لم تعد البطالة التي وصلت إلى 80% بين سكّان غزة تؤثّر فقط في حياة أرباب الأسر، لكنها كانت عاملاً أساسياً في ضرب العلاقة الأسرية بين المتزوجين من جهة وبين الناس منجهة أخرى. فالأوجاع في غزة كثيرة، وإن سلم أحدهم من ظاهرة الفقر التي بلغت في بعض مناطق غزة قرابة 60%، فإن البطالة ستطاله لا محالة.

غزة: تتصاعد مشكلة البطالة في غزة الفلسطينية مع تزايد الفقر المتفشي هناك، والذي يفاقمه الحصار المفروض على القطاع ككل منذ سنوات، وتهدد إسرائيل بتكثيفه دوماً. وبدأت الأوضاع المذرية الاقتصادية أخيراً تنعكس على حياة الغزيين الاجتماعية. وفي هذا السياق، يشير علي حسان (24 سنة)، إلى أن فرحته بزواجه لم تدخل قلبه. فبعد شهرين فقط من زواجه بـ quot;منىquot; حسبما قال لـquot;إيلافquot;، quot;بدأت المشاكل بفعل تدخل والدي ووالدتي، لكونهما زوّجاني قبل أن أعملquot;.

وأضاف quot;لا يوجد عمل هنا، فالجميع يعيش بالكفاف، ويكتفي بأدنى متطلبات الحياة، ولأنني لم أستطع توفير ما يلزم زوجتي إلا من خلال أموال والدي، فإنه يتحكم بشؤون حياتي اليومية معها، بل ومنذ ما يقرب من 7 أشهر وهي في بيت أهلها حردانةquot;. ليس هذا الشاب الوحيد الذي يعاني هكذا مشكلة، فمعظم المتخرجين أو العاملين لا يجدون عملاً في معظم أيام الشهر، فتنقلب حياتهم جحيماً في غالب الأوقات، ويضطرون لأن يهربوا من متطلبات أطفالهم من خلال النوم معظم أوقات النهار. وقلما تجد بين الغزيين منزلاً مستقراً إقتصادياً وحياتياً، وغالبية الناس هنا لا يبتسمون.

من جهته، يؤكد الشاب علي، الذي تخرجفي إحدى جامعات غزة منذ سنتين، لكنه لم يجد عملاً سوى شهرين فقط في برنامج ألعاب الصيف التابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين quot;الأونرواquot;، إن زملاءه على شاكلته نفسها. وأوضح لإيلاف quot;عندما أكملنا تعليمنا الجامعي، كنا نذهب يومياً إلى المركز والمؤسسات المختلفة وكل الأماكن التي يمكن أن توفر عملاً، لكن حماسنا للعمل تراجع بشكل كبير جداً، وإستسلمنا لليأس الذي نخر عظامنا، ولم نعد نبحث لا عن عمل ولا غيرهquot;.

ويقدر عدد العمال فقط في غزة بـ 70 ألف عامل، في وقت تُخرّج فيه جامعات غزة جيوشاً ممن أكملوا دراستهم سنوياً، إلا أن هؤلاء المتخرجين أو العمال كلاهم لا يجد بصيص أمل لمستقبلهم. وعادةً ما يخرج أطفال هؤلاء الناس إلى مدارسهم دون مصروف يومي، ويكتفون على مضض بقطعة خبز فيها شيء من الزعتر أو الجبنة في أحسن الأحوال.

حنان، سيدة عندها خمسة أطفال، في لحظة تلقت خبراً مفاده أن زوجها لقي مصرعه داخل أحد الأنفاق. تقول المرأة الثكلى وهي تبكي بحرارة quot;لطالما رجوت زوجي أنا وأطفالي بالجلوس في البيت، وأن نأكل كسرة خبز، على العمل في الأنفاقquot;، لكن لا فائدة- تتحدث بحزن شديد- فالموت حتمي وأسرع من الجميعquot;.

وأضافت حنان، التي لا يتجاوز عمرها أربعين عاماً، quot;الله وحده الذي يعلم كيف أقضي أنا وأطفالي يومنا، أعرف جيداً وضع أهلي وأهل زوجي المادي السيئ، ولهذا أحاول قدر إستطاعتي أن أظهر عدم حاجتي لشيء، ولولا الجمعيات الخيرية لكانت ظروفنا أسوأ بكثير مما يتخيله المرءquot;. ولم تكن تلك الأرملة وحدها التي تعاني ظروفاً حياتية صعبة أثّرت بشكل كبيرفي أطفالها، فالسيدات اللاتي يعشن في كنف أزواجهن لا يقدرن على توفير كل ما يلزم بيوتهن أو متطلبات أطفالهن.

بدورها، تنتظر أم حمدان (62 عاماً) قرب إنتهاء سوق الأربعاء في خان يونس، مدينة جنوب قطاع غزة، لتبدأ هي والكثير كما قالت، رحلتها في التسوق. وتضيف لإيلاف أنه quot;في الساعات الأخيرة من السوق عادةً ما تنخفض أسعار الخضر، فنستغل هذا الأمر ونشتري من التجار خضرنا، فمن معه مال أكثر يذهب مبكراً ليشتري أفضل أنواع الخضر، لكننا لا نملك الكثير من الأموال لنكون مثل باقي الناسquot;.

قصص لا حصر لها لأولئك الذين يعيشون على قدر عملهم، لكن في غياب هذا العمل يبقى هؤلاء الناس يرزخون تحت وطأة الحصار الإسرائيلي من جهة، ووجع الإنقسام الداخلي من جهة ثانية.