هي سوق كبيرة للسلع المقلدة تختصر حالة بلد يصنّف الثالث عالميًا من حيث العلامات التجارية المزوّرة المتداولة فيه، وتكبّد هذه quot;التجارة السهلةquot; الجزائر خسائر بالمليارات، وتجعل البلد الباحث عن إتمام عملية الانخراط في منظمة التجارة العالمية، في ورطة حقيقية تتناول quot;إيلافquot; حيثياتها وأبعادها عبر هذا التقرير.


منظر عام لسوق الطحطاحة

كامل الشيرازي من الجزائر: مع نهاية كل أسبوع تتحول ساحة quot;الطحطاحةquot; في وسط مدينة وهران (450 كلم غرب) إلى سوق عارمة متمردة عن سلطة الضرائب، وغير خاضعة للقوانين التجارية المعمول بها، فيتداول الباعة الفوضويون داخلها ما لا يقلّ عن ثلاثين مليون أسطوانة استنادًا إلى quot;هواري بوسيفquot; أحد المسؤولين الجهويين.

يتعلق الأمر بأقراص quot;دي في ديquot; المقلدة الذي يُباع الواحد منها بثمن زهيد لا يتجاوز 0.90 دولار، والمثير أنّ هذه البضائع رائجة في الطحطاحة تمامًا مثل أسواق السلع المقلّدة الأخرى المنتشرة في باقي جهات الجزائر.

تقول نبيلة قادري المديرة العامة للمعهد الجزائري للملكية الصناعية إنّ أعمال القرصنة فتكت بـ37 % من الأشرطة السمعية، و72 % من الأقراص المضغوطة، فضلاً عن 75 % من أشرطة الفيديو، هذه المعطيات جعلت الجزائر توجد في المرتبة السابعة عالميا في مجال إنتاج البرمجيات المقلدة بنسبة 83 %.

ويشير حاج ملياني إلى أنّ أي أسطوانة مهما كان عمرها قصيرًا، أو مصدرها بعيدًا، توجد في الطحطاحة، ويتعلق الأمر بـquot;قراصنةquot; يتفنون في استنساخ أحدث النتاجات، سواء كانت عربية أو فرنسية أو أميركية، وقبل إطلاقها رسميًا في دولها الأصلية.

يلفت عبد الحميد بوطريق أحد رواد سوق الطحطاحة إلى أنّه من الصعب معرفة هوية مقلّدي الأسطوانات المعروضة في مختلف الأزقة، بما يزيد من صعوبة فرق الرقابة، في وقت يرفض الباعة الكشف عمّن يزودهم بهذه السلع المزوّرة التي يفلت أصحابها كل مرة من العقاب. ونظرًا إلى انخفاض قيمة السلع المقلّدة، فإنّ الأخيرة تنفذ في آجال قياسية تدفع بعرّابي العلامات المقلّدة إلى مضاعفة نشاطهم لسد الطلب الذي زاد بثلاث مرات خلال أقل من عام.

ويشير الخبير quot;أنيس بن مختارquot; إلى أنّ ظاهرة البضائع المقلّدة لم يسلم منها أي قطاع، إذ مست قطع الغيار بحدود 50 %، وهو ما يفسر وقوع بعض الحوادث التي تكون السبب الرئيس فيها قطع غيار مزورة، كما يلفت ابن مختار أنّ التقليد طال أيضًا السجائر بنسبة 60 % من مجموع السجائر المتداولة في السوق الجزائرية، وكذا المواد الكهرو منزلية وتجهيزات الإعلام الآلي بـ12 %، ناهيك عن قدر غير قليل من الأدوية والمنتجات الصيدلانية المقلدة.

وتبعًا لتنامي العلامات التجارية المزوّرة، تشير بيانات رسمية إلى رمي نحو 75 مؤسسة للمنشفة، بعدما هبّت عليها رياح الإفلاس، في وقت تفكّر مجموعات اقتصادية أخرى لتغيير نشاطاتها رأسًا بما يجعلها في منأى عن أشباح التزوير التجاري الذين أسّسوا لصناعة من نوع خاص تقوم على اقتناء عتاد بات في المتناول، ويجري بوساطته تطوير القرصنة على مرأى ومسمع من الجميع.

يدافع فريق من ممارسي تجارة العلامات المزوّرة، بالقول إنّ دروب الحياة استهلكتهم، ولم تعدّ لهم من حيلة سوى ممارسة هذه التجارة غير المشروعة التي تعيش من إيراداتها آلاف العائلات، ويستفيد منها قطاع واسع من الزبائن المحدودي الدخل.

لا ينفي عبد الرزاق ووليد أنّ تراجع المستوى المعيشي العام لمواطنيهم يضطرهم على الرغم منهم لاستهلاك بضائع مقلّدة لا لشيء سوى لـ quot;أسعارها المنخفضةquot;، وهو ما يبرزه جلول: quot;لست أهتم بما يقال عن النوعية السيئة للبضائع المقلّدة، كيف لي أن أعيل عائلتي بعشرين ألف دينار (ما يعادل 240 دولارا)quot;.

يقرع كل من quot;إلياس بوثلجةquot; وquot;عبد الحفيظ بوعلامquot; أجراس الإنذار، حيث يرى كلاهما في تزوير العلامات التجارية نزيفًا تتحمل الجزائر وطأته، إذ يترتب عن إغراق الأسواق المحلية بالعلامات التجارية المزوّرة، 591 مليون دولار كخسائر سنوية تستنزف الخزانة العامة.

وتقدّر مراجع جزائرية مطلعة، قيمة البضائع المقلّدة في البلاد بما يزيد عن المليار دولار، تبعا لتزوير 41 % من العلامات التجارية المحلية وفق تقارير رسمية، علمًا أنّ دوائر الرقابة حجزت خلال العام الأخير ما يربو عن الأربعة ملايين قطعة مقلدة، ما جعل تقرير أميركي حديث يدرج الجزائر بعد الصين وروسيا ضمن قائمة الدول الأحد عشر المصنّفة على اللائحة الحمراء.

ظاهرة القرصنة تشكل خطرًا جديًا على توازنات الاقتصاد الجزائري

ويفيد تحقيق ميداني أنّ أكثر من 80 % من المنتجات المزورة مصدرها الاستيراد غير الشرعي الذي يعد النافذة الرئيسة لولوج السلع المقلدة إلى البلاد من خلال من يُعرفون بـquot;تجار الشنطةquot;.

كما يكشف quot;عمار رمضانيquot; مدير محاربة الغش على مستوى إدارة الجمارك الجزائرية، أنّ غالبية البضائع المقلّدة آسيوية المنشأ (55 %) لاسيما الصين (52 %)، تايوان وتايلندا، متبوعة بدول أوروبا الشرقية (35 %) خاصة روسيا وأوكرانيا، في حين تمثل السلع المنتجة في الجزائر والمقلدة quot;ثلثquot; المنتجات المتداولة، مع الإشارة إلى أنّ السنوات الست الأخيرة شهدت رواج المنتجات المقلدة القادمة من إيطاليا وتركيا.

يتحدث quot;فريد بلحمريquot; رئيس الجمعية الجزائرية للصيادلة، عن انتقال عدوى التقليد إلى quot;الأدويةquot;، وهي عملية يتكفل تجار quot;الشنطةquot; بإدخالها خفية إلى الجزائر، سواء بطرق ملتوية كتهريبها عبر الحدود، ويشير أ/بلحمري، إلى أنّ هذه الأدوية المقلّدة يتم جلبها من دول آسيوية في الغالب كالصين، وتشمل الأدوية المقلّدة، بحسبه، المضادات الحيوية والأدوية المضادة للسرطان وضغط الدم.

في سياق متصل، يركّز المختص quot;عبد القادر عزوزquot; على مستحضرات التجميل والعطور، إذ إنّ 40 % من مجموع هذه المنتجات مقلدة في الأسواق الجزائرية، وهي حقيقة أكدتها وزارة التجارة الجزائرية، على لسان مسؤولها السابق quot;الهاشمي جعبوبquot; بكشفه قبل فترة أنّ نصف مستحضرات التجميل المسوّقة في الجزائر quot;مقلّدةquot;، وهو ما تسبب في ظهور العديد من الأمراض الجلدية.

تشمل السلع المقلدة الملابس والأحذية، وهي تمثل 30 % من مجموع السلع المتداولة في السوق المحلية، ويشدد quot;الراغ بن عمرquot; وهو مسؤول مركزي على مستوى الجمارك الجزائرية، على أنّه غالبًا ما ترتكب هذه المخالفات من قبل متعاملين يستوردون بضائعهم من الصين.

وحتى يتم إيقاف زحف البضائع المقلدة، يقترح عموم الخبراء تعزيز الرقابة الحدود البرية والمطارات والموانئ وتشديد عمليات تفتيش كل السلع المستوردة، والتي كثيرًا ما تكون مغشوشة، وذلك باستعمال كل الوسائل العلمية والتكنولوجية المتاحة.

ويلزم المشرع الجزائري مزورّي البضائع، بإلزامية دفع فارق القيمة المضافة وسداد غرامات مالية تعادل ضعف مقابل قيمة البضاعة بالنسبة إلى الأشخاص الماديين وأربعة أضعاف بالنسبة إلى الأشخاص المعنويين، إلاّ أنّ quot;عبد الحميد غرناوطquot; يسجل أنّ الجزائر مازالت متأخرة في مواجهة المنتجات المغشوشة التي يسميها الجزائريون (سلع تايوان).