بدأت تفرض أزمة ديون اليورو المتصاعدة في القارة الأوروبية واقعاً أليماً على كثير من الاقتصاديات. وقد بدأت تتزايد مشاعر الحذر والقلق لدى بريطانيا التي لا تتعامل بالعملة الأوروبية الموحدة quot;اليوروquot;، نتيجة لاتساع نطاق المشكلة وعدم اتضاح أي بوادر أمل تعني بإنقاذ الموقف، في ظل فزعها أساساً من تطلع المنطقة للتكامل.


القاهرة: بينما كان يتطلع الاتحاد الأوروبي المكون من 27 دولة، بما في ذلك المجموعة الفرعية المكونة من 17 دولة وتتعامل باليورو، إلى إنشاء أكبر كيان اقتصادي موحد في العالم يلتزم بالقوانين المشتركة والحدود المفتوحة، اختارت بريطانيا أن تقف على الحياد، بحملها لعضوية الاتحاد الأوروبي والالتزام في الوقت ذاته أيضاً بقول وينستون تشرشل المأثور الخاص بأن quot;تقف مع أوروبا، دون أن تكون جزءً منهاquot;.

ومع هذا، فإنه ووفقاً للمعايير البريطانية، فقد تسببت حالة الفوضى التي تعيشها القارة العجوز منذ فترة بسبب أزمة الديون في زيادة المشاعر المناهضة للاتحاد الأوروبي خلال الأسابيع الأخيرة . وبالنسبة للأوروبيين، أشارت الانقسامات العميقة الحاصلة هناك إلى المشكلة الأكبر المثارة من جانب الأزمة، في ظل التسابق لتبادل الاتهامات وانقسام الرأي بصورة حادة وتصاعد عدم الثقة بين دول الجوار التي تهدد بإحياء الخصومات القديمة وعكس سنوات من المكاسب نحو التكامل الإقليمي.

وقد أظهر استطلاع حديث للرأي أن 49 % من البريطانيين يؤيدون خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي، بينما يؤيد 40 % منهم بقاء بريطانيا داخل الاتحاد. وتحت قيادة رئيس الوزراء البريطاني المحافظ، دافيد كاميرون، بدا أن بريطانيا تحاول الآن الاستفادة من أزمة الديون لاستعادة صلاحيات سبق لها أن منحتها في السابق لمجموعة بيروقراطيين في بروكسل، التي تعتبر العاصمة الإدارية للاتحاد الأوروبي.

وأفادت في هذا السياق اليوم صحيفة quot;واشنطن بوستquot; الأميركية بأن بريطانيا قد تدعم كذلك خطة كبرى من جانب الاتحاد الأوروبي للسيطرة على الأزمة، فقط إذا تم استثنائها أولاً من القواعد الإقليمية كتلك القاعدة التي تقضي بألا يكون طول أسبوع العمل الأوروبي أكثر من 48 ساعة. وطالب كاميرون في الوقت ذاته أيضاً بإعادة هيكلة الاتحاد الأوروبي، الذي يعتبر كتلة أقل تكاملاً وأقرب إلى كونه quot;شبكةquot; من الدول المتحررة من التدخل عديم الجدوى والقواعد واللوائح الخاصة بالسلطة المركزية.

وعلى نحو مفاجئ، ذهبت مجموعة كبرى من المشرعين المنتمين لحزب كاميرون المحافظ لما هو أبعد من ذلك، بمحاولتها إجراء استفتاء بشأن ما إن كان يتوجب على بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي أم لا، وتكثيفها الضغوط الملقاة على كاهل كاميرون من أجل التعامل بصورة أكثر حزماً مع بروكسل، طبقاً لما ذكرته الصحيفة.

ثم مضت الصحيفة تتحدث عن تزايد أجواء الخلاف بين بريطانيا وبين هيئات الاتحاد الأوروبي التي ينظر إليها على أنها ذات طبيعة ثقافية مختلفة وممتلئة ببيروقراطيي القارة الذين يتقاسمون أخلاقيات عمل وتوقعات اجتماعية وأهداف اقتصادية مختلفة.

ورغم ذلك، نوهت الصحيفة إلى أن بريطانيا وافقت، باعتبارها عضواً بالاتحاد، على الالتزام بالنظم الإقليمية وقوانين العمل والأحكام القانونية، مقابل الحصول على صوت قوي في الشؤون الأوروبية والحصول على مئات الملايين من مستهلكي القارة.

في غضون ذلك، أشارت الصحيفة كذلك إلى ظهور مخاوف من أن أزمة الديون قد تُعَقِّد الخطط التي ترمي لتوسيع نطاق الاتحاد الأوروبي بإدراج دول جديدة مثل صربيا وتركيا. وهو ما جاء ليلقي الضوء على ما يطلق عليه المراقبون مرافقة الأزمة.

وأوردت واشنطن بوست في هذا السياق عن مارك ليونارد، مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، قوله :quot; حتى في ألمانيا، يمكنك أن تسمع أحاديث برلمانية عن اليونانيين والإيطاليين الكسالى بطريقة لم تكن تتصورها قبل بضعة سنوات. وقد تجبر أزمة اليورو أوروبا على تجربة التحرك عن قرب بصورة مؤسسية. لكن ذلك سيعمل على تقسيم القارة من النواحي الاقتصادية والثقافية والسياسيةquot;.

وفي وقت تحول فيه كاميرون إلى واحد من أبرز منتقدي الطريقة التي تُعالَج بها الأزمة من جانب دول منطقة اليورو، رأت الصحيفة في ختام حديثها أن العناد البريطاني قد يجبر ألمانيا وفرنسا وغيرهما من الدول التي تحاول معالجة الأزمة على أن تكون أكثر إبداعاً في محاولتها تأسيس اتحاد نقدي جديد، مع تلك الدول التي تبحث سلسلة فوضوية محتملة من المعاهدات الثنائية التي يمكنها التغلب على دول كبريطانيا.