولية الجمل أو لا، فإن تشومسكي قد وصف اللغة ؛ باعتبارها نشاطا عقليا إنسانيا ؛التي يتحدث بها هذا المتكلم بالابداعية كذلك ما دام توفر المتكلم على قدرة لامتناهية في استحداث جمل و تكوينها دون أن يكون قد سمعها من ذي قبل، وكذا توفره على حدس فطري يجعله لا يخلط بين الجمل الحسنة التكوين و السيئة التكوين.و قد يطرح في هذا المقام الفرق بين الجمل الشاذة تداوليا و أخرى سيئة التكوين لسانيا، ما دامت قدرة المتكلم المعرفية تنقسم إلى : تداولية و نحوية.تهتم الأولى بالدور الذي تلعبه المعلومة غير اللسانية في استعمال و تأويل الجمل، بينما الثانية فهي تكون أجزاء القدرة النحوية للمتكلم الفطري المتمثلة في التركيب و الدلالة و الصواتة.
5- النحو المركبي
إن تشومسكي الذي تربى في أحظان المدرسة التوزيعية التي قاد أطوارها ليونالد بلومفيلد، قد قدم صياغة توليدية للتحليل إلى المكونات المباشرة من خلال كتابه البنيات التركيبية 1957.فقد رمز تشومسكي من خلال كتابه هذا إلى نحو يتضمن مجموعة من المتواليات الأولية بالرمز E
، كما يتضمن مجموعة من القواعد رمز له بالرمز F، حيث تنتمي الجملة إلى E، أما الصورة: فتنتمي إلى F.و النحو المركبي له قواعد عبارة عن مجموعة من التعليمات التي تعيد كتابة رمز xrarr;У
يوجد على يمين السهم إلى مجموعة من الرموز التي توجد على يساره.و هي تنقسم إلى قسمين :
أ- قواعد مقولية ترد كل مكون إلى المقولة النحوية التي ينتمي إليها، مثل :
جlarr;ف+م.س+م.س
لجملة : قتل الفارس عدوا، حيث تشير الرموز على التوالي إلى : الجملة و المركب الاسمي و مركب إسمي آخر.
ب- قواعد معجمية
تعوض المقولات الواردة في القواعد المقولية بمفردات معجمية :
فlarr;قتل
سlarr;فارس، عدو
أدlarr;ال
حيث تشير أد إلى الأداة،و ف. إلى الفعل، و س. إلى الاسم.
و قد استمر شومسكي في تحاليله بدقة و تأن و ذلك بنهجه نهجا اشتقاقيا، كان من خلاله يضيف إضافة واحدة فقط عند كل شطر أو خطوة يخطوها إلى الأمام مع تطبيق صنف القواعد أعلاه، و نظرا لعسر و صعوبة هذا النهج فقد استبدله بما أسماه المؤشر المركبي الذي هو عبارة عن تمثيل تشجيري يتم من خلاله تفكيك مكونات الجملة كل واحد على حدى.
و عندما اكتشف شومسكي قصور النموذج المركبي لأنه لا يستطيع تحليل كل جمل اللغة، بالاضافة إلى محدوديته اتجاه ظاهرة اللبس التي تقع :
أ- في المستوى المعجمي : حيث احتمال وجود قراءات كثيرة للكلمة،
و ب- في مستوى التركيب: حيث اختلاف تقطيع مكونات الجملة، و الذي ينجم عنه اختلاف في القراءة.و كذا عدم قدرته على ربط علاقات بين أنماط الجمل... التجأ إلى نموذج توليدي أضاف له التحويلات النحوية.و قد عبر شومسكي عن لا كفاية النظرية اللسانية حينما (يستحيل تطبيقها على لغة طبيعية.و هناك حجة أضعف لكنها كافية تماما لاثبات لا كفاية النظرية، و تتمثل في كون النظرية اللغوية لا تنطبق إلا بعسر، أي أن النحو الذي ينتج عنها يتصف بقدر مفرط من التعقيد و يكون بذلك موضعيا و غير موحي)29
6- النحو التوليدي التحويلي
يعد النحو التوليدي التحويلي(نسقا من القواعد الذي يعين وصفا بنيويا للجمل بطريقة واضحة و جد محددة)30 و هو صياغة جديدة لقواعد اللغة، و جهازا أنسب لمسايرة التحاليل الخاصة للغات العالم التي تحمل مفاهيم و قوانين مشتركة فيما بينها.فقد حرص تشومسكي كل الحرص على جعل الرتبة (فا.ف.مف.) المنسحبة على اللغة الانجليزية أن تكون صالحة على مستوى التطبيق على كل اللغات.و هو يطرح هنا ما أسماه بالنحو الكلي الذي يملكه كل إنسان قبل أن يخصص، وفق اللغة الأم التي يكتسبها من عشيرته، فيصرف من برنامجه الكلي برنامجا خاصا يتماشى مع لغته.و الكليات اللسانية كما عبر عنها تشومسكي في المظاهر (هي دراسة لكل خصائص النحو التوليدي للغة الطبيعية. و بإمكان الفرضيات التي تمس هذه الكليات اللسانية أن تهم المكون التركيبي و الدلالي أو الصواتي او العلاقات التي تجمعهم.).و الكليات اللسانية مفتاح التفسير، حيث ميز شومسكي بين الكليات المطلقة التي تتقاسمها كل اللغات، و بين الكليات النسبية التي تميز بين نظرية الوسم و نظرية نحو النواة الذي يسمح بتفسير الاستثناءات الظاهرة. و إذا كان تشومسكي يصنف ضمن الفلاسفة العقلانيين، فإن برنامجه التوليدي كان يتسم بالعقلانية، لأنه يعتبر أن الطفل مثلا له هذا الارتباط الفطري بلغته الأم و هو بهذا لم يولد صفحة بيضاء، و إنما ولد مزودا بملكة لغوية اعتبرت هبة ربانية، و لذلك فهو يحمل من الكفاءة ما يؤهله كي يتعلم كل لغات العالم إذا ما وضع في محيط هذه اللغات عن طريق الاكتساب، حيث إن هناك هدفين مترابطين في دراسة اللغة : نظرية اللغة، و نظرية اكتساب اللغة: فالنظرية الأولى تحدد خصائص اللغة، بينما الثانية تحدد كيفية اكتسابها.هب أن طفلا ولد بالمغرب و أرسل إلى الهند للعيش هناك فإنه حتما سيتعلم اللغة الهندية، لأن الجهاز الذي يحمله داخل دماغه يؤهله لهذا التعلم دون مشاكل.
و من السمات الأساس في برنامجه التوليدي هي دراسة المبادئ التي تحكم تكوين الكلمات و العبارات و الجمل.و قد كانت البداية مع الجمل، حيث سعى إلى تحقيق الاستقلالية للمكون التركيبي الذي عده عنصر التوليد الأساس في اللغة، بينما عد المكونين الصوتي و الدلالي تفسيريين.و هو بهذا اعتبر نحو اللغة يضم ثلاث مكونات مترابطة : مكون تركيبي، و مكون دلالي، و مكون صواتي، بعدما كان يضم في النموذج المركبي عنصرين فقط هما : المكون التركيبي و الصواتي.
و لعل إضافة عنصر تحويلي إلى القواعد قد سمح بتحليل جمل اللغة بكل أريحية.فبعدما كانت العربية مثلا تكتفي بتحليل الجمل الفعلية فقط في النموذج المركبي، أضحى في النموذج التوليدي التحويلي السماح بتحليل جمل النفي و الاستفهام و الصلة و العطف و غيرها، و ذلك من خلال :
أ- الوصف البنيوي : الذي هو عبارة عن وصف دقيق للجملة مقوليا ؛
ب- التغيير البنيوي: و هو تغيير يمس نمط الاضافة التي نريد أن نغير بها البنية كأن نجعلها بنية للنفي أو العطف أو الصلة أو غيرها.و هنا لا بد من التنبيه إلى نمطين من التحويلات : التحويلات الاختيارية التي تهم بنية واحدة فقط مثل بنية النفي أو الاستفهام، و هي بدورها تنقسم إلى إجبارية تتعلق بالالصاق، و أحادية، و التحويلات المعممة التي تنسحب على بنيتين : مثل بنية العطف و بنية الصلة.
فعندما نقول مثلا :صغ تحويلا من التحويلات الاختيارية لجملة : ضرب الولد خالدا، فإن الجواب سيكون كالآتي:
1- الوصف البنيوي
ف+م.س+م.س 1 2 3
2-التغيير البنيوي
أد.استفهام+1-2-3؟
لنحصل على جملة من قبيل:هل ضرب الولد خالدا؟
أما إذا كان الأمر يتعلق بالتحويل المعمم فإن الناتج يكون كالآتي:
ضع تحويلا من التحويلات المعممة للجملتين الآتيتين:
- شرب الطفل لبنا
- أكل الطفل خبزا
1- الوصف البنيوي
شرب الطفل لبنا
1 2 3
2- أكل الطفل خبزا
4 5 6
2- التغيير البنيوي
1-2-3+و+4-6
إذا و فقط إذا كانت 2=5.
فنحصل في النهاية على جملة من قبيل:شرب الطفل لبنا و أكل خبزا.
و قبل أن ينتقل شومسكي إلى النموذج المعيار، فقد تلقى انتقادا لاذعا من تلامذته كاتز و فودر و بوسطال لاهماله أو تجاهله عنصر الدلالة في تحاليله، الأمر الذي اجتهد معه شومسكي بإضافة مكون دلالي يسمح بتسطير قوانين التأويل الدلالي للبنية العميقة.
7- البنية السطحية و البنية العميقة
بنيتان خصهما شومسكي بمقالة هامة نشرت في كتابه : دراسات عن الدلالة في النحو التوليدي؛1972، إلى جانب ملاحظات حول التأسيم، و مقالة أخيرة تهم بعض جوانب الجدل التجريبي.و الهدف من إضافة بنية عميقة إلى جانب البنية السطحية، هو لأجل ملاحظة خطوات الانتقال من البنية العميقة قبل التغيير إلى بنية سطحية بعد التغيير.لأن البنية العميقة هي مجموع الاطرادات التركيبية التحتية التي تتمتع بها الجمل.و إذا كانت البنية السطحية قد أدت دورها من خلال التحاليل التي قدمت لبنى بسيطة في العربية مثل التي من قبيل ف.فا.مف، فإن البنية العميقة قد تكونت انطلاقا من مؤشرات القاعدة، و هي العناصر الأولية للبنية العميقة.و إذا أردنا أن نصل بالمتوالية إلى السطح، وجب أن يتضمن المكون التركيبي مكونا تحويليا كذلك يسمح بنقل المتوالية أو اكثر من بنيتها العميقة إلى بنيتها السطحية، و هي الخرج الحقيقي لقراءة الجملة في نهاية تكوينها التركيبي.
8- النظرية الدلالية
لقد كان بناء النظرية اللسانية في نموذج 57 يهدف إلى بروز تعميمات، حيث المعنى يتحدد في البنية العميقة.و لعل من البوادر الهامة التي اعتنى بها شومسكي هي( الحفاظ على العلاقة بين البنية التركيبية و التمثيلات الدلالية)32.
و تتأسس النظرية الدلالية من مستويين اثنين :
أ- المعجم
و هو يسند معنى أوليا إلى المفردات اللغوية، كما يخصها بعدة سمات دلالية انطلاقا من مداخل معجمية تعتبر لائحة كاملة تحتوي على تمثيل دلالي يقوم على : القراءة الدلالية، و المشير الدلالي.و تشتمل المداخل المعجمية على سمات : تركيبية،و دلالية، و مميزة، و قيود انتقاء، لأن المعجم في النهاية يقدم لكل عنصر معجمي : صورته الفونولوجية، و خصائصه الانتقائية.
ب- قواعد الاسقاط:
و هي قواعد ربط، حيث تسقط قراءة الصرفيات على قراءة المركبات.و قواعد الاسقاط تعمل على تعويض العلامات المستعارة بوحدات معجمية، كما تشير إلى المواقع التي تدمج فيها الوحدات المعجمية : فكل علامة تعرف مقولة معجمية : س، و ف، و ص،....الخ،حيث س = اسم؛و ف=فعل؛و ص=صفة. فإذا لم يعد بالامكان إعادة كتابتها فإن ذلك يتم عن طريق تطبيق المعادلة الآتية:
أ larr;∆
و إذا كان بناء المكون الدلالي في النحو التوليدي قد قدم النظرية اللسانية، و فتح آفاقا جديدة تمثلت في إمكانية إحداث تمثيلات دلالية شكلت ولادة بنية الدلالة، على غرار التمثيلات التركيبية، فإن تقدم النظرية قد سمح بإقامة تمييز بين المكون الدلالي الناتج عن المكون التركيبي، وآخر اعتبر أساس البنية العميقة : حيث الأول أفرز لنا الدلالة التأويلية، بينما الثاني فقد أفرز الدلالة التوليدية.
9- تقدم البرنامج التوليدي
إلى حدود ما رسمناه من تقدم للبرنامج التوليدي على مستوى خلق روابط بين المستويين التركيبي و الدلالي على الخصوص، كان البحث جاريا من أجل استخلاص مزيد من الخصائص الكلية المشتركة من الأنحاء الخاصة، و هو ما أوحى للباحث اللساني المتميز شومسكي إلى إبعاد كل القواعد التحويلية المقترحة في النموذج التوليدي و اقتصر فقط على قاعدة واحدة هي : (انقل أ).لأن المنهج الذي انتهجه منذ البداية هو منهج استنباطي ينطلق من الذهن البشري، و ليس من استقراء للوقائع، و بالتالي فهو حريص على المضي قدما في هذا المنهج ليجيب على كثير من الأسئلة من قبيل:ما هي اللغة ؟ و ماذا تعلم عندما تتعلم اللغة؟ و ما هي الخصائص الأساس للغة الطبيعية؟...و هي الأسئلة التي كانت محور كتابه المعرفة اللغوية؛ 1986.فالسعي كل السعي كان نحو التعلم، و لذلك فقد أولى أهمية قصوى منذ المظاهر للبنية العميقة المسؤولة عن ترميز المعنى، ما دامت القواعد التي استنبطها ليست وظيفية بالمفهوم العام، و لكنها مرتبطة بالنحو الكلي المرتبط بالدماغ البشري، و الذي يتكيف معه الطفل استجابة للغة التي يكتسبها و ما تحمله من خصائص. لذا تم اقتراح نموذج آخر دعاه بالمبادئ و الوسائط الذي يقوم(على افتراض وجود نحو كلي، هو عبارة عن مبادئ كلية ثابتة و قارة و مستقلة عن اللغات بل مشتركة بينها، إلى جانب وسائط ترتبط بما ترسب عن القواعد الخاصة المميزة للغات المحدودة العدد، مما يجعل إمكانات التنوع بين لغة وأخرى جد مقيدة)33.
هذا إلى جانب عمله الهام الذي خص به برنامجه التوليدي و المتمثل في بناء نظريات دقيقة في تحليل اللغة مثل التي دعاها بنظرية س خط، و هي نظرية لقواعد البنية المركبية، فهي تضفي نوعا من التماثل البنيوي، حيث كل مفردة مركبة من رأس.و يمكن استخلاص مجموعة من التعميمات من هذه النظرية تبعا ل بلوم و كورني 1990 على النحو التالي:
1-المعجمة: تستلزم أن تكون كل المقولات المركبية اسقاطات لمقولات معجمية.
2- التتابع: كل س ن+1 تعلو س ن بالنسبة لكل نge;0
3-الاتساق: كل الاسقاطات القصوى لها المستوى نفسه من الخطوط.
4- الاسقاط الأقصى:كل ما ليس رأسا إسقاط أقصى.
5- المركزية: تستلزم أن يكون هناك مقولة معجمية واحدة بحيث تكون كل سلسلة في اللغة تتضمن على الأقل مثالا واحدا لهذه المقولة.
6- كل و فقط اللآرؤوس اختيارية: كل شيء اختياري ما عدا الرأس.
إن متابعة البرنامج التوليدي بكل دقائقه يستلزم منا كثيرا من الجهد في استنباط مكنونه، و قراءة الدلالات القوية و الأهداف الحقيقية التي كان يتوخاها، لذا أجد نفسي مرغما للتوقف عند حدود هذه النظرية، على اعتبار أن البرنامج حافل بكثير من النظريات مثل : نظرية الربط العاملي، و نظرية الأثر، و نظرية البرنامج الأدنى، هذا الأخير الذي قلص مستويات التمثيل المتعلقة بالنحو كما تم تقليص عدد التحويلات في السابق.
وفي الأخير أود أن أشير إلى أن العربية باعتبارها لغة طبيعية مثلها مثل سائر اللغات الأخرى هي بحاجة إلى كثيرمن العناية و التدقيق في بنيتها المعقدة باستخلاص مزيد من نتائج ما توصلت إليه الأبحاث اللسانية الجادة مثل الأبحاث الناجمة عن هذا الاتجاه التوليدي الذي يتزعمه شومسكي و محاولة تطبيقها عليها، خدمة لها، و دفعا بها نحو التقدم و العلو و الازدهار.
الهوامش:
1- ولد بسويسرا سنة 1857، مؤسس لعصر بأكمله من الدرس اللساني.تشكل أفكاره الجذور التي نبتت منها اللسانيات البنيوية.أول أعماله (مذكرات في النظام البدائي للحركات في اللغات الهندية-الأوروبية).نقل كتابه (محاضرات في اللسانيات العامة)بعد موته سنة 1913 إلى اليابانية 1928؛و الألمانية 1931؛و الروسية 1933 ؛ و الاسبانية 1945؛و الانجليزية 1959؛و البولندية 1961؛و الايطالية 1967 ؛ و في السنوات الأخيرة نقل إلى العربية.أثرت أفكاره في الأوساط اللغوية خصوصا أنطوان ميي الذي أكد أن اللغة حدث اجتماعي مستقل عن كل فرد و ليس لأي أحد كان أن يغيرها.
2-ولد سنة 1890 و توفي سنة 1938 من أصل روسي، علم باللسانيات و اللغات و أحد مؤسسي اتجاه براغ.و هو من أسرة عريقة تخرج منها عسكريون و مفكرون و رجالات الدولة بامتياز.انتخب أبوه سنة 1905 أول رئيس لجامعة موسكو.أهم انشغالاته كانت منصبة في الدراسات الفنولوجية.
3-من المفكريين و الأدبيين و النقاد و اللغويين الروسيين البارزين.عمر طويلا ولد سنة 1896 و وافته المنية في الثمانينيات من القرن الماضي:1982،و هو من رواد المدرسة الشكلية الروسية، و هو من أصول يهودية.أهم اهتماماته : اللسانيات المقارنة، و الوظائف اللغوية و تحليل النصوص.
4- رائد مدرسة براغ بدون منازع، ولد سنة 1908 بفرنسا.اشتغل باللسانيات الوظيفية و تدريس اللغة الانجليزية.أهم انجازاته:اللسانيات الآنية، وو مبادئ اللسانيات العامة،و اللغة و الوظيفة.و يعد مارتيني الامتداد الطبيعي لتروبتسكوي،لأنه ينظر إلى اللفظة من حيث استقلالها تركيبيا و موقعيا داخل نفس التركيب من خلال الوحدات الوظيفية و التي استخدمها في نظريته لعلم التركيب.
5- لساني فرنسي،ولد سنة 1902، له اهتمامات بالتحو المقارن، و باللسانيات العامة، كانت أطروحته التي تقدم بها سنة 1935 و المعنونة ب(أصول تكوين الأسماء في اللغات الهندو أوروبية)وقع خاص،حيث أدخلته في نطاق اللسانيين العالميين.من أهم إنجازاته (مشاكل اللسانيات العامة)سنة 1966، و 1974.توفي سنة 1976 بباريس.
6- لساني و فيلسوف دانماركي،تلقى تعليمه بباريس،ثم أصبح أستاذا للغات الرومانية بجامعة كوبنهاكن ,أسهم بأعمال عدة تهم النحو الكلي و الدلالة و الصرافة و التركيب و الفيلولوجيا.ولد سنة 1887،و توفي سنة 1942 من أعماله الهامة :اختبارات في اللغة العامة.
7- لساني إنجليزي و أستاذ الانجليزية بجامعة البنجاب.رائد من رواد مدرسة لندن،و أستاذ بجامعة لندن.و هو فونولوجي، و مهتم بانساق اللسانيات الوظيفية.و الدلالة اللغوية و سياق الحال.ولد سنة 1890 و توفي سنة 1960.من أعماله الهامة (ملفات في اللسانيات).
8- لساني إنجليزي، ولد سنة 1925، استطاع تطوير نسق النموذج اللساني الوظيفي للغة.له اهتمامات بالشكل و المادة و السياق.و قد عمل على وصف اللغة كنسق سيميائي.من أهم أعماله النحوية (مقولات في نظرية النحو).له عدة أعمال كان آخرها ( النبر في النحو الانجليزي)سنة 2008.
9- حيث الانطلاقة مع مدرسة جنيف التي تشكل البنيوية التقليدية، و مدرسة براغ الوظيفية، و مدرسة كوبنهاكن الكلوسيماتيكية، و مدرسة لندن.
10- مع شارل بالي الذي كانت له اهتمامات أخرى كاللسانيات التعبيرية، و نظرية عن المناقلة السنتاجمية و الوظيفية التي تعنى بالمبادئ التي تحكم عملية تغيير العلامة اللغوية لوظيفتها النحوية دون تغيير معناها المعجمي الأساسي.
11- مع ألبرت سيشهاي الذي اهتم بالعلاقة بين المنطق و علم اللغة.
12- مع فراي.
13- الذي كان يمثله نيكولاي تروبيتسكوي.
14- مع رومان ياكوبسون.
15- مع جون فورث.
16- أبرز رواد البنيوية، كان له اهتمام باللغات الهندية الأمريكية، و النسبية اللغوية.
17- قام بدراسة اللغات الجرمانية.
18-رائد المدرسة التوزيعية.
19- الذي قام بتوسيع النظرية التوزيعية
20- صاحب الاتجاه التوليدي.
21- ينظر المعجم الفرنسي.
22- المعجم اللساني.
23- الفاسي؛85؛ص.13.
24- انظر شومسكي 57.
25- الفاسي؛85؛ص.103.
26- م.ن.؛ص.25.
27- م.ن.؛ص.31.
28- محمد الأوراغي؛2010؛ص.179؛بتصرف.
29- شومسكي؛57؛ص.39.
30- شومسكي؛65؛ص.19.
31- م.ن.؛ص.46.
32- شومسكي؛1972؛ص.9
33-الفاسي الفهري؛المقارنة و التخطيط في البحث اللساني العربي؛1998؛ص.17.
أستاذ اللسانيات بكلية الآداب/ مكناس