يرتفع الدين العام الأردني عامًا بعد عام، ولا أفق لوقفه، خصوصًا أن شهية الدولة مفتوحة على الاقتراض الداخلي والخارجي، وأن الإصلاحات لم تؤت ثمارها بعد في وقف استنزاف الناتج المحلي.


أيمن الزامل من عمّان: عانى الأردن شحًا في الموارد الاقتصادية خلال العقد الماضي، ما أدى إلى ارتفاع متتال في الدين العام، وفي عجز الموازنة، وبالتالي شكل تهديدًا للاقتصاد المحلي، وعبئًا ماليًا على جيوب مواطنيه، نتيجة ارتفاع معدلات التضخم وزيادة أسعار السلع، إضافة إلى انعدام الأفق في إيجاد سياسيات اقتصادية واضحة تعمل على وقف الاستنزاف في الناتج المحلي، ليس عن طريق الاقتراض من البنوك المحلية أو البنك الدولي.

ارتفاع الدين
يتحمّل الفرد الأردني، بغضّ النظر عن عمره، نحو 2600 دينار من مجموع الدين الأردني العام، وهو مؤشر يقيس نسبة الدين العام ونصيب الفرد من الدين بالنظر إلى العدد الكلي للسكان، والبالغ 6.7 مليون نسمة، وذلك وفقًا لنشرة الدين العام الصادرة من وزارة المالية.

تشير بيانات وزارة المالية إلى النمو الكبير في حصة الفرد من الدين، إذ كان 1312 دينارًا في العام 2006، وارتفع إلى 1433 دينارًا في العام 2008، إلى 2145 دينارًا في العام 2011، ما عكس ارتفاع حجم الاقتراض الحكومي الداخلي والخارجي لتمويل عجز الموازنة.

وحول رصيد الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي للعام الماضي، أظهرت البيانات ارتفاعًا عن مستواه للعام 2011، بنسبة 9.1 بالمئة، وهو يعود إلى ارتفاع صافي الدين العام الداخلي بنسبة 30.7 بالمئة، ليصل إلى 11.6 مليار دينار بنهاية العام 2012.وبذلك، ارتفعت نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي من 43.5 بالمئة بنهاية العام 2011 إلى 52.4 بالمئة بنهاية العام 2012.

إلى أسوأ
لا يبشِّر العام 2013 بالخير، إذ بلغ مجموع الدين العام بنهاية النصف الأول من شهر شباط (فبراير) الحالي نحو 17.1 مليار دينار، أي 71.25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، المقدر لهذا العام بنحو 24 مليار دينار، مقارنة بنحو 16.58 مليار دينار بنهاية كانون الأول (ديسمبر) 2012.

وذكرت نشرة وزارة المالية أن رصيد الدين الخارجي ارتفع بنسبة 9.9 بالمئة، ليصل إلى نحو خمسة مليارات دينار بنهاية العام 2012، أي بنسبة ارتفاع بلغت 22.2 بالمئة بنهاية العام 2012، وكانت 21.9 بالمئة بنهاية العام 2011.

بموجب تلك التطورات، أصبح رصيد الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في نهاية العام الماضي 74.6 بالمئة. يذكر أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي تختلف بموجب التقديرات لحجم الناتج في كل عام، حيث كان الناتج للعام 2012 ما مقداره 21 مليار دينار، وتم بناء التقديرات للعام الحالي على 24 مليار دينار.

المزيد من الإصلاحات
قدر تقرير نشره صندوق النقد الدولي حول دول عربية عدة، بينها الأردن، عرض أمام أعضاء مبادرة دوفيل العالمية في وقت سابق، أن يصل إجمالي الدين العام الأردني إلى 83 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2013.

ويرى التقرير أن مبادرة الحكومة لتفيذ إصلاحات هيكلية لتطوير القطاع الخاص لم تخفض نسبة البطالة، إذ بلغ متوسطها نحو 13 بالمئة بين العامين 2000 و2011، وتقدر بنحو 31 بالمئة بين الشباب والمتخرجين الجامعيين.

بحسب الصندوق، فإن عوامل عدة اجتمعت ضد مسيرة الاقتصاد الأردني أخيرًا، منها ارتفاع اسعار النفط العالمية والانقطاع في توريد الغاز المصري، وعجز واسع في الميزان التجاري، وارتفاع الخسائر التشغيلية في شركة الكهرباء الوطنية، إضافة إلى تحمّل الأردن أعباء استضافة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين.

ويرى الصندوق ضرورة في استمرار الأردن في الإصلاح الاقتصادي على المدى المتوسط، خصوصًا في سياساته الحكومية.
ويشير التقرير إلى أن الجانب السلبي للمخاطر الاقتصادية، التي ستعتري الاقتصاد الاردني خلال الفترة المقبلة، تشهد مواصلة ارتفاع أسعار النفط بأعلى من المتوقع، وارتفاع تكلفة إنتاج الكهرباء، ودعم المحروقات في الموازنة العامة.

شهية الاقتراض
قال المحلل والخبير الاقتصاد خالد الزبيدي لـquot;إيلافquot;إن هذه الكلف الإضافية المبررة وغير المبررة ساهمت في خفض تنافسية الاقتصاد الأردني، quot;وأفضت إلى انطلاق مارد الاقتراض المحلي والأجنبي، الذي ارتفع إلى مستويات شاهقة، متجاوزًا حاجز 25 مليار دولار، ومن المتوقع أن يجتاز حاجز 28 مليارًا بنهاية العام المالي الراهن، إن لم نحسن الحساب والتحسب لما هو أسوأ، في ظل متوالية هندسية للاقتراض، تدعمها شهية حكومية من دون ربط ذلك بالقيمة المضافة لهذه الديونquot;.

واعتبر الزبيدي أن معدل الإعالة للفرد الأردني مرتفع. إذ قال: quot;هذا يضعف قدرة المواطنين على بلوغ الرفاه، نتيجة نقص فرص العمل أمام المواطنين وتدني الرواتب والأجور والضمانات الاجتماعية والصحية في المجتمع، وهذه ترحل بصعوبة إلى المالية العامة وجهات رسمية أخرى، وفي نهاية المطاف تضعف الإنتاجية وتعطل بناء نموذج إنتاجي سلعي وخدمي متطور، قادر على النهوض بالبلادquot;.

يضيف: quot;تحتاج معالجة هذه المعضلة سنوات عدة، حافلة بالخطط والبرامج، تنفذها الحكومات، ويشترك فيها القطاع الخاصquot;.

إيجاد البدائل
دعا الزبيدي إلى إيجاد أسواق بديلة كموارد للطاقة، خصوصًا أنها التحدي الأكبر أمام الحكومة الأردنية. وأضاف: quot;أما فاتورة الطاقة، وهي من أكبر التحديات، فإنها تحتاج تحرير كامل القطاع، وفتح المجال واسعًا أمام تنويع مصادر الطاقة، إذ يستحيل الإفلات من هذا الملف، ونحن نتعامل مع مصدر واحد للطاقة بالاستيراد من الأسواق الدوليةquot;.

وأوضح أن: quot;الالتزام بالاتفاقيات التجارية الثنائية والمتعددة ليست قدرًا محتومًا علينا، إذ يمكن إيجاد الحلول واتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية الاقتصاد الوطني من الانهيارquot;. وحذر الزبيدي من الاستمرار على النهج نفسه والسياسيات الاقتصادية الحكومية نفسها.

أضاف: quot;نخشى إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه أن نطلب الانضمام إلى عضوية منطقة اليورو، التي تجاوز دينها المالي حاجز 100 بالمئة، في ظل ظروف اقتصادية اجتماعية متأزمة، وهذا ما نخشاه ونحذر منهquot;.