اضطرّ رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلوسكوني، الذي صنع الحياة السياسية الإيطالية خلال السنوات الـ17 الأخيرة، إلى الإقرار بالهزيمة، والموافقة على تقديم استقالته فور إقرار الإجراءات المتفق عليها مع الاتحاد الأوروبي لتجنّب تفشّي أزمة اليورو.


تنحي برلسكوني جاء بشكل مهين

روما: في تأكيد لقراره، أعلن رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلوسكوني اليوم الأربعاء أنه لن يترشّح في حال جرت انتخابات مبكرة. وقال في مقابلة نشرتها صحيفة لا ستامبا الأربعاء quot;لن أترشح، وأشعر حتى بأنني أصبحت حرًاquot;، موضحًا أنه ينوي تسليم قيادة حزبه إلى نائبه أنجيلينو الفانو. وأضاف quot;إنه عهد الفانو، وسيكون هو مرشحنا. إنه رجل جيد، وقيادته قبلت من الجميعquot;.

وكان برلوسكوني أعلن في اتصال هاتفي بمحطة كانالي تشينكوي الخاصة، التي يملكها الثلاثاء، أن quot;الحكومة لم تعد لديها الغالبية، التي كانت تعتقد أنها تحظى بهاquot; في البرلمان. وأضاف أن quot;المهم هو القيام بما هو خير للبلادquot;.

جاء تنحي برلوسكوني مهينًا له، إذ صدر إعلان استقالته عن رئاسة الجمهورية إثر اجتماع مع الرئيس جورجيو نابوليتانو. وأوضح البيان الرسمي أن برلوسكوني سيتخلّى عن مهامه فور إقرار البرلمان الإجراءات المالية والإصلاحات الاقتصادية المطلوبة. وفقدت الحكومة غالبيتها الثلاثاء في مجلس النواب، الذي أقرّ قطع حساب الميزانية العامة لعام 2010 بعد امتناع المعارضة ومجموعة من quot;المستائينquot; من صفوف حزب برلوسكوني quot;شعب الحريةquot; عن التصويت.

وقال برلوسكوني في اتصاله بالقناة التلفزيونية إن عليه أن quot;يأخذ علمًاquot; بأنه لم يعد يملك quot;غالبية واضحةquot;. وفي حديث آخر مع شبكة راي أونو العامة، قال رئيس الوزراء إنه quot;شعر بحزن كبير وألم حتىquot; إزاء انشقاق سبعة من أعضاء حزب شعب الحرية، قال إنه كان يرتبط بهم quot;ليس بعلاقة تعاون سياسي فحسب، بل كذلك علاقة صداقة إنسانيةquot;.

وتحت وطأة الصدمة الناتجة من التصويت، عمد على وجه السرعة إلى عقد اجتماع ضمّ ذراعه الأيمن جيانا ليتا، وأقرب مقربيه من أقطاب رابطة الشمال حليفه الرئيس، قبل التوجه إلى قصر الرئاسة. وشدد على وجوب إقرار تدابير التقشف والإصلاح المتفق عليها على وجه السرعة لأن quot;الأسواق لا تعتقد أن إيطاليا لديها القدرة أو النية في إقرار هذه الإجراءات التي طالبت بها أوروباquot;.

ويفترض إقرار الإجراءات، التي فرضها الاتحاد الأوروبي، بحلول 18 تشرين الثاني/نوفمبر في مجلس الشيوخ، وقبل نهاية الشهر في مجلس النواب. وشدد برلوسكوني على أنه سيطلب من المعارضة الوسطية ومن اليسار التصويت عليها لتسريع العملية.

بعد إقرار الإجراءات، سيستقيل برلوسكوني، وسيبدأ الرئيس الاستشارات مع كل الأحزاب السياسية لمحاولة تشكيل حكومة جديدة. وفي حال لم يتوصل إلى ذلك لعدم توافر غالبية كافية، يعمد إلى حلّ مجلسي البرلمان لتنظيم انتخابات مبكرة عن موعدها الطبيعي عام 2013. وقال برلوسكوني إنه يرجّح هذه الفرضية، مشيرًا إلى أن القرار يعود إلى الرئيس.

ورئيس الوزراء مقتنع بأنه لن يكون من الممكن تشكيل حكومة تملك غالبية ثابتة، ما سيحتّم العودة إلى صناديق الاقتراع. ودعا حليف برلوسكوني الرئيس زعيم رابطة الشمال أومبرتو بوسي إلى تنحّي رئيس الوزراء لمصلحة الأمين العام لحزبه أنجيلينو الفانو، الذي سيتمكن من تشكيل حكومة موسعة لتضم الوسطيين.

غير أن هناك أسماء أخرى مطروحة، منها جياني ليتا، الذي يحظى بتقدير الديمقراطيين المسيحيين السابقين، الذين يشكلون القسم الأكبر من الوسطيين. وقال مارك لازار الخبير السياسي المتخصص في شؤون إيطاليا quot;إنها بالتأكيد نهاية هذه الحكومة، لكن ربما أيضًا نهاية عهدquot; هو عهد برلوسكوني، الذي قاد إيطاليا ثلاث مرات منذ دخوله الحياة السياسية قبل 17 عامًا (سبعة أشهر في 1994 ثم في 2001-2006 ومنذ 2008).

كما ستكون نهاية مسار شخص يتمتع بشخصية قوية ويتحدر من الطبقة البورجوازية في ميلانو، عمل في مطلع حياته في بيع مكانس كهربائية وتنظيم رحلات سياحية، قبل الانتقال إلى المقاولات، وتأسيس شبكات تلفزيونية خاصة ليصبح أحد كبار أثرياء إيطاليا.

ثمة احتمال آخر هو أن يتمكن الرئيس نابوليتانو من تشكيل حكومة وحدة وطنية، مدعومًا من مجموعة واسعة من الأحزاب، ترأستها شخصية مستقلة مثل المفوض الأوروبي السابق والخبير الاقتصادي ماريو مونتي.

ميركل تطالب الحكومة الإيطالية بمزيد من التقشف
من جهتها، طالبت ميركل الحكومة الإيطالية باتخاذ المزيد من الإجراءات التقشفية من أجل تثبيت موازنتها والحيلولة دون إصابتها بعدوى أزمة الديون. جاءت مطالبة ميركل بعد إعلان رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني أمس عدم نيته الترشح للانتخابات، التي ستجري في شهر فبراير/شباط المقبل.

وناشدت المستشارة الألمانية في تصريحات صحافية حكومة روما بأفعال تتبع التصريحات التي أعلنت من خلالها سعيها إلى مزيد من التقشف، قائلة quot;إن الحكومة الإيطالية مطالبة بمزيد من التقشف، الأمر الذي تعرفه حكومة روماquot;. وأضافت ميركل quot;إيطاليا قدمت خططًا تقشفية محددة، ويجب عليها تطبيقها الآنquot;.

ونسبت إلى رئيسة صندوق النقد الدولي الفرنسية كريستين لاغارد قولها إن انعدام ثقة أسواق المال في إيطاليا هي سبب الأزمة الحالية، التي تمر بها الحكومة هناك، معتبرة أن quot;الثقة في الأزمة الحالية عملة نادرة ... أوروبا تحتاج إلى مزيد من الثقةquot;. وأشارت ميركل إلى أن إيطاليا تعتبر بعد اليونان أكثر الدول في منطقة اليورو، التي تعاني مشكلة الديون الحكومية، مقارنة مع قوتها الاقتصادية.

تكلفة الدين العام الإيطالي تتجاوز خط السبعة بالمئة
إلى ذلك، اخترق مؤشر تكلفة خدمة الدين العام الإيطالي للمرة الأولى في تاريخ عملة اليورو حاجز السبعة بالمئة، الذي يعد حافة الهاوية باندفاع متواصل تحت وطأة المضاربات والهلع في الأسواق المالية غداة قرار رئيس الوزراء سيلفيو بيرلسكوني الاستقالة في الأسابيع المقبلة.

ومع بداية التداول صباح اليوم يواصل سعر الفائدة على سندات الخزانة العامة الإيطالية (بي تي بي) لعشر سنوات وخمس سنوات الارتفاع متجاوزًا حاجز 7 إلى 7.25 % سنويًا بارتفاع قياسي تاريخي غير مسبوق في الفارق مع سعر الفائدة على سندات الخزانة الألمانية المعياري الى 560 نقطة.

تأتي هذه التطورات التي تلقي بإيطاليا في عين العاصفة، حيث تتركز المضاربات على سنداتها السيادية غداة قرار بيرلسكوني الاستقالة بعد اجازة قانون الاستقرار المالي، الذي يتضمن حزمة من الاجراءات التقشفية الصارمة التي تطلبها المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي بهدف استعادة ثقة الأسواق في مضمونية الدين العام الايطالي.