عمان: استثمر الأردن مليار ونصف المليار دولار في صناعته الدوائية التي شيدها منذ نصف قرن وباتت المملكة الاردنية الدولة الوحيدة في محيطها الجغرافي التي تصدر ثلاثة أضعاف ما تستورده من الأدوية.ويعول الأردن كثيرا على صناعته الدوائية الوطنية التي تحتل نسبا عالية في التصدير وتجلب عملات أجنبية وترتبط الصناعة الدوائية ارتباطا قويا بالقطاع الصحي الذي يوليه الاردن أهمية خاصة وبالقطاع الصناعي الذي يعد من القطاعات المشغلة للأيدي العاملة.ويقول ممثل قطاع الصناعات العلاجية واللوازم الطبية في غرفة صناعة الأردن محمد علي شاهين: إن قطاع الصناعات الدوائية في الأردن يعد من أقدم الصناعات العربية إذ تأسس عام 1962م ووصلت صادراته حاليا إلى حوالي 60 دولة في مختلف بقاع العالم .

ويضيف شاهين الذي يشغل أيضا منصب رئيس مجلس الإدارة والمدير العام للشركة الأردنية السويدية للأدوية: إن الصناعات الدوائية الأردنية تعد من ابرز القطاعات الصناعية التشغيلية لتوفيرها حوالي 5500 فرصة عمل مباشرة يشغلها حملة شهادات عملية عالية في مجال الصيدلة والهندسة والكيمياء والإدارة بالإضافة إلى6500 فرصة عمل بالصناعات المكملة والمساعدة كصناعة التعبئة والتغليف والدراسات والأبحاث ومراكز التدريب والترويج.ويزيد شاهين ومنذ افتتاح أول مصنع للأدوية في مدينة السلط الى الغرب من العاصمة الاردنية (عمان) انتشرت مصانع الأدوية وتزايدت أعدادها لتبلغ في وقتنا الحاضر 16 مصنعاً برأسمال مسجل رسميا يقدر بحوالي350 مليون دولار.

ويرى أن ما يميز الصناعات الدوائية الاردنية هو اعتمادها على الخبرات المحلية وأنها حازت على الثقة المطلقة محليا وعربيا حيث اصبحت ترفد السوق الدوائي المحلي والعربي بأكثر من الفي مستحضر علاجي موزعة على أكثر من 17 زمرة دوائية أساسية بالإضافة إلى انتشارها في أسواق غير تقليدية مثل أوروبا وامريكا ودول في شرق آسيا وامريكا اللاتينية؛ لاعتمادها عناصر الجودة والتدقيق والتوثيق وخضوعها للرقابة الدوائية ممثلة بمؤسسة الغذاء والدواء الأردنية.

ويمتاز الدواء الذي يصنع في الاردن كما يتحدث شاهين بانه بالإضافة إلى جودته العالية الملتزمة بقواعد التصنيع الجيد والاعتراف العالمي، فانه يتميز بجودة عالية معترف بها محلياً وعالمياً ، ويخضع لرقابة جودة صارمة ومؤهلة تنفذها مؤسسة رقابيه معترف بمهنيتها وشفافية أدائها، وبشكل مستمر ومتواصل.كما يمتاز بتكلفة علاجية أقل بنسبة تتراوح بين 20 و50 بالمئة من الدواء المستورد، وتوفره عند الطلب لمؤسسات التأمين الصحي والمؤسسات الخاصة والحكومية كافة .وحصلت شركة محلية على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية لتسويق منتجاتها عالميا، وداخل أسواق الولايات المتحدة، وحصلت شركات أخرى على موافقة الهيئات الصحية في أوروبا كمواقع للتصنيع، وبدأت التصدير إلى بريطانيا وايطاليا.

وشهد قطاع الصناعات الدوائية الأردني نقلة نوعية خلال السنوات القليلة الماضية أثمرت عن انتاج نوعيات عالية الجودة وبأسعار منافسة، مستفيدة من عوامل انفتاح السوق، وتحرير التجارة والاقتصاد ،وتحتل المرتبة الثانية من حيث مساهمتها في صادرات المملكة الكلية بنسبة تبلغ نحو10 بالمئة من إجمالي الصادرات الوطنية.ويوضح شاهين أن قيمة صادرات المملكة من الدواء بلغت خلال العام الماضي 2010 حوالي 600 مليون دولار، ذهبت الى أسواق الدول العربية والإفريقية وبعض الدول الأوروبية وأميركا،متوقعا أن تصل إلى 1.5 مليار دولار بحلول عام 2015 إذا ما حافظت على معدل النمو بنسبة 20 بالمئة.

ويشير إلى أن احتياجات الدول العربية من الدواء تزيد على 10 مليارات دولار سنوياً بينما تشكل صناعة الدواء العربية أكثر من 10 بالمئة من احتياجاتها السنوية اضافة الى الطلب المتزايد على الدواء عالمياً بواقع 10 بالمئة سنوياً.ويقدر شاهين الطاقة الانتاجيه للصناعة الدوائية الأردنية بأكثر من 1.5مليار دولار حسب ما يمكن تصنيعه وطرحه في الأسواق.ويبين أن هذا الرقم المتغير يعتمد على المنتجات وساعات العمل والعرض والطلب ويمكن زيادته ومضاعفته عند اللزوم حسب المعطيات، والأسعار المحلية والتصديريه وينتج القطاع منها حالياً حوالي 750 مليون دولار يصدر منها 85 بالمئة ويستهلك الباقي محلياً.

ويحدد شاهين عدة تحديات ما زالت تواجه الصناعة الدوائية الأردنية منها ما هو داخلي يتمثل بضعف التخطيط للاعتماد على الدواء الأردني في السوق الدوائية المحلية الخاصة والحكومية إذ ان نسبة ما يستهلكه هذا السوق لا تزيد على 29 بالمئة من مجمل فاتورة الدواء ،ونظام التسعير والتوزيع والتوريد الذي لا يوفر ظروفاً ملائمة للصناعة الدوائية المحلية ويجعلها عرضة لتقلبات أسعار واسواق خارجية تربك هذه الصناعة وتحد من نموها الطبيعي.

أما التحديات الخارجية حسب شاهين فتتمثل بقيود بعض الاتفاقيات التي حدت من انتشار الدواء الأردني بسبب التزام الأردن بالكامل بهذه الاتفاقيات دون الالتزام بها من قبل الكثير من الدول االموقعه عليها وعدم التزام بعض أطراف هذه الاتفاقيات بما وعدت به أثناء التفاوض.ويعد ظهور صناعات في كثير من الدول التي تستورد الدواء الأردني مدعومه بشكل مباشر أو غير مباشر مما يجعل استمرار الصادرات لهذه الدول غير مضمون اضافة الى وجود عقبات في التسجيل والتأهيل أمام الصناعة الدوائية الأردنية في الأسواق الخارجيه بغرض عرقلة دخلوها لهذه الأسواق من التحديات التي تواجه صناعة الدواء الأردني.

ويقول شاهين: وعلى الرغم من هذه التحديات ألا أن الصناعة الدوائية الأردنية تعتمد على نقاط قوة ذاتية تستطيع ان تتغلب على الكثير من العقبات وتحقق النمو المتوقع لاعتمادها على خبرة عقود طويلة بمجال البحث والتطوير والتأهيل والإدارة، ورأسمال وطني كامل ملتزم برسالة الصناعة الاجتماعية والوطنية تؤهله للصمود أمام الهزات والمتغيرات.ويزيد على ذلك أن تصنيع الدواء الأردني يعتمد على إدارة مالكه في معظم الشركات تمكنه من إدارة رشيدة وملتزمة، ووجود رقابه دوائية تدير وتراقب فعاليات الصناعة فيما يتعلق بالجودة بشفافيه ومهنيه عاليه تكسب الدواء الأردني الثقة المطلوبة، كما أن سمعة الدواء الأردني في الخارج تعطيه نقطة تفضيلية على غيره في حال توافره في هذه الأسواق.

ويؤكد شاهين ان الصناعة الدوائية الأردنية مؤهلة لتكون أساساً وجاذباً لصناعات تكميلية واساسية وتعزز من قوة السياحة العلاجية ورافدا أساسيا للاقتصاد الوطني إذا ما تم احتضانها ضمن خطة استراتيجية وطنية شاملة يشارك في تأسيسها جميع المعنيين بنجاحها وتطورها.وبهدف الوصول بقطاع صناعة الأدوية المحلية إلى مستويات عالمية ودعمها وتطويرها أسس الأردن عام 1996 اتحادا لمنتجي الأدوية والمستلزمات الطبية يضم في عضويته غالبية مصنعي الأدوية في الاردن .ويسعى الاتحاد أيضا إلى زيادة صادرات الصناعة الدوائية الأردنية إلى أسواق تتمتع بتنظيم دوائي متشدد بما فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مما يفتح الأبواب لتزايد فرص الأعمال التجارية المتاحة مع شركات أدوية عالمية، وإقامة مشروعات مشتركة وترخيص عقود تصنيع.

ويعتبر رئيس مجلس إدارة الاتحاد العربي لمنتجي الأدوية والمستلزمات الطبية الدكتور عدنان بدوان الأردن الدولة الوحيدة في محيطها الجغرافي التي تصدر ثلاثة أضعاف ما تستورده من الأدوية مما جعل من صناعة الدواء الوطنية مصدرا لدعم الناتج المحلي الإجمالي وميزان المدفوعات.ويشير الدكتور بدوان المدير العام للشركة الأردنية لإنتاج الأدوية الى أن توجه الحكومات في منطقة الشرق الأوسط إلى توسيع مظلة التأمينات الصحية سواء التي يقوم بها القطاع الخاص أو العام تحمل في ثناياها الحاجة إلى دواء بمتناول المجتمع.ويؤكد أن الصناعة الدوائية الأردنية كان لها السبق في تطوير مفهوم الاعتماد على الصناعة الدوائية المحلية ما جعل كثيرا من اقتصاديات دول المنطقة أن تعيد نسخ التجربة الأردنية بشأن انتاج الأدوية التي تغطى جزءا كبيرا من احتياجات المجتمع.

ويبين أن مفهوم الاكتفاء الذاتي من السلع الذي كان جليا في بدايات النصف الثاني من القرن الماضي استبدل حاليا بمفهوم كفاية ميزان المدفوعات بحيث تستطيع الدولة أن تنتج أدوية محددة لتصدرها وبالمقابل فان عائد التصدير يغطي ما تحتاجه الدولة من أدوية لا تنتجها مؤكدا أن الصناعة الدوائية الأردنية اعتمدت هذا التوجه.ويجزم الدكتور بدوان أن فتح أسواق غير تقليدية بخاصة لدى الجمهوريات التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي سابقا والتواصل مع تركيا ودول أوروبا الشرقية وإفريقيا يشكل نقطة جذب للصناعة الدوائية الأردنية بالإضافة إلى الأسواق الأوروبية والأميركية. ويقول: تنتهج الصناعة الدوائية الأردنية نهجا يعتمد على التأكد من النوعية واستطاعت أن توطد علاقات قوية مع الجهات الرقابية المحلية بحيث يلتزم الطرفان بسوية عالية سواء في الإنتاج أو الرقابة ايمانا من الصناعة الدوائية الأردنية بانه لا صناعة ناجحة من دون رقابة ناجحة مشيرا إلى أن رقابة الأدوية الوطنية تتم أولا من المصنعين أنفسهم.

ويزيد ان الصناعة الدوائية الأردنية بدأت تتجه إلى امتلاك أصناف منتجة بالتقانة الحيوية والتي ستصبح منتجات الدواء الرئيسية خلال عقدين قادمين مما يجعل صناعة الدواء ذات رؤية واضحة ومحددة وتخطط لعقود مقبلة.ويذكر أن استيعاب الخريجين الجامعيين في التخصصات التي لديها المؤهل للعمل في صناعة الدواء أصبح عنصرا مهما في تدريب الأيدي العاملة والتي في كثير من الأحيان تغادر الأردن لتستفيد من خبراتها صناعات دول المنطقة.ويبين أن كثيرا من القيادات الصناعية المهنية في الدول العربية تلقوا تدريبهم الأساسي في مصانع الشركات الأردنية الأمر الذي أسهم بتعزيز مكانة الصناعة الدوائية الأردنية كجهة مدربة للطاقات الشابة.ويقول الدكتور بدوان ان الصناعة الدوائية تتميز بان ما يزيد على 40 بالمئة من العاملين لديها من النساء وهذا يعني أنها صناعة تقدمية وحضارية.

ويؤكد أن الصناعة الدوائية الأردنية بدأت تتجه إلى توسيع قاعدتها البحثية اذ تقوم بالأبحاث السريرية وتقدم التوليفات الدوائية المعتمدة على الطبيعة البحثية مما جعلها بحاجة إلى دور بحث تعتمد على الدراسات السريرية على البشر، ودعا الصناعة إلى التدخل لإيجاد قوانين مناسبة لتطوير الاردن صناعيا لضبط جميع الأعمال التي تحتاج لتجارب سريرية لافتا إلى اهمية قانون الدراسات الدوائية الذي اقره مجلس النواب السادس عشر قبل أيام في دعم قطاع الصناعات الدوائية.

ويبين أن هذا تطلب قيام الشركات الأردنية بالدراسات السريرية على أدوية تم التأكد من جدواها وقلة أعراضها الجانبية خارج المملكة مؤكدا أن الصناعة الدوائية الأردنية تأمل بان يصبح العمل العلمي والمعتمد على أنتاج أدوية جديدة لأول مرة أمرا ممكنا لها مما يجعلها في المراتب المتقدمة العالمية من صناعة الأدوية.ويؤكد الدكتور بدوان أن الصناعة الدوائية الأردنية بدأت تنتهج طرق مشاركات مع جهات أجنبية وتقدم لها المعرفة الفنية خارج حدود المملكة وبالتالي أصبحت الصناعة الأردنية تتجه إلى العالمية وبات وجودها محسوما في الكثير من الدول ألا أن ذلك يحتاج لجهود اكبر ودعما حكوميا أوسع من اجل أن تبقي الصناعة نشاطا متقدما لجهة التصدير .ويشير إلى أن الصناعة الدوائية الأردنية تنفق 4 بالمئة من أجمالي مبيعاتها على أبحاث التطوير في الصناعة وهي نسبة عالية مقارنة مع ما تنفقه الدول العربية مجتمعة على البحث العلمي والتطوير.

ويبين أن الصناعة الدوائية الأردنية تؤمن بأهمية أن تكون جزءا من المنظومة الدولية الصناعية من خلال التزامها بقوانين الملكية الفكرية، بالإضافة إلى ذلك فهي من أكثر الصناعات الدوائية العربية تسجيلا لبراءات الاختراع وهذا يحمل في ثناياه التفكير بالمستقبل كون هذه البراءات تدوم لحوالي 20 عاما بعد تسجيلها.ويوضح أن الصناعة الدوائية الأردنية دخلت مجال الصناعة الصحية من خلال انتاجها المواد الطبيعية وعدد الفحص المخبري والتوجه نحو استخدام التقانة الحيوية والنانوية في مشاريع صناعية سيجنى الأردن ثمارها خلال السنوات القليلة المقبلة.

ومن الملفت للنظر حسب الدكتور بدوان أن تصبح الصناعة الدوائية الأردنية كمانح للتكنولوجيا للكثير من الدول من الدول بخاصة الإفريقية منها مما يجعل تعاون الجنوب أمرا واقعيا وممكنا بفضلها،موضحا أن الصناعة الدوائية الأردنية تحرص على تركيز أنتاجها للأدوية للأمراض التي تحتاجها المنطقة وربما لا تجد اهتماما من الشركات الأجنبية خارج المنطقة .