في وقت تجاهد فيه مصر بكل ما أوتيت من قوة من أجل النهوض بإقتصادها، وسط كم كبير من المشكلات التي تعانيها منذ سنوات، فإنها إذ تواجه كذلك تهديداً متواصلاً من جانب العواصم الأفريقية الفقيرة بخصوص مياه نهر النيل، التي بدونها سيذبل ويموت الاقتصاد في مصر.

القاهرة: في ظل المشكلات السياسية والاقتصادية التي تواجهها البلاد بشكل متتالي منذ الإطاحة بالرئيس حسني مبارك، فإن البلاد تئن من الداخل، حتى وإن كان التهديد الأكبر الذي تواجهه ربما يكون موجوداً على بعد مئات الأميال في المرتفعات الأفريقية.
ومَكمَن هذا التهديد هو نهر النيل، والمصير المجهول الذي بات يكتنفه، إلى جانب المصير الذي ينتظر مصر نفسها. فلطالما تجاهل مبارك الخطر الأمني الذي تشكله مطالب الدول الأخرى بخصوص نهر النيل الذي يوفر 95% من المياه التي تحتاجها مصر، والتي توجد فيها مساحات شاسعة من الصحراء، والتي لولا أراضيها الخصبة الموجودة في منطقة الدلتا، لكان قد ذبل اقتصادها وتعرض لحالة تامة من الانهيار.
ومع استمرار مضي العواصم الأفريقية الفقيرة بشكل متزايد نحو انتهاج نبرة متحدية تتعامل بها مع القاهرة، فقد تحول هذا الصراع إلى واحد من أكثر اختبارات السياسة الخارجية إلحاحاً بالنسبة للرئيس المصري المنتخب حديثاً دكتور محمد مرسي.
ولم تعد تهتم البلدان الأفريقية التي تقع عند بداية النهر، وبالأخص أثيوبيا، بمسألة حقوق المياه، وبدأت تمضي صوب الاستحواذ على كميات كبيرة من المياه لاستخدامها في أغراض توليد الكهرباء والري والمشروعات، لتلبية احتياجات السكان.
من جانبه، قال مجاهد عاشوري، ممثل منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة في مصر: quot;يعد النيل شرياناً أساسياً لحياة المصريين أجمعينquot;. وهو ما أكدته صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأميركية في سياق تقرير مطول لها بهذا الخصوص، أشارت فيه إلى وضوح اهتمام الرئيس مرسي بأزمة المياه ورغبته في الوصول لتسوية لحماية حق مصر الاستراتيجي والتاريخي، حيث قام بزيارة لدولتين من أهم دول حوض النيل عقب فوزه بالانتخابات، فضلاً عن أن رئيس الوزراء، هشام قنديل، كان وزيراً للري، وتربطه علاقات بمسؤولين في حكومات أفريقية.
وخلال الآونة الأخيرة، قام وفد مصري بجولة في تلك المنطقة الأفريقية، وتطرق الحديث في تلك الجولة إلى الطريقة التي يمكن أن تساعد من خلالها القاهرة في بناء المستشفيات والمدارس بالقرى والغابات المنتشرة في تلك البلدان التي تئن من الفقر.
وأوردت صحيفة الأهرام ويكلي التي تصدر باللغة الإنكليزية عن أحد مستشاري الرئيس مرسي قوله quot;أصيب الرجل ( مرسي ) بصدمة حين تلقى تقريراً عن وضعية علاقاتنا بدول حوض النيل. وأرى بحسب اعتقادي أن النظام السابق لابد وأن يُحَاكَم نظراً لتغاضيه عن تلك العلاقات التي تحظى بمثل هذه الأهمية الإستراتيجيةquot;.
وعاودت لوس أنجلوس تايمز لتقول إن مصر لطالما قضت سنوات طويلة في التركيز على مشكلات قريبة من حدودها، بما في ذلك السلام العربي- الإسرائيلي والميل إلى الحروب من لبنان إلى العراق. ولم يكن يكترث الرئيس مبارك، الذي نجا من محاولة اغتيال عام 1995 على يد متطرفين إسلاميين في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، بمنطقة شرق أفريقيا. بيد أن نظامه كان مهتماً بالحفاظ على معاهدات النيل القائمة.
وهو الاهتمام الذي عكسه تحذير سبق أن أطلقه الرئيس أنور السادات في العام 1979، حين قال :quot; الشيء الوحيد الذي قد يجر مصر إلى الحرب مرة أخرى هو المياهquot;.
ومضت الصحيفة تشير إلى أن الضغوط الاقتصادية والطلب المتزايد على الطاقة والتنمية قد حوَّلا اهتمام البلدان الأفريقية لنهر النيل. ومنذ العام 2010 وأثيوبيا إلى جانب 5 دول أخرى من دول المنبع تشير إلى أنها ستحتفظ بجزء أكبر من المياه، بعيداً عن كل ما يقال عن حق مصر المتعلق بالاعتراض على مشاريع بناء سدود على النهر.
أما التحدي الأكبر الذي تواجهه القاهرة في هذا الصدد فهو المتعلق بسد النهضة الأثيوبي العظيم. وقدر خبراء أن مشروع الطاقة الكهرومائية، الخاضع للإنشاء والمتوقع أن يتكلف ما لا يقل عن 4.8 مليارات دولار، من الممكن أن يخفض تدفق مياه النهر إلى مصر بمقدار 25 % خلال فترة الثلاثة أعوام التي سيملأ فيها الخزان خلف السد. ويواجه المشروع عدداً من العقبات المحتملة فضلاً عن فقدانه لأكبر داعم له بوفاة رئيس الوزراء الأثيوبي ميليس زيناوي في شهر آب/ أغسطس الماضي.
ورغم التطمينات التي تحاول أن تبعث بها الإدارة في أثيوبيا لنظيرتها في القاهرة بأن المشروع لن يؤثر على حصة مصر السنوية من مياه النهر، التي تقدر بـ 55.5 مليار متر مكعب ( حوالي ثلثي مياه النهر )، إلا أن الشكوك مازالت تهيمن على الجانب المصري.
ونقلت أنجلوس تايمز عن هاني رسلان، الخبير في شؤون حوض النيل لدى مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بالقاهرة، قوله: quot;دخلت مصر المرحلة التي يتم فيها استنفاذ مواردها ويتزايد فيها عدد سكانها بشكل متزايد. وإذا تم إكمال بناء السد، فإن هذا سيعني أن أثيوبيا ستتحول إلى عدو بالنسبة لمصر، لأنها ستمثل بشكل أساسي تهديداً على أمان وتطور البلاد، وكذلك على أوضاع المواطنين المعيشية. وسيحق لمصر من الناحية القانونية أن تدافع عن نفسها من خلال خوض الحربquot;.
وفي الوقت الذي تحاول فيه مصر ودول أخرى من حوض النيل أن تهدئ من وتيرة الأجواء المشحونة، عاود رسلان ليقول quot;تواجه مصر مشكلات اقتصادية عميقة، وهي إذ تحاول أن تجذب الاستثمارات الأجنبية، التي انخفضت بصورة حادة خلال العام الماضي الذي شهد ثورة الـ 25 من كانون الثاني/ يناير وما تلاها من فوضى سياسيةquot;.
وأضاف رسلان :quot; يحاول مرسي أن يبعث بإشارات للعالم الأفريقي تفيد بأن مصر أضحت منفتحة الآن، وأنه إذ يسعى جاهداً لتحسين العلاقات وزيادة أوجه التعاون. وصحيح أنه لم يتم التوصل لاتفاقات حتى الآن، إلا أن هناك حاجة لفعل المزيد من الأمورquot;.
وعاود عاشوري في هذا الصدد ليقول :quot; لابد وأن تكون السياسات الخاصة بالمياه في مصر بعيدة المدى. وإن كنت ترغب في جعل المزارعين يتوقفون عن استخدام قدر كبير من المياه في الري، فلابد من منحهم مجموعة من البدائل والحوافز الأخرى، مع العلم أن المزارعين لا يمكنهم الاستغناء في الوقت الراهن عن مياه النيلquot;.