بعد أكثر من عام على إنعقاد قمة مجموعة الثماني في دوفيل وتعهد رؤساء الدول الصناعية الكبرى بتقديم المساعدات لدول الربيع العربي، ما تزال هذه التعهدات حبراً على ورق، فما الذي يؤخر هذه المساعدات وما سبب هذا التقاعس من جانب الدول المانحة؟

تونس: عقب قمة مجموعة الثماني التي إنعقدت في دوفيل شمال فرنسا يومي 26 و27 مايو 2011 وضمت رؤساء الدول الصناعية في العالم أطلق زعماء هذه الدول شراكة طويلة الأمد مع تونس ومصر وتعهدوا بتقديم مساعدات بقيمة 40 مليار دولار أغلبها على شكل قروض منخفضة التكلفة لمصر وتونس. وكان من المقرر أن تقدم مساعدات بقيمة عشرة مليارات من دول الثماني وعشرة مليارات من دول الخليج الغنية و20 ملياراً من مؤسسات دولية.
وفي قمتها الأخيرة في منتجع كامب ديفيد يومي 18 و19 مايو 2012 بحثت مجموعة الدول الثماني الكبار قضايا عالمية من بينها تقديم الدعم والمساعدة لدول الربيع العربي. ولكن بعد أكثر من عام على قمة دوفيل لم تصل المساعدات إلى تونس ومصر اللتين تصارعان من أجل إنتقال سليم وسلس من الديكتاتورية والإستبداد إلى دول القانون والحرية والديمقراطية.
وقد كانت تونس أبلغت مسؤولين غربيين أنها في حاجة إلى مبلغ 25 مليار دولار خلال خمس سنوات للمساعدة على إعادة بناء إقتصادها ولكن مجموعة الدول الثماني الكبرى أخلت بوعودها. فما الذي جعلها تتقاعس في تقديم الدعم والمساعدة لتونس وهي في أشد الحاجة إلى الدعم الخارجي حتى ينهض الإقتصاد ويتعافى وتكون قادرة على توفير الطلبات والإحتياجات المستحقة بعد الثورة؟
الوضع العام
أشار الخبير الإقتصادي سفيان الزواوي في تصريح لـquot;إيلافquot; أنّ الدول الغربية المانحة ترى أنّ الوضع العام في تونس ما يزال يلفه الغموض وبالتالي فهي ما تزال غير متأكدة من مستقبل البلاد السياسي والإجتماعي والإقتصادي مؤكداً أنّ الدول الغربية تضع الجانب السياسي ضمن معادلاتها في التعامل مع الدول الأخرى وخاصة دول الربيع العربي التي تعيش وضعاً هشاً بعد الثورات التي عاشتها نتيجة الطلبات والإحتجاجات في إطار تحول إنتقالي صعب.
وأوضح أنّ الثورات في بلدان الربيع العربي أتت بالإسلاميين إلى السلطة و بالتالي فهذه الدول ترى أن هناك غموضا يكتنف الوضع العام في هذه البلدان مشيرا إلى أنه ولأول مرة وكالة فيتش للتصنيف الإئتماني أوضحت أنّ هناك مشكلة تخص السلفيين الذين يمثلون عبئاً على تونس والذين ليس لهم وزن كبير ولكنهم مؤثرون في الوضع الإجتماعي العام وبالتالي فإن هذه الدول المانحة تعطي الجانب السياسي أهمية كبرى في التعامل مع الدول النامية ولا تقتصر على الحانب الإقتصادي الذي يتأثر طبعاً بالجانب السياسي.
من جانبه أكد الخبير الإقتصادي سامي التومي في إفادة لـquot;إيلافquot; أن الدول الغنية لم تلتزم بتقديم قروض لتونس قيمتها 25 مليار دولار على مدى خمس سنوات ولكنها قدمت المساعدة لتدخل مؤسسات مالية ودول أخرى لتقديم الدعم لدول الربيع العربي.
من جهة ثانية أبرز التومي أنّ على الحكومة أن تقدم مشاريع للدول الغنية وللمؤسسات المالية العالمية من أجل دراستها والموافقة على تغطية تكاليفها ولكن ما أعلمه أن حكومتنا لم تقدم ملفات لمشاريع واضحة وجدواها أكيدة وثابتة لأن هذه الدول لا تقدم قروضاً إلا إذا عرفت قيمة المشاريع لتضمن إسترجاع أموالها.
وكان إستدعاء الوزير الأول السابق الباجي قائد السبسي من الدول الثماني الغنية في غمرة إحتفالات بدول الربيع العربي التي أنجزت ثورات سلمية وتاريخية فأرادت بذلك تكريمها وتقديم الدعم المادي والمعنوي لها حتى تجابه الطلبات الملحة للشعوب العربية المحتجة وحتى تبقي هذه البلدان على إختياراتها الليبرالية التي تتماشى ورغبة هذه الدول التي تتعامل معها.
خطة شاملة وواضحة ضرورية
وقال الزواوي: quot;متى كان الوضع الإجتماعي غير مستقر كما الوضع السياسي في حاجة إلى رؤية واضحة ومستقبلية فإن الدول الغنية المانحة ستبقى تنتظر وضوح الرؤية في تونس لأنها لا يمكن أن تقدم المليارات ولو في شكل قروض دون التأكد من وضوح المسارين السياسي و الإقتصاديquot;.
وأكد على أنّ الافتقار لخطة شاملة وواضحة على المدى البعيد لاقتصادات الربيع العربي قد يؤدي الى العديد من الآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومنها إمكانية حصول انتكاسة الوضع الى أسوأ مما كان عليه من قبل مبينا أنّ أحد أسباب تقاعس الدول المانحة في تقديم الأموال التي تعهدت بها يرجع للدول العربية التي حصلت بها ثورات ،فالحكومات تعيش تخبطا بسبب التحولات السياسية المحلية والانتقال الذي إتسم بالإضطراب الى الديمقراطية، لم تتمكن من تنفيذ مخططات وسياسات اقتصادية تقنع الدول الغربية بأن الأموال ستنفق في الإتجاه السليم.
المسار السياسي
وأشار التومي إلى أنّ الدول الثماني الغنية لم تكن لتهتمّ بالجانب السياسي في البداية ولكن وبعد ما لاحظته من تجاوزات وعنف ومحاولات لتغيير المجتمع التونسي من طرف السلفيين أصبحت هناك إحترازات من السلطة التي يمثلها حزب اسلامي ما تزال توجهاته غير واضحة بخصوص الحريات والتعامل مع السلفيين الذين أصبحت لهم اليد الطولى وهم يعتبرون ذلك إرهاباً، مضيفاً أنّ علاقات الإسلاميين بالغرب تبقى دائماً غير واضحة بينما تتجه إهتماماتهم إلى الشرق، وهذا ما يجعل الغرب مرتبكاً ومحتاطاً في تعامله مع دول الربيع العربي الإسلامية ومتخوفين على مصالحهم وبالتالي فالأكيد أنهم لن يقدموا القروض إلا إذا تأكدوا من وضوح الرؤية بالنسبة للمستقبل السياسي والإقتصادي والإجتماعي لهذه الدول ومنها تونس.
وأضاف أن منطقة الربيع العربي وتعامل الغرب معها لا تهم تونس فحسب بل بقية الدول ومنها تونس حيث توجد منظمة القاعدة في المغرب الإسلامي في المنطقة وهناك في مالي إلى جانب التحركات في ليبيا و كامل المنطقة تعيش وضعا هشا وهو ما يؤكد أن الدول الغنية ستبقى تنتظر وضوح المسار السياسي الذي سيحدد مستقبل تونس.
قروض بشروط
وعقب مؤتمر دوفيل أعرب سفير الاتحاد الأوربي بتونس وليبيا السيد ادريانوس كوسترنروجت عن استعداد المفوضية الأوربية ومؤسسات البنك الأوربي للاستثمار والبنك الدولي لتبدأ دعمها المالي للاقتصاد التونسي حتى تنجح الثورة التونسية وبرامج الإصلاح السياسي في تونس ليساهم في إنجاح الثورات العربية لأنّ إجهاضها سيتسبب في مشاكل أمنية واقتصادية واجتماعية بمنطقة الربيع العربي.
وأضاف رئيس بعثة الاتحاد الاوربي بتونس وليبيا أنّ المبالغ التي وعدت بها مجموعة الدول الثماني مشروطة بتقدم الحكومة التونسية بمشاريع واضحة ودقيقة تحصل بفضلها على قروض وتمويلات مفصلة بشأنها.
وقد أكد المسؤول الأوروبي على أنّ المبالغ التي قد يكون تم رصدها لتونس مشروطة بمدى تقدم الحكومة التونسية بدراسات قانونية واقتصاديية معمّقة وبمشاريع واضحة ذلك أنّ الأطراف الممولة في أوروبا و غيرها لا يمكن أن تصرف مبالغ مالية في شكل قروض دون وجود مشاريع دقيقة وواضحة متوفرة على جميع جوانب هذه المشاريع.