تحولت أنظار العلماء إلى ما يسمّى بالطاقة المستمدة من الهيدروجين، خلال سعيهم إلى إيجاد الطاقة البديلة للنفط، وقد انطلقت الفكرة من الدانمارك وانتقلت إلى ألمانيا، ويعمل مهندسون على تنفيذها منذ 2007، وأطلق على هذا المشروع، الذي يعتقد أنه سيكون من المشاريع الواعدة اسم بلدات H2pia، ويدفع إلى التفكير في نمط حياة جديد في المستقبل القريب. كما بدأت مصانع سيارات ألمانية بالاهتمام بطاقة الهيدروجين، حيث تطور دايملر حالياً محطات إعادةشحن الوقود الهيدروجيني.

برلين: كل الدول الصناعية تعمل حالياً على تقليل اعتمادها على النفط، فهي الثروة الطبيعية التي سوف تنضب في يوم من الأيام، لذا نرى رواد الصناعة يسعون إلى العثور على البديل، خاصة من أجل توفير الطاقة، وأيضاً بتكاليف أقل. ولقد اقتربوا إلى هذا الهدف بعض الشيء، ببدأ اعتمادهم منذ سنوات على الطاقة المتجددة، إن كان مصدرها من الشمس أو الرياح أو الماء، إلا أن ذلك لن يكون كافياً من أجل مواصلة تمتع الإنسان بالرفاهية في البلدان الغنية، التي اعتاد عليها، ومن الصعب تخليه عنها.

تحولت أنظار العلماء إلى ما يسمّى بالطاقة المستمدة من الهيدروجين، خلال سعيهم إلى إيجاد الطاقة البديلة للنفط، وتوجد حالياً نماذج صغيرة في أول مراحل تطورها. ولقد انطلقت الفكرة من الدانمارك وانتقلت إلى ألمانيا، ويعمل مهندسون على تنفيذها منذ عام 2007، على الرغم من معوقات كثيرة، مثل عدم توافر المساحات الشاسعة وعدم توافر اليد العاملة الخبيرة في هذا المجال.

وأطلق على هذا المشروع، الذي يعتقد أنه سيكون من المشاريع الواعدة اسم بلدات H2pia، ويمكن وصف ما يشاد حالياً في الدانمارك وألمانيا بأنه أول تجربة في العالم، ويدفع هذا المشروع إلى التفكير في نمط حياة جديد في المستقبل القريب، لا سيما وأن كل التقديرات تشير إلى زيادة عدد سكان الأرض بنسبة 24 % حتى عام 2023، إضافة إلى ارتفاع عدد وسائل النقل على أنواعها من وإلى كل بقعة من العالم بنسبة 50 %. ما يعني أن منتجي النفط عليهم التفكير الجدي برفع قدراتهم الإنتاجية من أجل تلبية نمو الطلب على النفط.

وتمثل منازل بلدات H2pia نموذجاً لمدينة عملية، تضمن مجتمع الرفاهية المتوازن بين الاستهلاك والتلوث، وتستمد طاقتها من وقود المستقبل، أو الهيدروجين، وهو أبسط عنصر عرفه الإنسان، حيث يتكون من بروتون واحد والكترون واحد، ويمثل أكثر من 90 % من مكونات الكون، و30 % من كتلة الشمس، وهو ثالث أكثر العناصر توافراً على سطح الأرض. والهيدروجين غاز ليس له لون أو طعم أو رائحة، وهو غير سام، ويتكون من جزيء ثنائي الذرة H2 ولا يوجد منفرداً، بل يرتبط دائماً مع عنصر آخر، فهو يرتبط بالأوكسيجين مكوناً الماء H2O، ويرتبط مع الكربون مكوناً مركبات مختلفة مثل الميثان والبترول.

وتعمل بنية بلدات H2pia التحتية بالكامل عن طريق خلايا وقود الهيدورجين التي تنتج الكهرباء، من خلال تفاعل كهربائي كيميائي باستخدام الهيدروجين والأوكسجين، مما سيسمح بالتالي بتقليص انبعاثات ثاني اكسيد الكربون، من جهة، ومن جهة أخرى تقليل الاعتماد على النفط الذي يشهد حالياً أزمة طلب المتعطشين له، من أجل تطوير صناعاتهم، كالصين وبلدان غربية. ويهدف المشروع إلى وضع حجر الأساس لمجتمع مدني كامل، يتكوّن من منازل ومكاتب ومتاجر ووسائل نقل، يقطنه أشخاص بحثوا طويلاً عن بيئة نظيفة وغير ملوثة.

وسوف تصمم البلدات وفق صناعة جديدة، تخوّل الهندسة المعمارية التقليدية معانقة الضرورات الناجمة من وجوب اعتماد تكنولوجيا الهيدروجين وأجهزتها. وهذا يفسر التباين بينها وبين التركيبة المعيارية لأية مدينة أخرى في العالم. وسيتم في خارج وسط بلدات H2pia تركيز الألواح الشمسية وتوربينات الرياح، وهي شفرات دوارة تحمل على عمود ومولد يعمل على تحويل الطاقة الحركية للرياح إلى طاقة كهربائية، فعندما تمر الرياح على الشفرات، تخلق دفعة هواء ديناميكية تتسبب في دوران الشفرات. وهذا الدوران يشغل المولد، فينتج طاقة الكهرباء التي تغذي البلدات بالطاقة والهيدروجين معاً.

وبهذا، ستوزع الطاقة المتجددة المستمدة من الشمس والريح، مباشرة على سكان هذه البلدات وتخزن الكمية الطاقوية الفائضة كي تحول في وقت لاحق إلى هيدروجين، كلما تضاءلت قوة الرياح او اشعة الشمس. وستحتوي ما يسمى بـ H2pia Public على محطة تدفئة مركزية ومنشأة لتوليد الكهرباء، عن طريق خلايا وقود الهيدروجين، ومضخات عدة لتعبئة خزنات وسائل النقل العامة والسيارات العاملة بوقود الهيدروجين.

وهناك مكان مهم آخر في البلدات هذه أطلق عليه اسم H2pia Share حيث تنتشر فيه المكاتب وأماكن التسلية. وقسمت المناطق السكنية إلى ثلاث فئات، وذلك اعتماداً على حاجات السكان، وتدعى المنطقة السكنية الأولى Villa Unplugged، وهي مخصصة للعائلات التي تعشق الحرية والحياة متعددة الجوانب، والمنطقة غير موصولة بمحطة بلدات H2pia الكهربائية المركزية، لأن سكانها سوف يشرفون على إنتاج طاقة الهيدروجين بأنفسهم، بغية استعمالها لمتطالباتهم المنزلية وتعبئة خزانات سياراتهم الخاصة. وستقع تلك المنطقة في ما يسمى بمنطقة الريف لاستغلال الطبيعة ومساحاتها المفتوحة إلى أبعد حد ممكن.

أما سكان المنطقة المسماة Villa Plugged فغالبيتهم سيكونون من الجيل الشاب، ويمكنهم استخدام كل ما يحتاجونه من الطاقة الكهربائية المنتجة في مركز المدينة H2pia Public. أما المنطقة السكنية الثالثة والأخيرة فيه عبارة عن فيلات هجينة Villa Hybrid يمكن لسكانها إما توليد كل احتياجاتهم من الطاقة ذاتياً، أو الاعتماد على المحطة المركزية، وستكون منازل تلك المنطقة فاخرة، وتطل على مناظر طبيعية، وستخصص للعائلات الغنية التي تستعمل في غالب الأوقات سيارات الهيدروجين للتنقل.

ويقف وراء هذا المشروع عدد من الشركات الدانماريكية والألمانية الناشئة التي تطالب بوجوب إنشاء مجتمع يعتمد سكانه في حياتهم اليومية على طاقة الهيدروجين المتجددة. ولقد بدأت بالفعل مصانع سيارات ألمانية بإعطاء اهتمام لطاقة الهيدروجين، حيث تطور دايملر الألمانية حالياً محطات إعادة شحن الوقود الهيدروجيني، بدلاً من محطات البنزين. إذ تعتبر السيارة التي تعمل على طاقة الهيدروجين، باستخدام خلية وقود لتحويل المواد الكيمائية إلى طاقة كهربائية، تعتبرها سيارة المستقبل.