من بين كل التحديات التي ضربت أوروبا خلال أزمتها الاقتصادية وأزمتها المتعلقة بالديون، المستمرتين منذ مدة طويلة، قد يكون تحول السلطة في فرنسا، بينما يتهيأ فرانسوا هولاند لتولي زمام الأمور في البلاد باعتباره أول رئيس اشتراكي للبلاد منذ 17 عاماً، من بين أبرز التحديات التي تواجهها القارة العجوز على هذا الصعيد.


القاهرة: إحتشدت جموع في العاصمة باريس للاحتفال بفوز هولاند، لكن في ظل حالة متزايدة من القلق بشأن مستقبل اتحاد اليورو، وتنامي المخاوف لدى المستثمرين حول العالم.

وقد ارتكز هولاند في حملته على تخوف المواطنين من التقشف. لكن المستثمرين متضايقين من أنه سينفق أكثر مما يتوجب عليه لدعم اقتصاد ضعيف، بدلاً من المضي قدماً بسوق العمل وإجراء إصلاحات اقتصادية يرى خبراء اقتصاديون أن فرنسا بحاجة ماسة لرفع القدرة التنافسية ومنعها من الدخول في دوامة متاعب اليورو النامية.

وفي هذا السياق ، نقلت اليوم صحيفة quot;النيويورك تايمزquot; الأميركية عن جاكوب فانك كيركيغارد، زميل أبحاث لدى معهد بيترسون للاقتصاد الدولي في واشنطن، قوله :quot; لن تقوم الأسواق بمهاجمة أوروبا على الفور. لكن هناك مخاطر بأنه إذا لم يتصرف هولاند بشكل مبكر، فإن فرنسا ستصبح رجل أوروبا المريض في المرة القادمةquot;.

وتابعت الصحيفة بقولها إنه من غير الواضح ما إن كان هولاند أو أي زعيم فرنسي آخر قادر على رفع ثقة المستثمرين أم لا، خاصة وأن البطالة تقف عند أعلى مستوى لها منذ 10 سنوات بنسبة قدرها 10 %، مع تفاقم الدين الوطني وبلوغه نسبة قدرها 86 % من الناتج المحلي الإجمالي، أي أكثر من نسبة الـ 78 % في ألمانيا.

وأثناء فترة حكم الرئيس المنتهية ولايته، نيكولا ساركوزي، انخفض العجز في الميزانية، لكن بنسبة 5.2 % من الناتج المحلي الإجمالي، وهي واحدة من أكبر أوجه القصور في منطقة اليورو. وقد تعهد هولاند باستعادة التوازن الاجتماعي في فرنسا، جزئياً عن طريق التصدي لتدابير التقشف التي سبق أن طرحتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ومحافظ البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي. ومن الخطط التي سيركز عليها هولاند إلغاء الإعفاءات الضريبية التي سبق أن منحها ساركوزي للأثرياء، وزيادة الاستثمارات التي ترعاها الدولة، جزئياً عن طريق توفير عشرات الآلاف من الوظائف بالقطاع المدني.

ثم نوهت الصحيفة إلى أن حديث هولاند في هذا الصدد قد تسبب في إثارة حفيظة بعض المستثمرين، نتيجة لتقليله من شأن مدى الكلفة التي قد تنجم عن برامج الإنفاق التي يخطط لها خلال الفترة المقبلة، علماً بأن أكثر من 55 % من ناتج فرنسا المحلي الإجمالي يتكون من إنفاق عام، وتلك هي النسبة الأعلى في منطقة اليورو.

ومضت النيويورك تايمز تنقل عن ايفاريست لوفيوفر، كبير الشؤون الاقتصادية الأميركية في نيويورك لدى البنك الفرنسي ناتيكسيس، قوله :quot; هذا يظهر أن الطريقة الوحيدة لتغيير الأشياء هي خفض الإنفاق العام، لكن فرانسوا هولاند مازال عازماً على زيادته لتمويل التدابير التي يعتزم القيام بها وإحداث توازن في الميزانية من خلال زيادة الضرائب. وهو الإجراء الذي سوف يخيف الأسواق نوعاً ماquot;.

وأعقبت الصحيفة بقولها إن من بين الأمور الأخرى التي تثير المخاوف هو أن هولاند قد لا يتمكن من وقف تآكل التنافسية في قطاع الشركات، الذي تهيمن عليه كثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي لا تُصَدِّر كثيراً، وحيث تنخفض الربحية عموماً.

ولفتت الصحيفة إلى أن فرنسا تواجه كذلك انخفاضاً في الصادرات، واتساعاً في نطاق العجز الحاصل في الحساب الجاري، الذي يعتبر من بين الأعلى في منطقة اليورو. وعاود لوفيوفر ليقول :quot; مع ارتفاع العجز العام وتقلص قطاع الصناعات التحويلية بصورة حادة في ظل العولمة الحاصلة، قد تعتبر فرنسا جزءً من الجنوب بالفعلquot;.

هذا ويعتقد قليلون أن هولاند سيحاول الانفصال عن ميركل، حتى وهي مجبرة على التخفيف من حدة موقفها الصارم بشأن التقشف. وقد أثبت هولاند بالفعل أنه يختلف عن سابقيه من الرؤساء الاشتراكيين، بارتكازه جزئياً في حملته على التعهد بإحداث توازن في الميزانية بحلول نهاية ولايته الرئاسية في عام 2017. وختمت الصحيفة في النهاية بنقلها عن محللين قولهم إن هولاند بحاجة لمنح النقابات مزيد من الحوافز لكي تعمل مع الإدارة، لمنع وقوع مواجهات قد تقود الشركات إلى التفكير في نقل الأعمال صوب واجهات أخرى تتميز بطبيعتها التنافسية من حيث التكلفة.