لولا الإصلاحات الاقتصادية التي أقدم عليها الرئيس السوري بشار الأسد، لما تحصل على الدعم اللازم من جانب قطاع رجال الأعمال. وبدون هذا الدعم، لكانت تعرضت حكومته لقدر أكبر من خطر التعرض للانهيار نتيجة التظاهرات التي تشهدها البلاد.


دمشق: نتيجة للمعاناة السوقية التي تواجهها سيدة تدعى رنا عيسى، وهي مالكة لإحدى شركات التسويق والإعلان في دمشق، فقد اضطرت للاستغناء عن خدمات خمس من موظفيها البالغ عددهم 20 موظفاً خلال فترة السبعة أشهر التي تعرضت فيها البلاد لاضطرابات سياسية واقتصادية منذ أن بدأت الانتفاضة المناهضة للحكومة هناك.لكن وبعيداً عن الاحتجاجات التي يشهدها الشارع السوري، فإن رنا لا تُحَمِّل حكومة الأسد مسؤولية المتاعب التي تعانيها، بل أعلنت، كمواطنة فلسطينية، عن دعمها القوي لحكومته، التي تقول إنها أتاحت المزيد من الحقوق للاجئين الفلسطينيين وأولادهم عن إسرائيل أو أي من الدول العربية الأخرى. وأوردت عنها في هذا السياق صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأميركية، قولها quot; نشعر بأمان مع دكتور بشار الأسد كرئيس. فقد حقق كثير من الإصلاحات، والمعارضة لم تمنحه وقتاً كافياًquot;.

وفي وقت تتواصل فيه الأعمال الاحتجاجية في بعض المدن السورية، ومقتل ما لا يقل عن 30 متظاهراً مؤخراً في جميع أنحاء البلاد ndash; وهو أعلى معدل يحدث في أسابيع ndash; بينما تتركز الفوضى في حمص وحماة، فإن أكبر مدينتين وهما دمشق وحلب قد شهدا تظاهرات على نطاق أصغر، نظراً لاستمرار دعم رجال الأعمال في كلتا المدينتين للحكومة، وفقاً لما قاله نبيل سكر، وهو اقتصادي سابق في البنك الدولي ويترأس حالياً إحدى شركات الاستشارات الاقتصادية في العاصمة السورية دمشق.

ومضت ساينس مونيتور تقول من جهتها إن اقتصاد البلاد تضرر نتيجة الانخفاضات الكبيرة التي طرأت على إيرادات السياحة ونتيجة العقوبات القاسية التي استهدفت البلاد. وفي الوقت الذي نما فيه الناتج المحلي الإجمالي السوري بنسبة 3 % العام الماضي، فقد توقع صندوق النقد الدولي نمواً سلبياً بنسبة 2 % هذا العام. غير أن المشروعات الكبيرة والمتوسطة، التي يأمل الغرب أن تنقلب ضد النظام في ظل العقوبات المفروضة عليها، لا تزال داعمة إلى حد بعيد لنظام الأسد. هذا وتتشابك نخبة رجال الأعمال اشتباكاً وثيقاً بحزب البعث الحاكم عبر علاقات أسرية ومالية. وتابعت الصحيفة بقولها إن عدم الولاء للحكومة لا يعني فحسب فقدان الاتفاقات الحكومية المغرية، بل يعني كذلك التعرض لعزلة سياسية وربما كذلك للحبس.

وعاود سكر هنا ليؤكد أن كبار رجال الأعمال يتميزون بمنهاجهم العملي الواقعي. وأضاف quot; كما أنهم يتوقعون انتهاء تلك الفوضى عاجلاً أو آجلاً. ويرون أن النظام راسخ وثابت في مكانه. وأن الجيش موال بكل تأكيد للحكومةquot;. ورغم ذلك، أوضحت الصحيفة أن بعض صغار رجال الأعمال، الذين يعانون مالياً بسبب تراجع السياحة والعقوبات المفروضة على النظام بسبب قمعه للمعارضين، قد تحولوا إلى المعارضة.

ونقلت الصحيفة عن مالك أحد محلات الملابس في السوق الرئيسي بدمشق قوله إنه كان من أشد الداعمين للأسد، لكنه يُحمّل الآن الحكومة مسؤولية انهيار السياحة والتراجع العام الذي شهده القطاع الخاص بنشاط الأعمال. وتابع quot; السوق أصبح مثل المقبرةquot;. وأكد رجل الأعمال هذا، الذي رفض الكشف عن هويته، أنه يدعم الآن جماعة الإخوان المسلمين النشطة في التظاهرات الجارية الآن ضد الأسد، موضحاً أنهم يبغون إنهاء الفساد، وأن الشباب يناضلون من أجل نيل حقوقهم.

ثم مضت الصحيفة الأميركية تنوه في هذا السياق إلى أن المواقف المتناقضة بحق حكومة الأسد تعود إلى التغييرات الاقتصادية التي بدأت في انتهاجها منذ العام 2004، عندما تحولت سوريا من اقتصاد يدار مركزياً إلى اقتصاد أكثر خصخصة. غير أن سياسة التحرر الجديدة أدى لتضخم نظام سوريا الخاص برأسمالية المحسوبية، مما أدى لانتشار اتهامات بالفساد على نطاق واسع. ومن أبرز الأشخاص الذين تحدث عنهم المتظاهرون في سوريا هو رامي مخلوف، ابن خال الرئيس الأسد، وصاحب أكبر شركة تعمل في مجال الهواتف الخلوية بالبلاد. وقال منتقدون إنه كسب عشرات الملايين من الدولارات من وراء استغلاله لعلاقاته بالعائلة الحاكمة.

ورغم اعتراف بثينة شعبان، وهي واحدة من أبرز مستشاري الرئيس بشار الأسد، بأن الفساد لا يزال يشكل واحدة من أخطر المشكلات التي تواجهها البلاد، إلا أنها أكدت أن الحكومة بدأت بالفعل في اتخاذ خطوات صوب الإصلاح. وأكد الخبير الاقتصادي سكر في الختام أنه في حالة تنحي أصحاب الأعمال والمشروعات الكبرى جانباً، فإن هذا قد يعني نهاية الحكومة، لكن هذا غير وارد على المدى القصير.