الديون الأميركية تفجّر أزمة ثقة عالمية

بعد عجز الولايات المتحدة عن مواجهة أزمة الديون التي عصفت بها، بدأت ما يمكن تسميتها بأزمة ثقة في عالم الأعمال، بعدما كانت أميركا في الماضي قادرة على الارتكاز على النمو السريع لإعادة الاقتراض إلى مستويات مقبولة، لا يبدو أنه من المحتمل أن توفر أي من تلك الأشياء وسيلة للإنقاذ هذه المرة.


القاهرة: تسبب الأزمة العاصفة التي تواجهها الآن الولايات المتحدة الأميركية بشأن الديون المستحقة عليها، والتي أظهرت عجزها عن مواجهة تحدياتها المالية، في إثارة لغز جديد قديم. وحتى إن كان يُنظر في تلك الأثناء إلى سندات الخزانة الأميركية على أنها مخاطر ائتمان، فهل هناك من ثمة شيء متبق في عالم المال يمكننا أن نضع ثقتنا فيه؟.

وهو التساؤل الذي رأت صحيفة التلغراف البريطانية أن إجابته هي لا بالتأكيد، لكن بعيداً عن كون تلك النتيجة نتيجة كارثية إن تم الوصول إليها، فقد يُنظَر إلى ذلك على أنه تطور إيجابي، سيعيد ضوابط السوق في الوقت المناسب لنظام نقدي عالمي بات مبنياً على التصديق.

وتابعت الصحيفة بقولها إن فكرة السيادة بأنها من quot;الأصول الخالية من المخاطرquot; تعد تطوراً حديثاً نسبياً ليس له أساس في التجارب التاريخية.

حتى في دولة مثل بريطانيا، لم يسبق لها أن تعثرت في سداد ديون مستحقة عليها، بالكاد أثبتت السندات الحكومية أنها عبارة عن شكل موثوق به من أشكال الاستثمار. وصحيح أنه قد تم دفع الكوبونات والإيفاء بآجال الاستحقاق، لكن تبين أن مخاطر العملة والتضخم شديدة للغاية. وقالت الصحيفة إن الدول الأعضاء في منطقة اليورو تنظر إلى مفهوم السيادة باعتباره أصلاً آمن الملاذ على أنه ظاهرة قصيرة الأجل.

وأوضحت الصحيفة أن اتساع الفروق التي شهدها العالم على مدار العام ونصف الماضي من الأزمة المالية لا يعتبر شيئًا مقارنةً بالطريقة التي كان عليها قبل إطلاق العملة الأوروبية الموحدة. وقد عوقبت تلك الدول التي يوجد فيها حكم ضعيف على افتقارها القدرة على المنافسة بارتفاع أسعار الفائدة وتكرار الأزمات التي تعصف بالعملات. وهو ما كان شكلاً وحشياً، وإن كان فعالاً بدرجة معقولة، من أشكال الانضباط.

لكن بمجرد أن تم تدشين اليورو، استمعت كل الدول بقيمة أسعار الفائدة المنخفضة نفسهاالتي سبق أن حصدتها ألمانيا على مدار سنوات. وأزال إلغاء العملات السيادية الضغوطات التي كانت تمارسها الأسواق عادةً على الحكومات لاتخاذ تدابير التقشف التي لا تحظي بشعبية.

وعلى نحو متزايد، فشلت المحاولات المضنية التي تم بذلها لمنع حدوث تعثر على نطاق واسع في الاعتراف بالحقيقة الكامنة؛ وهي التي تتحدث عن أن العضوية في العملة الموحدة قد سمحت لبعض الدول بأن تقترض مبالغ مالية تفوق بكثير قدرتها على السداد. لكن هذا لم يكن خطأ اليورو وحده، حيث كان ضغط المخاطر واحدة من الظواهر العالمية خلال فترة الازدهار.

في هذا الإطار، مضت الصحيفة تقول إن المستثمرين لم يعودوا يكترثون بالمخاطر في ظل بحثهم عن الغلة. وفي النهاية، بات كل شيء تقريباً متحررًا للغاية من المخاطر.

وتورطت وكالات التصنيف الائتماني في العملية، عن طريق إعطاء تقويمات من الدرجة الأولى على أصول آمنة بشكل أساسي. واليوم، تواجه الوكالات اتهامات بأنها تعمل على تعميق أزمة الديون من خلال تكرار خفض تصنيف الديون السيادية.

وصحيح تماماً أنه ونسبةً إلى الناتج المحلي الإجمالي، كانت الديون السيادية للولايات المتحدة أعلى مما هي عليه اليوم، لكن أميركا كانت قادرة في الماضي على الارتكاز على النمو السريع ونزع السلاح لإعادة الاقتراض إلى مستويات مقبولة. ولا يبدو أنه من المحتمل أن توفر أي من تلك الأشياء وسيلة للإنقاذ هذه المرة.

وختمت التلغراف بتأكيدها على أن وكالات التصنيف الكبرى تتمتع بعلاقة حميمة بطريقة غير صحية مع السيادات الكبرى، ويمكن أن تتعرض عادةً للضغوط لكي تقوم بـ quot;الشيء الصحيحquot; في مصلحة الاستقرار المالي.

وشددت كذلك على ضرورة المواجهة، لكي لا تزداد الأزمة تفاقماً في نهاية المطاف. وقالت إن الوضع المهيمن لاحتياطي النقد في أي حال يتيح للولايات المتحدة الوصول بصورة لا مثيل لها إلى الاقتراض الدولي.

وأوضحت أن هيمنة الدولار قد لا تستمر لمدة أطول، لكن لا توجد في الوقت الحاضر بدائل مجدية. وإن لم يُفعَل شيء، فإن الواجهة ستنكسر في نهاية المطاف. علماً أن الغذاء والعقار والطاقة هي الأشياء التي تحتفظ بقيمتها حين يزول المال.