تواصل عمليات الدعم لمؤسسات التمويل الأميركية
متغيرات إقتصادية جديدة ترافق نهاية بوش الرئاسية وتهز العالم

واشنطن, باريس
تلخصت تقاطعات المتغيرات العالمية في خلق سقطات اقتصادية متوالية ذات تأثير عالمي، تعكس اتجاه الصرف في عهد بوش الأبن والذي كسر جرة الثروة والبناء التي بنيت في عهد سلفه كلينتون ليدخل الاقتصاد الأميركي والعالمي من بعده في مسلسل جديد.

وألقت الأزمة المالية بظلها على نهاية ولاية الرئيس الأميركي جورج بوش الذي لطالما تصدى لمنتقديه متسلحا بمتانة الاقتصاد الأميركي.

وقبل أربعة أشهر من خروجه من البيت الأبيض يواجه بوش سؤالا حاسما: هل يتحمل مسؤولية الوضع الذي وصل إليه الاقتصاد الأميركي؟ حيث يعتبر الديمقراطي باراك اوباما أن انتخاب جون ماكين يعني التمديد أربع سنوات لولايتي بوش، فيما يعد المرشح الجمهوري من جانبه أيضا بالتغيير.

ويدرك كلا المرشحان انه في حال انتخابه سيجد نفسه في 20 يناير عند دخوله البيت الأبيض في مواجهة وضع صعب حيث ما زال أكثر من مئة ألف جندي أميركي منتشرين في العراق، وأفغانستان تغرق في حرب مستمرة منذ أكثر من سبع سنوات، وإيران لا تزال تتحدى الولايات المتحدة ببرنامجها النووي، والتحالف مع باكستان بات مزعزعا.

ولا تقتصر الصعوبات على هذا القدر، بل شهدت علاقات إدارة بوش مع روسيا في الآونة الأخيرة اخطر أزمة منذ الحرب الباردة.

كما ظهرت شكوك بشأن تفكيك أسلحة كوريا الشمالية النووية، وتراجع الأمل في التوصل إلى اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وتجرأت بوليفيا رغم صغر حجمها على طرد السفير الأميركي.

وعندما حان الوقت قبل بضعة أشهر لاستخلاص أولى محصلات رئاسة بوش، طرحت تساؤلات جدية حول الوضع الذي سيترك بوش فيه الاقتصاد الأميركي لخلفه، ولو أن هذه التساؤلات لا تقارن بمستوى الهلع الحالي.

وأعرب بوش قبل سنة عن quot;تفاؤلهquot; فأكد أن quot;المعطيات الجوهرية لاقتصادنا متينةquot;، معترفا في الوقت نفسه بان أزمة القطاع العقاري تثير بلبلة. أما الآن، فان الولايات المتحدة باتت تواجه خطر انكماش اقتصادي فيما وصلت نسبة البطالة في أغسطس إلى أعلى مستوياتها منذ خمس سنوات.

وإزاء الوضع المالي الشديد الاضطراب، اتهمت المرشحة الجمهورية لنيابة الرئاسة سارة بايلن quot;واشنطنquot; بأنها أغفلت دورها الاقتصادي واعتبرت أن التنظيمات التي تضبط عمل الأسواق تخطاها الزمن.

ورد وزير الخزانة هنري بولسون مؤكدا quot;أنني العب بالأوراق التي ورثتهاquot;، وقال quot;لدينا آلية بالية لضبط القطاع المالي وضعت قبل زمن طويل بعد حقبة الركودquot; عام 1929.

من جهته قال المرشح الديمقراطي للرئاسة باراك اوباما انه لا يحمل خصمه الجمهوري مسؤولية الأزمة المالية لكنه أضاف quot;اتهم الفلسفة الاقتصادية التي يعتنقها، أنها الفلسفة ذاتها التي طبقت خلال السنوات الثماني الأخيرةquot;.وفي المقابل، اتهم البيت الأبيض الديمقراطيين بوضع العراقيل في وجه مشروع لإصلاح آليات الضبط المالي مطروح منذ أشهر على الكونغرس حيث يملكون الغالبية.

وتؤكد الرئاسة الأميركية في هذا المجال كما في سائر المجالات أنها تحرص على تمهيد الطريق لتسلم الإدارة المقبلة.ويشدد بوش على انه يترك لخلفه الآليات المتعددة الأطراف الضرورية لمواصلة الضغط بالاشتراك مع دول أخرى على كوريا الشمالية وإيران.

ومن الانجازات التي حققتها إدارة بوش أيضا تحسين الأمن في العراق وعدم وقوع اعتداءات إرهابية على الأراضي الأميركية منذ 2001، كما أنعشت مجموعة quot;اميركان انترناشونال غروبquot; (ايه آي جي) العملاقة في مجال التأمين التي أنقذها الاحتياطي الفدرالي الأميركي من الإفلاس في اللحظة الأخيرة،

وقال رئيس غانا جون كوفور الاثنين أن بوش quot;ناجquot; من رئاسة طبعتها أحداث quot;تبعث على الهولquot; وأضاف متوجها إلى الرئيس الأميركي quot;أرجو أن يكون التاريخ أكثر تعاطفا معكquot;.ويعيد وضع الاقتصاد الأميركي الراهن إلي الأذهان الأزمة الاقتصادية العام 1929 التي تذكر بها الاضطرابات المالية التي تشهدها الأسواق حاليا، بانهيار في البورصة لا سابق له في الولايات المتحدة أدت إلى عمليات إفلاس وبطالة معممة عبر الدول الصناعية.

استمرار محاولات البناء والدعم للمؤسسات الإئتمانية المتعثرة
اعلن الاحتياطي الفدرالي الاميركي مساء أمس الثلاثاء انه سيقدم قرضا لمجموعة quot;ايه آي جيquot; قد تصل قيمته الى 85 مليار دولار مبررة ذلك بالمخاطر التي قد يطرحها إفلاس هذه المجموعة العملاقة على الأسواق المالية المهتزة في الأساس.

وأوضح ماساتوشي ساتو الوسيط لدى quot;ميزوهو اينفسترز سيكيورتيزquot; ان تدخل الاحتياطي الفدرالي quot;يعتبر الخطوة الاولى باتجاه احلال الاستقرار في السوق المالية وهذا يشتمل على شراءquot; اسهم. لكنه أسف لكون quot;المبادئ التي توجه السلطات المالية غير واضحةquot; مشيرا إلى أن السوق تتساءل لماذا هب الاحتياطي الفدرالي ووزارة الخزانة الأميركية لنجدة quot;ايه آي جيquot; وquot;فريدي ماكquot; وquot;فاني مايquot; ولم تفعل ذلك مع ليمان براذرزوحذر ساتو من أن quot;المخاطر لا تزال مرتفعة وستعاني السوق من فترة عدم استقرار لبعض الوقتquot;.

وأعلن الاحتياطي الفدرالي الاميركي الثلاثاء الإبقاء على نسبة الفائد على مستواها الحالي أي 2 في المئة رغم تسارع الأزمة المالية. وابقي المصرف المركزي الياباني ايضا على نسبة الفائدة على 0,50 في المئة الأربعاء كما كانت تتوقع السوق.

وضخت المصارف المركزية الرئيسية في العالم مليارات الدولارات والين واليورو في الأيام الأخيرة في أنظمتها المصرفية في محاولة لتهدئة الأسواق. وقد ضخ المصرف المركزي الياباني الأربعاء كذلك ثلاثة آلاف مليار ين.

ويشار إلى أن مجموعة quot;اميركان انترناشونال غروبquot; (ايه آي جي) العملاقة في مجال التأمين التي أنقذها الاحتياطي الفدرالي الأميركي من الإفلاس في اللحظة الأخيرة الثلاثاء، توظف 116 إلف شخص في العالم وتغطي 74 مليون زبون غالبيتهم في الولايات المتحدة، وتحتل المركز الثامن عشر في التصنيف العالمي للشركات في مجلة quot;فوربزquot; الأميركية التي ترتكز على اربعة معايير (رقم الأعمال والأصول والرسملة في البورصة والأرباح). وهذه المجموعة التي كانت لفترة طويلة الشركة الاولى في العالم في مجالها أصبحت الآن في المرتبة الثالثة بعد الشركة الهولندية quot;آي ان جيquot; والألمانية quot;آليانزquot;.

ويدير قسم الخدمات المالية فرع الطائرات quot;انترناشونال ليس فاينانس كوربوريشينquot; اكبر زبون لمجموعتي ايرباص وبوينغ. وتدير هذه الشركة أسطولا يضم أكثر من 900 طائرة تبلغ قيمتها أكثر من 50 مليار دولار.

ردود فعل متفاوتة للبورصات العالمية
صدرت عن بورصات آسيا وأوروبا ردود فعل متفاوتة الأربعاء بعد يومين من الأزمة المالية الكبيرة، إذ تنفس بعضها الصعداء لإنقاذ شركة التأمين الأميركية quot;ايه آي جيquot; ويشعرون آخرون بالخوف من المفاجآت غير السارة التي قد تصدر من وول ستريت.وفتحت أسواق البورصة الأوروبية التي عانت كثيرا الاثنين والثلاثاء، على ارتفاع الأربعاء لكن التفاؤل العام سرعان ما تلاشى.ففي باريس خسر مؤشر quot;كاك 40quot; 1,04 في المئة. وفي الوقت ذاته كسب مؤشر داكس في بورصة فرانكفورت 0,52 في المئة، وفي لندن تحسن مؤشر quot;فوتسي-100quot; في الوقت ذاته بنسبة 1,92 في المئة وتراجعت بورصة امستردام بنسبة 0,02 في المئة وهلنسكي 0,15 في المئة فيما ارتفعت بورصة بروكسل 0,97 في المئة ومدريد 1,21 في المئة واوسلو 2,48 في المئة وسويسرا 0,95 في المئة ، وفي الوقت ذاته كان مؤشر quot;يوروستوكquot; الأوروبي متسحنا بنسبة 0,86 في المئة، وتم تعليق التداول في بورصتي موسكو quot;ار تي اسquot; و quot;ميسيكسquot; بعدما تراجع المؤشر الرئيسي ار تي اسquot; اكثر من 6,39 في المئة، وفي آسيا تراجعت كل بورصات المنطقة تقريبا مع حلول التشاؤم مجددا، إذ سجل مؤشر نيكاني صعوداً في بورصة طوكيو 1,21 في المئة عند الإقفال، وأقفلت سيئول على ارتفاع قدره 2,7 في المئة وتايبه 0,77 في المئة ومانيلا 1,46 في المئة ونيوزيلندا 1,32 في المئة. في المقابل اقفل مؤشر هانغ سينغ في هونغ كونغ على تراجع نسبته 3,63 في المئة في شنغهاي انخفض المؤشر 2,90 في المئة. وأنهت بورصة سيدني جلسات التدوال على تراجع 0,60 في المئة، وخسرت بورصة سنغافورة نحو 2,26 في المئة وبومباي 1,84 في المئة وبانكوك 2,71 في المئة وكوالالمبور 1,04 في المئة في حين عاودت بورصة جاكرتا ارتفاعها 0,96 في المئة.

quot;الخميس الأسودquot; ... ذكرى قد تعود
وانطلقت الأزمة الخميس في 24 أكتوبر 1929 في بورصة نيويورك بعدما طرح 13 مليون سهم في السوق لكن الأسعار انهارت بسبب غياب مشترين.وانتشر الذعر وهرع المستثمرون والفضوليون إلى البورصة في حين بدأ الوسطاء البيع بكثافة. وقرابة ظهر ذلك اليوم خسر مؤشر داوو جونز 22,6 في المئة من قيمته. وبعد ساعات قليلة وجد آلاف المساهمين أنفسهم مفلسين. وتفيد الروايات أن 11 مضاربا انتحروا في نهاية النهار بإلقاء أنفسهم من ناطحات سحاب في منهاتن.

وقد تبخر ما مجموعه سبعة إلى تسعة مليارات دولار في يوم واحد. وانهارت البورصة خاسرة 30 في المئة من قيمتها في تشرين الأول/أكتوبر و50 في المئة في نوفمبر.

وبلغت الخسائر الإجمالية 30 مليار دولار أي عشرة مرات أكثر من الميزانية الفدرالية وأكثر من النفقات الأميركية خلال الحرب العالمية الأولى. و يبقي quot;الخميس الأسودquot; راسخا في الذاكرة الجماعية ويحضر هاجس العام 1929 إلى النفوس كلما حصلت اضطرابات في الأسواق المالية.وكانت هذه النكسة المالية الكبيرة مقدمة للازمة الكبرى التي ضربت الولايات المتحدة وأوروبا.واتى ذلك رغم أن الولايات المتحدة كانت تتمتع منذ مطلع عشرينات القرن الماضي بازدهار اقتصادي مدعوم بارتفاع في أرباح الشركات وفي أسعار أسهمها.

وكان نحو 2 في المئة من الشعب الأميركي يملك أسهما وسندات في البورصة اقتناعا منهم بإمكانية تحقيق مكاسب سريعة.وبلغت بورصة وول ستريت أعلى مستوى لها في الثالث من سبتمبر 1929. والمضاربون الذين لم تكن تتوافر لهم الوسائل كانوا يجرون تعاملاتهم معتمدين على قروض أو من خلال إيداع سندات أخرى تشكل ضمانات.ولم يكن احد يدرك أن أسعار الأسهم في البورصة كانت تفوق قيمتها الفعلية مما جعل وول ستريت تفقد أي اتصال مع الواقع الاقتصادي.وquot;الخميس الأسودquot; الذي شكل نهاية لمرحلة المضاربة هذه انعكس على كل الأسواق المالية العالمية بدءا بلندن.

وفي ربيع العام 1930 دخلت الولايات المتحدة مرحلة انكماش ما أدى إلى تراجع الإنتاج والى عمليات إفلاس وكانت تداعياتها الأخطر بطالة واسعة.

وتحول حادث في البورصة سريعا إلى أزمة عالمية حادة للغاية هي الأخطر التي شهدها النظام الرأسمالي. وبسبب ثقل الاقتصاد الأميركي (45 في المئة من الإنتاج الصناعي العالمي) انتقلت عدوى الأزمة الاقتصادية الكبرى في الثلاثينات إلى الدول الغربية.وبدأ الانتعاش في الولايات المتحدة العام 1933 مع سياسة quot;العهد الجديدquot; (نيو ديل) التي وضعها فرانكلين روزفلت. وفي ألمانيا تسببت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في انهيار جمهورية فيمار واستغلها النازيون للوصول إلى السلطة وعمدوا إلى تنشيط الاقتصاد عبر مشاريع ضخمة وإعادة تسليح عسكرية كثيفة.