على خلفية الارتفاع الحاصل الآن بالفعل في معدلات التضخم، فإن ما تشهده منطقة الشرق الأوسط حالياً من فوضى، تزامناً مع ارتفاع أسعار النفط، وتوجه الاقتصاد العالمي نحو موجة من الركود، وكل ما يحدث يبدو مألوفاً بشكل مخيف لكل من يمتلك ذاكرة قوية.


بالعودة إلى الفترة ما بين عامي 1973 و 1974، نجد أن هذا ما حدث بالتحديد نتيجة للحرب التي اندلعت بين العرب وإسرائيل، من خلال مقاطعة منتجي النفط في منظمة أوبك للدول الغربية وارتفاع تكلفة النفط الخام بمقدار أربعة أضعاف.

مع ذلك، تحظى الأزمة بجذور أعمق، لخّصتها صحيفة الغارديان البريطانية في عجز الولايات المتحدة عن تثبيت النظام المالي الدولي، بالنظر إلى تكلفة حرب فيتنام وبرامج المجتمع العظيم الخاصة بالرئيس السادس والثلاثين للولايات المتحدة، ليندون جونسون، وكذلك حدوث زيادة مطردة في الضغوط السعرية على مدى السنوات الخمس الماضية، وسهولة الحصول على الائتمان في ظل محاولة الساسة للمحافظة على الازدهار الذي تحقق لفترات طويلة في مرحلة ما بعد الحرب.

لم تر الصحيفة صعوبة في الربط بين ما حدث في الفترة ما بين عامي 1973-1974 و2010-2011، وقالت إن الفترة منذ العام 2007 شهدت أزمة مالية دولية، يُقال إنها أكثر عمقاً حتى من تفكك نظام بريتون وودز في عام 1971. وقد أُضعِفت الولايات المتحدة منذ ذلك الحين بشدة نتيجة للإفراط في توسيع نشاطها العسكري وانفجار فقاعتها السكنية.

الغارديان لفتت كذلك إلى أن غمر الاقتصاد العالمي بأموال رخيصة عَمِل على تسريع وتيرة الانتعاش الاقتصادي، لكن على حساب بلوغ أسعار السلع الغذائية مستويات قياسية، ووصول النحاس إلى مبلغ قدره 10 آلاف دولار للطن، وعودة أسعار خام برنت مرة أخرى إلى أكثر من 100 دولار للبرميل.

وأشارت إلى أن أنظمة الحكم تتساقط الآن في منطقة شمال أفريقيا: فأمس كانت تونس، واليوم مصر، وغداً قد تكون الجزائر. وهو ما تنظر إليه بقلق الأنظمة غير الديمقراطية أيضاً في منطقة الشرق الأوسط، التي ترتكز على جزء كبير من احتياطات النفط العالمية.

فإن أعاد التاريخ نفسه، فإن النتيجة ستتمثل في ارتفاع معدلات التضخم، في الوقت الذي تُحَدِد فيه الشركات الأسعار ويبحث فيه العمال عن أجور أعلى. وهو ما سيعقبه انكماش نتيجة لحدوث ضغط على ربحية الشركات والدخول الحقيقية للمستهلكين من ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، إلى جانب تشديد السياسة النقدية في الوقت الذي تسعى فيه البنوك المركزية إلى خفض التضخم مجدداً.

ولابد من القول إن الأسواق المالية تبدو متمهلة بشكل ملحوظ بشأن هذا السيناريو المتعلق بالحياة على كوكب المريخ. كما يبدو أن أسواق السندات قد تجاهلت المخاطر التي تتحدث عن أن واضعي السياسات قد يبدؤون قريباً في زيادة تكلفة الاقتراض. تستند تلك النظرة إلى العالم على سلسلة من الافتراضات، بعضها أكثر قبولاً من غيرها. أولها أنه سيكون هناك انتقالاً سلمياً للديمقراطية في مصر. وثانيها، أنه لن يكون هناك أي تموجات بين الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط.

وثالثها، إذا امتدت الاحتجاجات إلى السعودية، على سبيل المثال، فإن تدفق النفط لن يتأثر بصورة نسبية. ورابعها، أن الانتعاش العالمي قوي الآن بما فيه الكفاية لتجاهل أي صعوبات محلية تتمخض عن الأحداث التي تشهدها الآن شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وأخيراً، تعتبر زيادة أسعار السلع الأساسية علامة على انتعاش بدأ يضرب بجذوره.

الصحيفة البريطانية اعتبرت أن جزءًا من هذا التحليل يبدو صحيحاً، فمصر في 2011، والرئيس مبارك يستعد لمغادره منصبه، تبدو مختلفة بشكل كبير عن مصر في أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، في زمن عبور الجيش الإسرائيلي قناة السويس. وليس هناك من سبب جذري وراء ضرورة اعتماد حكومة مصرية جديدة موقفاً مناهضاً للغرب، وعلى المدى البعيد، سيضيف الانتقال إلى الديمقراطية عبر المنطقة إلى الاستقرار الجغرافي والسياسي.

في نهاية حديثها أوضحت الغارديان أن السبب وراء الارتفاع الكبير لأسعار النفط يعكس ما يحدث الآن في الصين والولايات المتحدة بدلاً من مصر وتونس، لكنها شددت على ضرورة أن يحتاط الجميع، لأن كل موجة من موجات الركود الرئيسة الأربع التي وقعت منذ أوائل سبعينات القرن الماضي كان يسبقها قفزة في أسعار النفط.