برن / طوكيو:حام الفرنك السويسري قرب مستوياته القياسية المرتفعة الجمعة وارتفع الين وسط طلب على العملات التي تعد ملاذا آمنا مع تراجع كبير في شهية المخاطرة بسبب مخاوف بشأن النمو العالمي وانتشار أزمة ديون منطقة اليورو لكن التعاملات متقلبة.وقد هوت أسواق الأسهم في أنحاء العالم وارتفعت الأدوات الاستثمارية الآمنة مثل سندات الخزانة الأمريكية والألمانية في ظل قلق المستثمرين بسبب احتمال تجدد الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة وعجز صناع السياسة عن وقف انتشار أزمة ديون منطقة اليورو.والتمس المستثمرون ملجأ في الذهب بينما تراجع الفرنك قليلا في التعاملات الأوروبية لكن الأسواق تستعد لصعود آخر للعملة السويسرية.وقالت جين فولي كبيرة محللي العملات لدى رابو بنك 'حدثت موجة بيع للفرنك السويسري هذا الصباح لأن السوق متقلبة وتتساءل إن كان التدخل (لإضعاف العملة) مطروحا.


'لكن البنك المركزي السويسري بين المطرقة والسندان. فمن الصعب ألا يكون الفرنك مطلوبا في المناخ الحالي.'وارتفع الفرنك إلى مستوى قياسي أمام اليورو عند 1.0710 فرنك في التعاملات الآسيوية المبكرة لكنه تراجع إلى 1.0881 فرنك في التعاملات الأوروبية وسط مخاوف من احتمال تدخل السلطات لإضعاف العملة بعد تصريحات من رئيس البنك المركزي السويسري.وارتفع الدولار 0.5 بالمئة أمام الفرنك إلى 0.7676 فرنك لكنه ظل قريبا من مستواه القياسي المنخفض البالغ 0.7610 فرنك الذي سجله يوم الأربعاء.وعوض الين بعض خسائره الثقيلة التي تكبدها الخميس حين أدى تدخل كبير من البنك المركزي الياباني لبيع العملة إلى انخفاض حاد مقابل الدولار. ومن المتوقع أن تواصل السلطات التدخل.وتراجع الدولار 0.8 بالمئة إلى 78.44 ين. وهبط اليورو نحو 0.4 بالمئة إلى 111.12 ين بعدما ارتفع فوق 114 ينا في الجلسة السابقة.


الى ذلك كشفت الازمة التي تضرب الاقتصاد العالمي عن بعض المفارقات الملفتة مثل صمود اليورو في خضم ازمة الديون الاوروبية، وازدواجية وكالات التصنيف الائتماني في معاييرها لتقييم الدول، والاقبال الكبير على الين فيما اليابان تعتبر الدولة الاعلى ديونا في العالم.قد تكون منطقة اليورو في ازمة حادة بشان ديون بعض دولها، غير ان اليورو يبقى قويا في مواجهة الدولار. كيف يمكن تفسير صمود العملة الاوروبية بل حتى ارتفاع سعرها مقابل الدولار، رغم ان اليونان شارفت على التعثر في السداد فيما البرتغال واسبانيا وايطاليا تقترض من السوق بمعدلات فائدة غير مسبوقة؟ فاليورو يستمد قوته من تردي وضع الدولار الذي يسجل تراجعا غير مسبوق في اقبال المستثمرين عليه، حيث ان النمو الاقتصادي الاميركي تباطأ بشكل واضح خلال الشتاء وبات المحللون يخشون انكماشا في النصف الثاني من السنة.
من جهة اخرى ادت برامج تليين السياسة النقدية التي يطبقها الاحتياطي الفدرالي الاميركي منذ 2008 الى اضعاف الدولار من خلال عمليات اصدار العملة.


وبموازاة ارتفاعه مقابل الدولار، يضعف اليورو امام عملات مرجعية اخرى مثل الين والفرنك السويسري. من جهة اخرى ينتقد البعض وكالات التصنيف الائتماني معتبرين انها تعاقب بعض الدول فيما تراعي دولا اخرى ليست افضل حالا على الصعيد الاقتصادي. فلماذا تركز وكالات موديز وستاندرد اند بورز وفيتش ضغوطها على بعض دول منطقة اليورو وتتغاضى عن دول اخرى لديها ديون مساوية او حتى اكبر؟ فاليونان التي توازي ديونها 152' من اجمالي ناتجها الداخلي تعتبر بحسب تصنيف ستاندارد اند بورز الدولة الاقل موثوقية في العالم، في حين تحظى جامايكا بعلامة افضل علما ان دينها يصل الى 137' من اجمالي ناتجها الداخلي. وبعدما اتهمت وكالات التصنيف بالتهاون بعد ازمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة، تعتزم التشدد حيال ازمة منطقة اليورو لا سيما وانه لم يعد من المستبعد تعثر اليونان عن سداد مستحقاتها.
وفي حال حصل فعلا تعثر في الديون اليونانية فان الجهات الخاصة الدائنة لاثينا ستتكبد خسائر فادحة، وهو ما ارغم الوكالات على تخفيض علامة اليونان بشكل حاد.
ويتهم العديد من الخبراء الوكالات بانها تشعل فتيل الازمة لتعمد بعدها الى التحذير منها. فان عمدت احداها على سبيل المثال الى تخفيض علامة ايطاليا على ضوء صعوبات هذا البلد المتزايدة في الاقتراض من الاسواق، فان ذلك سيثر هلع المستثمرين ما سيتسبب بارتفاع معدلات الفوائد اكثر بالنسبة لروما.


اما بالنسبة للين، فلماذا يقبل المستثمرون الى هذا الحد على عملة البلد الاعلى ديونا في العالم؟ ومن المدهش ان العملة اليابانية تقارب اعلى مستوياتها بالنسبة للدولار منذ 1945، في توجه يتعارض تماما مع وضع الاسس الاقتصادية اليابانية الحالية. ولطالما اعتبر الين عملة مرجعية وعلى الاخص في فترات التدهور الاقتصادي. فان كان مستوى ديون هذا البلد الاعلى في العالم اذ يصل الى 252' من اجمالي الناتج الداخلي، الا انه يمول في قسمه الاكبر بواسطة مدخرات اليابانيين. ويهدد سعر الين انتعاش اقتصاد الارخبيل بعد الزلزال والتسونامي اللذين ضربا البلد في 11 اذار/مارس وتسببا بخسائر فادحة بالنسبة للمصدرين وشركات تصنيع السيارات في اليابان.وسعيا منها لاضعاف عملتها تدخلت الحكومة بشكل مباشر الخميس في الاسواق للمرة الاولى منذ ايلول/سبتمبر 2010، غير ان الخبراء يعتبرون ان هذا التحرك الاحادي الجانب لن يكون له سوى تاثير محدود. كما ان اتباع سياسات تقشف في ظل نمو ضعيف يوجد وضعا خطيرا يهدد باثارة ازمة. ففي وقت يتباطأ فيه النمو في ضفتي الاطلسي، عمدت حكومات الولايات المتحدة ودول منطقة اليورو الى اتباع سياسات تقشف غير مؤاتية لتنشيط الاقتصاد. غير ان هذه الحكومات ملزمة بالحد من نفقاتها بعدما تفاقمت ديونها وباتت تخضع لمراقبة مشددة من الاسواق ولضغوط من وكالات التصنيف الائتماني التي تطالبها بتخفيض انفاقها. ونتيجة لكل هذه الظروف تضاءل هامش التحرك امام هذه الدول ولا سيما بعدما عجزت عن تحفيز نموها من خلال الانفاق العام.