مع بدء العد التنازلي لتسليم المجلس العسكري السلطة لأول رئيس مدني ينتخبه الشعب بعد الثورة، يواجه الرئيس المصري الجديد مجموعة من الألغام الأقتصادية التي زرعها المجلس أثناء إدارته المرحلة الإنتقالية نتيجة ارتكاب العديد من الأخطاء الإقتصادية والسياسية.


مصير السياحة في مصر مرتبط بهوية الرئيس المقبل

القاهرة: يرى خبراء اقتصاديون أنّ عوائق اقتصادية عدة بانتظار الرئيس المصري الجديد، يتمثل أخطرها في اعتماد مصر على الاقتراض خارجيًا وداخليًا وزيادة الديون وارتفاع معدلات التضخم وزيادة معدلات البطالة وانخفاض معدلات الإنتاج وانهيار السياحة.

القروض والديون

ووفقًا لعادل عامر رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية، فإن القروض والديون هي الكارثة الاقتصادية الأولى للمجلس العسكري خلال الفترة الانتقالية، مشيرًا إلى أنه كان هناك اتجاه واضح للاقتراض من الداخل أو الخارج.

وأوضح عامر لـquot;إيلافquot; أنه أعدّ دراسة في هذا الخصوص تضمنت العديد من الحقائق، منها رفض المجلس العسكري الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي في آب (أغسطس) الماضي، ثم عاد ووافق عقب تولي حكومة الجنزوري رئاسة الوزراء، على الدخول في مفاوضات مع الصندوق للحصول على 3.2 مليارات دولار كقرض بفائدة. كما توسعت وزارة المالية خلال العام الماضي في إصدار أذون خزانة (سندات قصيرة الأجل) ما زاد من الديون الداخلية لتقترب 100% من الناتج القومي الإجمالي.

يشير عامر إلى أن الديون الخارجية وصلت إلى 36 مليار جنيه، بينما تجاوز الدين الداخلي التريليون جنيه للمرة الأولى في تاريخ مصر، حيث بلغ 1.13 تريليون جنيه، مع وجود مؤشرات إلى أن الديون المصرية تزيد بمعدل 13% سنويًا.

ولفت إلى أنّ الاستدانة الخارجية، رغم انخفاض نسبة الفائدة عليها، تمثل خطرًا يتعلق بفرض برامج اقتصادية بعينها على مصر، ناهيك عن أن الفشل في تسديد الفوائد أو القرض يعرّض مصر لتخفيض تصنيفها الائتماني، وبالتالي إلى مزيد من الضغوط على العملة المحلية والاستثمارات الوافدة، وقد يدفع البلاد إلى خطر الإفلاس التام، ويدفع إلى تخفيض الإنفاق العام بشكل تقشفي صارم.

أما خطر القروض الداخلية - والكلام لعامر- فيتمثل في الفوائد المرتفعة للغاية (تصل إلى 17% في بعض الحالات)، إضافة إلى أنها تسحب السيولة من البنوك التي من المفترض أن تتوجه إلى مشروعات استثمارية أو تنموية.

التضخم وطبع العملة

ونوه عامر بأن أخطاء المجلس العسكري الإقتصادية لم تقف عند حد الاقتراض من الداخل والخارج، بل وصل الأمر إلى التضخم وطبع متزايد للعملة، وهو ظهر بصورة واضحة في أعقاب الثورة، حيث قام البنك المركزي بطبع أوراق نقدية بشكل غير مسبوق، ما رفع من درجة التضخم في مصر، وخفض من قيمة الجنيه ومدخرات المصريين.

لافتًا إلى أن زيادة أوراق النقد، مع عدم وجود تغطية تماثلها من السلع والخدمات والنمو الاقتصادي في المجتمع، يرفع من المستوى العام للأسعار بشكل كبير، ويخفض من قيمة العملة.

ودلّ عامر على ذلك بالدراسة التي أجراها للخبير المصرفي أحمد آدم، ''فإن المركزي كان يطبع خلال عامي 2003 - 2004، نحو 59.7 مليار جنيه، ليقوم بزيادة طباعة الأوراق النقدية بعد ثورة 25 يناير، ففي شهر فبراير فقط تم طبع 22 مليار جنيه ويستمر النقد المطبوع في الزيادة وبشكل كثيف حتى بلغ بنهاية كانون الأول/ديسمبر الماضي 190.1 مليار جنيه، بينما بلغ في كانون الثاني/يناير 2011 نحو 156.2 مليار جنيه (26 مليار دولار)، أي إن طباعة البنك المركزي أوراق نقد ومن دون غطاء قد زادت معها النقدية المصدرة والمتداولة خلال عام 2011 (عام الثورة) وبمقدار 34 مليار جنيهquot;.

وأكد عامر أن ذلك أدى إلى زيادة كبيرة في أسعار السلع شكلت ضغطًا على كل المواطنين بصفة عامة وعلى المواطن البسيط بصفة خاصة، فزيادة طباعة النقود أدت إلى ضياع الاستفادة من الفوائض المالية التي كانت موجودة في البنوك المصرية وحتى نهاية عام 2008 في تمويل عجز الموازنة، وبالتالي فأي طلب على تمويل يقابل بطبع نقدي من قبل البنك المركزي.

البطالة وانخفاض الانتاج

وحسب وجهة نظر، سمير عبد الحميد أستاذ الإقتصاد جامعة الأزهر فإن الرئيس المصري المقبل سيواجه مجموعة من القنابل الإقتصادية القابلة للإنفجار في أية لحظة.

وأوضح عبد الحميد لـquot;إيلافquot; أن أخطرها تلك التي تتمثل في زيادة معدلات البطالة بشكل غير مسبوق، ووصلت إلى 11.9% خلال الربع الأول من 2011، وفقا لمعايير منظمة العمل الدولية مقابل 8.9% خلال الربع الرابع من العام 2010، وارتفع هذا الرقم إلى 12.4% خلال الربع الأخير من 2011، وقد يكون قد وصل إلى نحو 12.6 % خلال الربع الأول من العام 2012.

وأوضح عبد الحميد أن هذه الأرقام هي الأرقام الصادرة من الجهاز المركزي للمحاسبات، علمًا أن الارقام الحقيقية قد تكون أعلى من ذلك.

وأشار عبد الحميد إلى أن هناك لغمًا خطرًا في طريق رئيس الجمهورية الجديد، يتمثل في إغلاق آلاف المصانع والورش الصغيرة وانخفاض الصادرات للخارج، وهو يشكل تحديًا خطرًا له، لاسيما في ظل عدم الاستقرار وانتشار ثقافة التظاهرات والإضرابات في مصر بعد الثورة بدون ضابط ولا رابط.

أرجع عبد الحميد ذلك إلى القبضة الرخوة التي يدير بها المجلس العسكري المرحلة الإنتقالية، إضافة إلى تخبطه وارتباكه في إدارة الملف الإقتصادي والإعتماد على القروض وطبع الأوراق النقدية من دون أن يكون هناك ما يقابلها من الإنتاج والعملة الصعبة.

انهيار السياحة

ويشير حمدي الوكيل أستاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة إلى أن السياحة تعتبر واحدة من أهم ثلاثة مصادر للدخل القومي المصري وتعاني حالة ركود شديدة. ولفت الوكيل إلى أن أزمة السياحة في مصر ترتبط بأزمات أخرى سياسية وأمنية.

وأوضح أن الركود السياحي في مصر يرتبط سياسيًا بصعود التيارات الإسلامية وسيطرتها على الغالبية في البرلمان، حيث عملت تلك التيارات على تقييد النشاط السياحي وفرض ما يسمّى quot;بالسياحة الحلالquot; أو السياحة الإسلامية ومحاولة تهميش أو إلغاء سياحة الشواطئ وسياحة الآثار وسياحة المنتجعات، إضافة إلى تحريم المشروبات الكحولية.

ولفت الوكيل إلى أن الركود السياحي المصري يرتبط أيضًا بحالة الإنفلات الأمني الذي تعانيه مصر وما تبعها من انتشار جريمة خطف السائحين. وقال إنه يجب على الرئيس المقبل مواجهة التيارات الإسلامية بحزم، ووضع حد للإنفلات الأمني في البلاد، من أجل إعادة إنعاش السياحة في مصر من جديد.