في مستودع في وسط لندن، تقبع آلاف اللوحات والرسمات والقطع الفنية بانتظار إرسالها إلى أرجاء المعمورة كافة في ما يشبه مغارة علي بابا تضمّ أدوات تستخدمها بريطانيا للممارسة "قوّتها الناعمة".
تشمل مجموعة القطع الفنية التابعة للحكومة البريطانية حوالى 14 ألف قطعة أغلبيتها من تصميم فنانين بريطانيين، جُمعت خلال القرنين الماضيين. ويمكن عرضها في مراكز القنصليات ومقرات ومكاتب حكومية في أنحاء العالم أجمع.
ففي مقرّ الحكومة البريطانية، بورتريهات للرسام البريطاني لوسيين فرويد وعمل لجون كونستابل، وهو من أكبر رسامي الفن التصويري الطبيعي في القرن التاسع عشر. وتُعرض في السفارة البريطانية في البحرين سلسلة من الأعمال المطبوعة بالشاشة الحريرية لباربارا هيبوورث، في حين علّقت على جدران السفارة في واشنطن أعمال لداميين هيرست وللرسام وليام هوغارث من القرن الثامن عشر.
وتقول بيني جونسون المديرة القيّمة على هذه المجموعة إن "التحف الفنية قد تساهم في كسر الجليد وإطلاق حوار، فضلا عن الإشعاع الثقافي لبريطانيا".
وقد يختار بعض السفراء التحف التي يريدون اصطحابها معهم، في حين يقع الخيار على بعضها نظرا لتماشيها مع موقع عرضها. فقد استعملت الرسامة بريجيت رايلي للوحتها "ريفلكشن" (1982) المعروضة في سفارة القاهرة الألوان عينها التي كانت رائجة في مصر القديمة.
- الحرّ والحشرات -
ثلثا هذه المجموعة تقريبا موزّع في أكثر من 150 مدينة، والبعض أفضل حالا من تحف أخرى، خصوصا أن الحرّ الشديد والحشرات يشكّلان خطرا على التحف الفنية. ويعكف القيّمون عليها على تكييفها مع الظروف المناخية من خلال مثلا عزل ظهر اللوحات بشرائط ألومنيوم.
والمخاطر المحدقة بالأعمال قد تكون أيضا من نوع مختلف، فقد أرسل أخيرا سفير عملا فنيا هشّا إلى لندن خشية من أن يخرّبه أولاده الثلاثة.

كما قد يكون بعض التحف الفنية عرضة للتوترات الدبلوماسية. فالمتظاهرون الذين هاجموا السفارة البريطانية في طهران سنة 2011 احتجاجا على العقوبات الغربية المفروضة بسبب البرنامج النووي الإيراني قد خرّبوا اللوحات المعروضة فيها، بحسب بيني جونسون.
وأعادت السفارة فتح ابوابها في العام 2015 وعادت العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها في السنة التالية، لكن التحف الفنية لم تعد إلى الموقع إلا قبل بضعة أشهر. وتكشف جونسون أن بورتريه للملكة فيكتوريا "هو قيد الترميم ونأمل أن تعاد كلّ الأعمال إلى طهران في كانون الأول/ديسمبر".
- مواكبة الصيحات -
تتمتّع المجموعة بميزانية قدرها 855 ألف جنيه استرليني (960 ألف يورو) ممولة من الحكومة لتغطية التكاليف ذات الصلة بعمليات الشراء والحفظ والنقل وعرض التحف.
وتتلقى المجموعة أيضا هبات خاصة تسمح لها بمواكبة أحدث الصيحات. ففي أيلول/سبتمبر، أعلنت الإدارة عن طلب 10 أعمال من 10 فنانين في خلال العقد المقبل بتمويل من فاعلي خير قيمته 500 ألف جنيه استرليني.
وقال مايكل إليس الوزير المكلّف بشؤون الفنّ وقت إطلاق هذا المشروع إن "الفنون والثقافة هي من أفضل بطاقات التعريف في العالم"، مشيرا إلى أن هذه المجموعة الفنية هي "أداة من أدوات قوّتنا الناعمة في العالم".
وقد تصدرت بريطانيا هذه السنة التصنيف القائم على مؤشّر قوّة الإقناع أو ما يُعرف أيضا بالقوّة الناعمة الذي تعدّه المجموعة البريطانية "بورتلاند كوميونيكيشنز"، ما يدّل على تأثيرها في العالم على صعيد الثقافة والرياضة والإبداع والمالية والتكنولوجيا. لكن المجموعة حذّرت من أن الالتباس المحيط بسبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في آذار/مارس 2019 قد يطيح بهذه المزايا.