الجزائر: عدما لامست قيمتها مستويات قياسية في الجزائر، تحوّلت البطاطا إلى ورقة انتخابية مثيرة للجدل محليا، حيث أحرج جنون سعر البطاطا السلطات المراهنة على كسب ودّ الشارع ودفع مواطنيها إلى المشاركة بقوة في انتخابات العاشر من أيار (مايو)، بينما استثمرها معارضون لمعاكسة الطرح الرسمي حول نفق البطاطا الذي أحرق الجيوب وزجّ بالجزائريين في دوّامة. (إيلاف) تابعت الموضوع مع المعنيين.

الجزائر: بات التهاب سعر البطاطا ووصولها إلى موائد الجزائريين بأسعار مرتفعة وصلت إلى حدود 130 دينارا (ما يعادل الدولارين) للكيلوغرام الواحد، قضية رأي عام في الجزائر التي تنتج سنويا نحو 16 ملايين قنطار، إذ لا يفهم أكثرية الجزائريين، كيف لبلادهم التي يمكن لولاية زراعية واحدة بحجم منطقة معسكر أو عين الدفلى أن تسدّ حاجات كل الجزائريين من البطاطا، أن تعاني لأكثر من شهر كامل، إلى حد جعل البطاطا أقرب إلى الفاكهة الصعبة المنال حتى وإن يتجه سعرها للانخفاض تدريجيا بعدما عذّبت الموظفين المحدودي الدخل.

التقى quot;مجيد مناصرةquot; رئيس جبهة التغيير (حزب إسلامي معارض) وquot;علي العسكريquot; رئيس جبهة القوى الاشتراكية (أقدم تشكيلة معارضة في البلاد) عند اعتبار قضية البطاطا أزمة مفتعلة موجّهة بسياسة تلفيقية، مردّها إفلاس حكومي وعدم صرامة دوائر الرقابة في تطبيق القوانين، ويحيل الرجلان إلى أنّ البطاطا على منوال المواد الأكثر استهلاكا تخضع لـquot;مجموعة من المتحكمين داخلياquot;.

فيما يتساءل quot;أنيس نواريquot; إن كانت البطاطا جار استخدامها كمعول لضرب الخطط الإصلاحية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، يقدّر السوسيولوجي quot;حبيب بوخليفةquot;، أنّ أزمة البطاطا تختزل ما يسميه quot;احتقارquot; من ينعتهم quot;أشباه الساسةquot; للشعب الجزائري، ويرى في المشكلة دلالة على أنّ الجزائر لم تتجاوز مرحلة بناء العقل الفعلي في تنظيم المجتمع نتيجة السلوكات السلبية السياسية التي يتحكم فيها مجموعة من الأشخاص لا يحملون أفكارا وأحلاما، وتحاول المجموعة إياها بحسب بوخليفة، الاحتفاظ بالريع والسلطة وعدم الذهاب إلى التغيير، عبر إلهاء الجماهير بمضاربة جنونية في سعر البطاطا شأنها شأن السردين والبيض، وهي المواد الأكثر تواجدا في غذاء الفئات الأكثر فقرا.

سوسيولوجيا يتصور بوخليفة أنّ الجزائر تعيش حاليا مرحلة الأنوميا أو اللا معيارية، وهو شوط تغيب فيه بنظر محدثنا القيم الفكرية والأخلاقية، ويسقط البشر في توظيف غريزي للدفاع عن وجودهم، وعليه يشير بوخليفة إلى أنّ مأزق البطاطا يحيل رمزيا على quot;انهيار النظامquot;، مستدلا بعجز حكام البلد على التحكم في أبسط شيء رغم تكدّس أزيد من ثلاثمائة مليار دولار في الخزانة العامة، بالمقابل، برزت فئة (البقارة وأصحاب الشكارة) أي الأثرياء الجدد.

أويحيى quot;يتاجرquot; في قنوط الجزائريين؟

بالنسبة للكاتب المعارض quot;فارس شرف الدين شكريquot; فإنّ معضلة البطاطا تعكس تعاطيا حكوميا مشبوها، فكيف رفعت حكومة الوزير الأول quot;أحمد أويحيىquot; يدها عن كل المواد الاستهلاكية الأساسية رغم علمها التام بأنّ هذا سيدفع مواطنيها إلى مقاطعة كل ما هو حكومي، وكرههم له، بما في ذلك الإقدام على مكاتب الاقتراع التي تبدو quot;شيئا تافهاquot; مثلما قال، تزامنا مع آلامه؟.

ويتساءل شكري لما لم تتدخل الدولة لكي تستورد ملايين الأطنان من بطاطا الخنازير الكندية كما فعلت في صيف العام 2007، من أجل إسكات أفواه الجيّاع، وضرب المحتكرين في الصميم؟

يكاد شكري يجزم بأنّ الأمر يتعلق بــquot;خطة ماكرةquot; من خطط أحمد أويحيى من أجل جعل الشعب يرفض الانتخابات القادمة وبالتالي يرفض أي تغيير، مما يسمح بإقناع منة وصفهم quot;المواطنين الضعفاءquot; بأنهم لا يريدون إلاّ رئاسة بوتفليقة وحكومة أويحيى ورفض غيره، ويذهب شكري إلى أنّ أويحيى الذي يقود حزب quot;التجمع الوطني الديمقراطيquot; (يتاجر) على حد وصفه، في قنوط الجزائريين، وذاك أمر يُحسن جيدا تسييره، في إحالة على ما انتاب المسار السياسي لرجل شهد صعودا مكوكيا في قمة هرم الحكم منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي.

إلى ذلك، اهتدى quot;حمانة بوشرمةquot; رئيس حزب quot;الشبابquot; الناشئ حديثا، إلى حل سحري لمشكلة البطاطا، حيث وصفها بـquot;الثانويةquot; التي يمكن معالجتها في 48 ساعة عن طريق جلب بواخر من البطاطا وإغراق الأسواق بأطنان منها كي تصير بقيمة 20 دينارا (ربع دولار)، ورأى بوشرمة أنّ البطاطا أريد لها أن تكون مشكلة تعكّر صفو ما سماه quot;الموعد التاريخيquot; من خلال سعي جهات لم يسمها، لتعطيل تفكير الجزائريين وربطهم بالبطاطا بدل التغيير.