بغداد: ببالغ الحزن والاسى تلقت الاوساط الثقافية والفنية العراقية خبر استشهاد الفنان التشكيلي ياسين عطيه بانفجار السيارة المفخخة الذي حدث في حي البنوك ببغداد صباح يوم الخميس، وقد كان الراحل يتناول الفطور في مطعم اسمه (الركن الأخضر) هناك وقد كانت السيارة مركونة امام المطعم.
والراحل من مواليد بغداد عام 1963، خريج معهد الفنون الجميلة، اعتقل من قبل مخابرات صدام نهاية الثمانينات لأسباب سياسية، واطلق سراحه باعجوبة، وفي عام 1998 دخل الدنمارك ليقيم في العاصمة كوبنهاغن، وبعد هذه السنوات قرر ان يزور بغداد فغادر الدنمارك يوم الاول من مايس/ مايو متوجها الى العراق الا ان القدر لم يمهله طويلا ليسدل الستارة على حياته بمثل ما عانى قبل مغادرته قبل نحو 15 عاما لم يصبر اكثر منها لفراق ناسه وبلده،فعاد فكان له الموت العراقي الخرافي بالاحضان.
وكان المخرج السينمائي والممثل جمال امين قد قال في معرض حديثه عن فيلمه السينمائي الذي يحمل عنوان (قطع غيار) انه اقترب في احدى شخصيات الفيلم من شخصية الفنان ياسين عطية الذي قال عنه (انه يحاول أن يعمل على تعميق مفهوم الجمال لدى المتلقي رغم مأساته، وأعتقد أن الفن يمتلك سحراً من حيث تأثيره على مجريات الحياة. وأنا أحاول كما الفنان ياسين عطية والغالبية من الفنانين العراقيين، أن أظل شاهداً على كل هذا الخراب العراقي).
وقد اكد االناقد محمود موسى، احد المقربين منه، ان الراحل جاء في زيارة لبغداد منذ مطلع الشهر الحالي (مايس / مايو) لسببين، الاول : للمطالبة بحقوقه كسجين سياسي سابق ايام صدام اذ اعتقل نهاية الثمانينيات مع صديقه وزميله الفنان الدكتور عبد الرضا فليح استاذ الرسم في كلية الفنون الجميلة وحاليا طالب دكتوراه، والسبب الثاني للعودة هناك متعلقات بأرث واموال تخص العائلة وهو لديه مشاكل مع اخوته حول هذا الجانب وكان مقرر انه يسافر صباح يوم الأحد المقبل.
فيما قالت الفنانة التشكيلية منى مرعي : هو فنان عانى ما عانى بالزمن ذاك من سجن سياسي ومنع من السفر، ثم سافر بالمر والمرار وكون لنفسه اسما ومكانة في الدنمارك، ثم رجع ليبني بيته في حي البنوك لكن القدر لم يمهله طويلا.
واضافت مخاطبة اياه : ابكيك صديقي وسأظل ابكيك...يا اطيب واصدق قلب عرفته منذ الزمن الجميل استغفر الله استغفر الله ولا حول ولا قوة الا بالله...لمن كنت ترسم ؟ لمن كنت تتألق بالوانك؟ كنت تخبرني : منى احب العراق واريد ارجع ابني بيتي يا خيتي....(هسه راح ياسين وراح البيت حتى يبقون اهل الكراسي...انا لله وانا اليه راجعون)
وتابعت : اخر محادثة لي معه وهو بالغربة اكد لي فبها ان اشتياقه للعراق قتله وقتله رجوعه اليه، قال لي بالحرف الواحد : (والله يا منى قتلني اشتياقي لكم وللعراق واتمنى اكون بينكم)
اما الفنان فاضل عباس اليحيى فقال عنه : وداعا صديقي الفنان التشكيلي الجميل..ياسين عطية،خطفك إنفجار منطقة البنوك اليوم، عشت في غربة هائلة....ورجعت لترى أهلك وأحباءك وأصدقاءك...ولم تشبع منهم..وما شبعوا منك،أرقد بسلام بدمك.. وأخر صرخاتك... وأمانيك بوطنٍ يجمعك بذكرياتك و حنينك....واطمأن أنا إليك قادمون...لسبب ما تأخرنا عن الموت.....و تقدمت أنت.....آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه يا حبيبي....
اما الفنان التشكيلي خالد المبارك فقال : ياسين عطيه من الفنانين التشكيلين المغتربين عاد مؤخرا من الدنمارك...لزيارة بلدة العراق...وهو محملا بالهموم والشوق للارض بلدة رغم الحياة والمغرياة الجميلة في بلد الغربة ورغم محبة الاجانب لاعماله،فاعماله تتسم بالتعبيرية وطالما ادهشة اعمالة وطرحة لثيمة اتسمت بشخصيته المسالمة والشفافة...والانسانية فهو يحمل هموم الانسان العراقي وعذاباته المستمرة وبدون انقطاع...ورغم قسوة الظروف والمخاطر...الذي يعيشه البلد وبالاحرى شخوصه المعذبة...اراد ان يكون بقربها...وبالتماس معها..، انه من جيل اتسم بصدق التعبير.
اما عن اعماله الفنية فيمكن قراءة شيء عنها مما كتبه الفنان علي النجار الذي قال : يبدو أن ثم وله بالإمساك بأجمل إشعاعات الطيف الملون سكن مخيلة الفنان ياسين عطية منذ أن تلمس خطواته الأكثر نضجا من مساره الفني. فرسوماته, وبحدود العقدين من السنين, لم تفقد بريق موشور ملونتها المنتقاة انبساطا من رحم بيئة مثالية لا تزال مزهرة على حافة المدارات الملتهبة. لقد انشأ عمارته اللونية المنتقاة بعناية لا تخلو من ولع تصميمي, ليس كما المعماري. بل بما يسمح لشروط اللعب من اخذ مداها, انسجاما, اختلاطا, بعثرة. وليفسح بعد ذلك للخبرة البصرية بأن تلملم عناصرها الإدراكية البيئية وتهيئها لتدخلاتها الدراماتيكية. فالحركة, وهي الشطر الحيوي من انثيالات الموشور اللوني تتوازى مسارات ممراتها وحركة مشخصاته(معظم تشخيصاته التقاطات حركية), مع الحفاظ على مساحات فضائية مفتوحة على سعة مشهديتها. لقد أدرك ياسين قوانين لعبته الضمنية(الحركة والسكون) وأنتج لنا رسومات جميلة.
واضاف : بما ان قرائننا لأي عمل فني, تفرض علينا(اظافة للذائقة) التقصي عن شروط الانجاز الزمنية, والمحركات الإبداعية بمصادرها الذاتية والمحيطية. وهذا ما نحاوله في معاينتنا لرسوم هذا الفنان العراقي المغترب. فرسومه وبشكل عام لا توارب بالإفصاح عن مرجعياتها الاثرية (بمعنى: أن يتحول العمل الفني أثرا, بعد انجازه مباشرة, وبصفته المتحفية الزمنية). هذه الرسوم, وكما أراها, تنتمي لعصر ألصورة (أللوحة) العراقية الذهبية. وعلى ما يبدو فان رسوماته انتقت(ربما بدون وعي او قصد) من أعمال الفنانين العراقيين الأقدم(فائق حسن, محمد علي شاكر, وحتى بعض من رسوم كاظم حيدر) الكثير من ملونة رسومهم او اطرافها. مثلما هي بعض من تداعيات تلك الشواخص الفنية المتجددة زمنيا، لكنها, ومثلما هي جزء لا ينفصل من مشهدية الصورة (اللوحة) الأوربية في عصر إنتاج هؤلاء الفنانين المتقارب. هي أيضا تعالج الأثر البيئي بأدوات تتراوح ما بين انطباعية محدثة, وتعبيرية مخففة. مع كون اللون في هذه الرسوم, قبل إن يكون تجريديا( ظاهريا), هو أيضا, يتعدى هذه الصيغة لصالح ادراكاته التعبيرية البيئية.
اما الفنان محمد الذهبي فكتب عنه قائلا : كلما انظر الى اعمال التشكيلي العراقي المغترب في الدنمارك ( ياسين عطية ) اتذكر مقولة مكسيم غوركي ( جئت الى هذا العالم.. كي احتج ) لكن احتجاج هذا الفنان من نوع خاص، ليس صراخا بل هادئ مثل شخصيته فبالرغم من كل ما مر به هذا الفنان من ظروف صعبة مذ تخرج في معهد الفنون الجميلة ليقاد الى سجن ابي غريب الرهيب بحجة تجاوز الحدود، وهو اذ يجتهد في احتجاجه عبر مشاهد لقصص عشق ذاتية وانثيالاث متداعية من ذاكرة تمتلئ بشتى الصور المختزنة ليعيدها خطوطا والوانا،ليبقى فنه يرتبط بالمرئي من الأشياء، ويظل فناً وصفياً تابعا من ذات الواقع عبر أسلوب قائم على تفكيك جوهر الاشياء المختفية وراء المظاهر الحياتية للانسان المعاصر وهمومه، ليقوم الفنان باعطاء تعبير محسوس لهذا الجوهر في محاولة جادة لاكتشاف غير المرئي والمستتر في ذات الاشياء وطريقة وجودها
واضاف : ان اعمال الفنان ( ياسين عطية) هي بحث عن منفذ ينفتح على فضاء واسع في تطوير التجربة التجريدية سواء من الناحية الشكلية او التقنية، فالتجديد عنده يعتمد بشكل اساس على التكنيك والقدرة على استعمال اللون وتكييف اتساقه معرفيا، الى جانب اختيار المقاسات المناسبة بمختلف الأحجام وخاصة ذات الحجوم الكبيرة تلعب دوراً في عملية التلقي والتاثير.
رحم الله الراحل الفنان ياسين عطية الذي بكاه اصدقاؤه ومحبوه وأهل الفن العراقي ومن عاشوا معه قبل رحيله من العراق وقبل رحيله من الدنيا.