وكأن ما تعانيه ليس كافياً، الأحياء الفقيرة في مصر تحوّلت إلى مسرح للجريمة فيما تغرق في ظلام دامس بسبب إنقطاع التيار الكهربائي، الفقر صار السمة الأساسية للناس الذين يتوقعون المزيد من التعاسة عندما تبدأ التخفيضات المتوقعة في الإعانات للحصول على الوقود والخبز.
إعداد لميس فرحات: لطالما كانت الحياة قاسية في بولاق الدكرور، حيث يكتظ العمال والخياطين والميكانيكيين بين سكك القطار والأهرامات. لكن الوجوه التي كانت تصادف المارة سابقاً تحولت إلى تكشيرة حاقدة في ظل تفشي الجريمة، ونقص الوقود وإنقطاع الكهرباء، والسوق السوداء والأعباء الخاصة التي زادت من ترنح الباعة المترنحين بعرباتهم والشبان الفقراء الذين لا يجدون وظيفة تقيهم العوز.
التناحر وصل إلى أقصى درجاته في مصر التي نادراً ما تشهد يوماً هادئاً في الآونة الأخيرة. وفي الأيام الماضية، تعرض ثلاثة لصوص للضرب حتى الموت في دلتا النيل، ثم شنقوا على يد جماعة غوغائية قررت أخذ العدالة بيدها، فيما تراجعت الشرطة أمام الرجال المقنعين الذين حملوا السيوف داعين إلى ثورة جديدة ضد محمد مرسي، الرئيس المنتخب الذي تحول إلى استبدادي يسبب ازدراء الأمة.
وأشارت صحيفة quot;لوس انجلوس تايمزquot; إلى أن مرسي يواجه تحد خطير لإنقاذ اقتصاد البلاد المنهار قبل أن تفلس مصر وتهوي إلى أعمال شغب على نطاق واسع. عملة البلاد الوطنية تنهار يوماً بعد يوم، فيما تستنزف الاحتياطيات الأجنبية وسط التضخم الذي أرغم العديد من الأسر أن تنفق نصف دخلها على الطعام فقط.
خوفاً من إنتفاضات جديدة، تسعى الحكومة لتجنب إجراءات التقشف القاسية التي تؤهلها للحصول على قروض دولية بمليارات الدولارات.
ومن المتوقع أن تخفض الحكومة الدعم على الوقود وغيره من السلع هذا العام، بما في ذلك الخبز أو quot;العيشquot; الذي لطالما كان الرابط الأقوى بين الحكومة والشعب. في السابق، أثار الرئيس السابق أنور السادات أعمال شغب مميتة في السبعينات عندما تطرق لتخفيض الدعم على الخبز، ثم تراجع عن قراره بسرعة. في عام 2008، دعا خلفه - المخلوع اليوم - حسني مبارك الجيش لخبز الأرغفة من أجل تخفيف النقص الناجم عن الفساد وارتفاع أسعار القمح.
quot;إذا ارتفع سعر الخبز اكثر، الناس سوف يذبحون بعضهم البعض بوتيرة أكبر مما يحدث بالفعل اليومquot; قال محمد بائع الخضار، مشيراً إلى أن خطوط الخبز تمتد في الصباح الباكر من المدخل إلى سكك القطار، وبعض الناس يصطفون من الساعة الخامسة صباحاً حتى يتمكنوا من إطعام أطفالهم.
مصر هي أكبر مستورد في العالم للقمح، لكن الطحين يكلف الخبازين المتعاقدين مع الحكومة أقل من 2 دولار للكيس الذي يحتوي على 100 باوند. رفع هذه التكلفة سيساعد الحكومة على خفض ديونها وسداد الموردين الدوليين، لكنه سيؤدي أيضاً إلى رفع سعر الرغيف على ملايين من الأسر الفقيرة، إضافة إلى تحفيز تسريح عمال المخابز وازدهار السوق السوداء حيث يباع كيس الطحين اليوم بنحو 20 دولار.
quot;مصر كانت دولة عسكرية قبل الثورة، لكن على الأقل كانت صناعة الخبز بخيرquot;، قال مصطفى محمود، صاحب فرن مستقل، مضيفاً أنه لا يوجد إشراف ولا قانون ينظم هذه الصناعة اليوم quot;فالحكومة فاشلة والرئيس فاشلquot;.
الفساد والفقر سيطرا منذ فترة طويلة على صناعة الخبز. أكثر من 40٪ من المصريين يعيشون على 2 دولار يومياً، ويدفع نحو بنس واحد لرغيف الخبز. لكن الكثير من الخبازين يعملون على إنتاج عدد أقل من الأرغفة، ويزعمون أن الحكومة مدينة لهم بنحو 60 مليون دولار، كدعم غير مدفوع. كما يقولون إن النقص في وقود الديزل يضر بأعمالهم ايضاً.
بدوره، يقول أحمد غريب، التاجر الضليع في تعقيدات التجارة إن quot;الخبازين المتعاقدين مع الحكومة لا يقوموا باستخدام كل ما لديهم من القمح، بل يلجأون إلى بيعه في السوق السوداء. وأنهم لا يهتمون بالفقراء ويسعون فقط للربحquot;.
ويشير غريب إلى أن نوعية الخبز أصبحت أسوأ من السابق quot;فالخبز هزيل، غير مخبوز جيداً ويفتقد للدقيق والخميرةquot;.
وأضاف: quot;الاحتجاجات ضد الحكومة هي التي تسبب المشاكل. عندما يرى الناس الاحتجاجات على شاشة التلفزيون، لن يرغبوا بزيارة مصر وهذا يضر بالسياحة. والخزينة تحتاج للعملة الاجنبية. حيث أن في هذه الأيام لم يعد بإمكاننا معرفة الفرق بين الثوار أو السفاحين أو اللصوص. ولقد أصبحوا جميعاً واحداًquot;.
التعليقات