رغم أنّ الجزائر تشكل بمنظور خبراء إحدى أكبر الأسواق العقارية الناشئة في العالم العربي والقارة الإفريقية، بوعاء يزيد عن التسعة ملايين هكتار، إلاّ أنّ عموم الاستثمارات هناك عادة ما تصطدم بمعضلة العقار الصناعي التي حالت دون تجسيد مشروعات هامة محليا.تتعرض quot;إيلافquot; مع مسؤولين حكوميين ومتخصصين إلى أسباب المشكلة وسبل تذليلها لتحريك تنمية حقيقية في الجزائر.


الجزائر: يرى الخبيران quot;أحسن مصطفاويquot; وquot;ياسين حبّانيquot; أنّ إشكال العقار الصناعي في الجزائر، ناجم عما ينعتانها بـquot;المماطلةquot; التي توختها السلطات، ويبديان استغرابا إزاء استهلاك دوائر القرار لما لا يقلّ عن 37 سنة في سبيل حل القضية الحساسة ومع ذلك لم تف بكل مقتضياتها. بالمقابل، يربط quot;محمد بن مراديquot; المدير السابق للأملاك العامة والوزير الحالي للصناعة والاستثمار، كل الذي رافق سيرورة العقار الصناعي بأسباب مالية وتقنية وأمنية متراكمة، في وقت تشير بيانات توافرت لـquot;إيلافquot; إلى أنّه جرى خلال الفترة الماضية مسح 19 مليون هكتار عبر 595 بلدية من مجموع 1541 بلدية. ولا يستوعب كل من مصطفاوي وحبّاني كيف أنّ الإحصاء الخاص بمسح الأراضي الذي شُرع فيه العام 1974، لم يؤدي إلى نتائج ذات بال رغم طول المدة، لا سيما وأنّ الوكالة الجزائرية لمسح الأراضي استفادت سنة 1993 من قرض بقيمة 20 مليون دولار منحه البنك العالمي لاقتناء الأجهزة الضرورية بينها طائرة لتسريع الأمور.


ومع ذلك، يركّز مصطفاوي وحبّاني على أنّ ملف العقار الصناعي ظلّ يراوح مكانه، رغم الإعلان الحكومي سنة 2004 عن اقتراب البت في هذه المشكلة المزمنة، إلاّ أنّ دار لقمان ظلت على حالها، مع الإشارة إلى أنّه جرى قبل ثلاث سنوات وضع مائة ألف هكتار تحت تصرف عدد من المتعاملين الاقتصاديين. على النقيض، يبرز بن مرادي نجاح السلطات في تحديد مليوني وحدة عقارية، ويرفض المسؤول الأول عن قطاع الصناعة في الجزائر تحميل مسؤولية أزمة العقار الصناعي للدولة فحسب، موضحا أنّ الأخيرة لا تزال الممون الوحيد للعقار الصناعي وهذا بالرغم من توفر العرض لدى القطاع الخاص. من جهته، يرفض quot;كريم جوديquot; وزير المال الجزائري دعوات البعض للتنازل عن العقارات المملوكة للحكومة بأسعار غير مناسبة، ويصرّ على رفع الرسوم الضريبية على الأملاك العقارية الخاصة غير المبنية، موضحا أنّ خطوة كهذه من شأنها تخفيف الضغط على العقار العمومي الذي لم يعد قادرا على الاستجابة للطلبات الكثيرة.


وفيما يجمع الخبراء على أنّ حل أزمة العقار في إنهاء الاحتكار الممارس، يتصور جودي أنّ تفادي بيع العقارات الصناعية بأسعار رخيصة وإيجارها بأسعار معقولة، فضلا عن حث المستثمرين على استغلال الأوعية العقارية التابعة للقطاع الخاص بعقود طويلة المدى، تشكّل حلولا مناسبة، لا سيما وأنّ تلك الأوعية تبقى غير مستغلة بشكل جيد، في وقت تعاني عقارات القطاع العام من ضغط كبير، علما أنّ مسودة قانون الموازنة التكميلي للعام الحالي تقترح إخضاع بيع العقارات الموجهة لاستثمارات تصب في المصلحة الوطنية، لصيغة المنح بالامتياز بدلا عن طريقة المزادات العلنية التي جرى تنفيذها منذ ربيع العام 2008

بيد أنّ متعاملين وعارفين بخبايا القضية، يجزمون بعدم صحة الرقم المذكور، ويرون أنّ مؤشرات الميدان تتجاوز ذلك بكثير، وإذا كانت السلطات تؤكد على لسان وزيرها للصناعة أنّ ضبط العقارات سيتم العام 2014، فإنّ من تحدثوا لـquot;إيلافquot; يقولون بلهجة الواثقين أنّ ذلك لن يتم وسيبقى رهن الإرجاء والتأجيل، حتى لا يتعرض من يطلقون عليهم مسمى quot;المتنفذينquot; لأي quot;حرجquot;.
وتسببت أزمة الأوعية العقارية خلال السنوات الأخيرة في عزوف كثير من المستثمرين المحليين عن إطلاق خطط استثمارية ضخمة بسبب شبح العقارات المتأرجحة بين الندرة والمغالاة، وما نتج عن ذلك من أعطال قياسية.


كما أسهمت الأزمة ذاتها في العصف بمشاريع عربية عديدة، على غرار حالة المجموعة الإماراتية quot;إعمارquot; التي اضطرت لسحب استثمارات قدّرت قيمتها بنحو 5.5 مليار دولار، بعد معاناة استمرت ثلاث سنوات، رغم استفادتها من التراخيص اللازمة وإبرامها لعقود مع السلطات الجزائرية. ويقرّ quot;جمال زرقينquot; رئيس قسم الاستثمارات الخارجية بالوكالة الجزائرية لتطوير الاستثمار، باحتباس مئات المشاريع الاستثمارية، بسبب مشكل العقار الصناعي وصعوبات الحصول عليه، وسط انتقاد المستثمرين لتواصل هبوب رياح البيروقراطية المتفشية.


ويقول مراقبون إنّ معضلة العقارات تزداد تفاقما مع حرص جمهور المتعاملين الاقتصاديين على طلب أراضي واسعة وفي أماكن استيراتجية في ضواحي الجزائر العاصمة، في وقت ظلت مصادر إعلامية محلية تركّز على quot;مماطلات بيروقراطيةquot; من لوبي متنفذ قد تكون وراء ذلك، برغم حاجة البلد الماسة إلى سد العجز العقاري وانعكاس ذلك إيجابا على التنمية المستدامة وخلق مناصب شغل. ويشير متابعون إلى أنّ المنظمة العالمية للتجارة أبدت تحفظاتها بشأن مشكلة العقار الصناعي في الجزائر، وهو ما أسهم في تعثر انضمام الأخيرة إليها، في حين يعترف الوزير السابق للتجارة quot;الهاشمي جعبوبquot; أنّ تعطل النمو في بلاده راجع إلى بقاء إشكالية العقار الصناعي عالقة. وعلمت quot;إيلافquot; من مراجع جزائرية، أنّ ثمة اتجاه لتعزيز إلغاء الاحتكار على العقارات الصناعية بعد اتفاق أكثر من مسؤول وجهة في الجزائر على أنّ قانون الأملاك الساري المفعول يعيق قاطرة الاستثمار.