تتجه السعودية والهند لإقامة صندوق نقد مشترك للاستثمار، لتشجيع الاستثمارات السعودية في مشاريع البنية التحتية في الهند، ومثلت زيارة الأمير سلمان بن عبد العزيز إلى البلد الآسيوي العملاق تواصلاً للتطور في العلاقات والشراكة الإستراتيجية بين البلدين.

رضا محمود علي من الرياض: تمثل زيارة الأمير سلمان بن عبد العزيز للهند، والتي يرافقه فيها وفد من رجال الأعمال، تواصلاً للتطور في العلاقات والشراكة الإستراتيجية بين البلدين، وينظر إليها في إطار المداولات المستمرة بين قيادتي البلدين وممثلي الشركات السعودية والهندية لبحث أوجه التعاون المشترك وإمكانية عقد شراكات تجارية واستثمارية بين الجانبين، خاصة وأن البلدين يتجهان لإقامة صندوق نقد للاستثمار الهندي - السعودي، لتشجيع الاستثمارات السعودية في مشاريع البنية التحتية في الهند، وهو ما سيشكل فرصة كبيرة للشركات السعودية للاستفادة مما يتيحه هذا الصندوق من خدمات تمويلية.

وكان الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض قدإستهلّ مباحثاته في الهند بلقاء نائب رئيس الجمهورية الهندية محمد حامد أنصاري، الذي وصف الزيارة بأنها تعكس عمق العلاقات بين البلدين، فيما وصف الأمير سلمان الهند بالشريك الاستراتيجي للمملكة العربية السعودية.
وأعرب الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض خلال لقائه رجال الأعمال الهنود عن أمله في أن تكون العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري أكثر وأقوى، حتى يستفيد الطرفان منها، مشيرًا إلى أن الاقتصاد السعودي اقتصاد حر ومفتوح وقابل للمنافسة، طالبًا من رجال الأعمال السعوديين والهنود العمل معًا بتعاون تام وكامل، مؤكدًا ترحيب المملكة العربية السعودية بتعزيز التعاون مع الجانب الهندي.

من جهته، أشار وزير الاتصالات وتقنية المعلومات الهندي إلى نمو التبادل التجاري بين البلدين بمعدلات عالية بلغت أكثر من ثلاثة أضعاف، لافتًا إلى تطور الاقتصاد الهندي، خاصة في مجال تقنية المعلومات والبرمجيات، حيث يتوقع تحقيق معدل نمو عام يقدر بـ 8 %، و نموًّا بمعدل 20 % في قطاع تقنية المعلومات.

وعبّر الوزير الهندي عن الأمل في تواصل التعاون بين المملكة والهند في مجالات تقنية المعلومات والاستثمار بالشكل المناسب لتحويل اقتصاديات البلدين إلى اقتصاد معرفي. ومن المؤكد أن تدعم زيارة أمير الرياض لنيودلهي العلاقات الثنائية، خاصة الاقتصادية منها، إذ إن الاقتصاد الهندي من الاقتصادات العالمية القوية، كما هي حال الاقتصاد السعودي، مما يجعل الفرصة مهيّأة للاستفادة من هذا الواقع في بناء شراكة اقتصادية كبيرة، يمكن للقطاعين الخاص السعودي والهندي أن يمثلا فيها دورًا كبيرًا، خاصة مع وجود محفزات وفرص لهذا الدور، تتمثل في احتياج الهند لما لا يقل عن 500 مليار دولار لمشاريع البنية التحتية في الأعوام الخمسة المقبلة وفقًا لتقديرات الجانب الهندي، وإعلان السعودية برنامجها للاستثمار في القطاعين الحكومي والنفطي في حدود 400 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، والطفرة الاقتصادية التي تشهدها في قطاعات عدة، مثل الإنشاءات والاتصالات ومواد البناء والصحة والتعليم وتوليد الطاقة وتحلية المياه والسكك الحديدية والطرق، ما يجعلها تبحث عن شركاء في عملية التطوير والبناء، ما يفتح المجال أمام المستثمرين الهنود، إضافة إلى أن الاستثمار في البلدين يسجل نموًّا منذ خمس سنوات، ما يفسر حرص البلدين على زيادة التبادل التجاري.

وتعقب زيارة الأمير سلمان بن عبد العزيز للهند زيارة رئيس الوزراء مانموهان سينج إلى الرياض في فبراير/شباط الماضي، وتلي أيضًا سلسلة من الزيارات المتبادلة، ما يعكس أهمية توقيتها، كان آخرها اجتماعات الدورة الثامنة للجنة السعودية الهندية المشتركة للتعاون الاقتصادي والفني، التي عقدت في الرياض نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، واتفق فيها الجانبان على استمرار العمل تعزيزًا للتعاون وتبادل الخبرات في جميع المجالات الاقتصادية، والتجارية، والاستثمارية، والصحية، والعلمية، والثقافية والفنية، في حين تجري حاليًّا مباحثات بين الجانبين لتوسيع المشاركة السعودية في قطاع الطاقة التكريرية والأسمدة وبعض المنتجات البتروكيميائية.

كما زار نيودلهي في الأسبوع الأول من فبراير من هذا العام، وفد من القطاع الحكومي والخاص برئاسة وكيل وزارة التجارة والصناعة السعودي لشؤون الصناعة، وعضوية 20 من الجانب السعودي في مجلس الأعمال السعودي الهندي، للمشاركة في منتدى الاستثمار الثاني العربي الهندي، وهي الزيارة التي عرض خلالها الجانب الهندي فرصًا استثمارية بقيمة 20 مليار دولار في قطاعات الطاقة، والصناعة، والبنية التحتية وتقنية المعلومات.

ولقد شهدت العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين المملكة والهند نموًّا ملحوظًا منذ العام 2000، حيث بلغ حجم التبادل التجاري في العام 2008 حوالى 27 مليار دولار، واحتلت الهند المرتبة الخامسة على قائمة أهم عشر دول تصدر وتستورد منها المملكة، وأصبحت المملكة رابع دولة تستورد منها الهند، كما أضحت المملكة مصدرًا رئيسًا، يؤمّن نحو 30 % من حاجة الهند من البترول الخام، إذ بلغت واردات منتجات النفط والنفط الخام الهندي من السعودية خلال العام 2003- 2004 نحو 20 مليون طن متري بقيمة 4.77 مليار دولار.

ووفقًا لتقارير إحصائية للقسم التجاري الهندي، فإن الهند هي رابع أكبر شريك تجاري للسعودية، كما إنها ضمن أكبر الدول المصدرة للعمالة الجيدة والماهرة إلى المملكة العربية السعودية خلال السنوات الماضية، حيث يقدر عدد العاملين الهنود في المملكة أكثر من مليون ونصف المليون عامل، تبلغ تحويلاتهم ملايين الدولارات.

وتعتبر السعودية المستثمر الأكبر الثاني والعشرون في الهند، حيث بلغت قيمة الاستثمارات السعودية 228.8 مليون دولار خلال الفترة من 1991- 2004، كما أنّ هناك 49 مشروعًا مشتركًا هنديًّا سعوديًا أو شركات سعودية في الهند في مجالات مختلفة، مثل صناعة الورق والكيماويات وبرمجة الكمبيوتر، والمنتجات الصناعية والمكائن، والأسمنت، والصناعات المعدنية.

على الجانب الآخر، يبلغ حجم الاستثمارات الهندية في المملكة حوالى 2.5 مليار دولار. وحسب الهيئة العامة للاستثمار السعودي، فإنه جرى إصدار 82 رخصة للشركات الهندية لتنفيذ المشاريع المشتركة خلال العامين الماضيين أو المشاريع بملكية مئة في المئة بإجمالي استثمارات يقدر بـ 467.18 مليون دولار، وتختص هذه الرخص بمشاريع خدمية وصناعية، والاتصالات وتقنية المعلومات والصيدليات، إلى جانب عمل العديد من الشركات الهندية بالتعاون مع الشركات السعودية في مجالات التصميم والاستشارة والخدمات المالية وتطوير البرمجة.

وتعود العلاقات بين السعودية والهند إلى 1948، وكانت على مستوى قنصلية عامة، وأصبحت على مستوى سفارة في العام 1955، بعد زيارة العاهل السعودي الراحل سعود بن عبدالعزيز العام 1955، التي استغرقت 17 يومًا، وفي العام 1956 زار رئيس الوزراء الهندي الراحل جواهر لال نهرو المملكة، ثم قامت رئيسة الوزراء الراحلة أنديرا غاندي بزيارة للسعودية العام 1981.

ولكن هذه العلاقات شهدت مرحلة جديدة، ودخلت طريق الشراكة، بعد الزيارة التي قام بها العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، إلى الهند في يناير/كانون الثاني من العام 2006، وحلّ ضيفًا رسميًّا على الهند في يوم الجمهورية، ووقّع خلالها العديد من مذكرات التفاهم والاتفاقيات، ثم تبعتها زيارة زيارة رئيس الوزراء الهندي مان موهان سينج إلى الرياض في فبراير/شباط الماضي، والتي ساهمت في توسيع قاعدة الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، وشهدت توقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية، إضافة إلى التوقيع على إعلان الرياض، وهو ما جسّد اتفاق قيادتي البلدين على رفع مستوى العلاقات لمستوى الشراكة الإستراتيجية، وتعكسه الزيارة الحالية لأمير منطقة الرياض إلى الهند.