بيروت: كلف الرئيس اللبناني ميشال عون الخميس زعيم تيار المستقبل سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة في مهمة صعبة وسط انقسامات سياسية حادة وامتعاض الشارع الناقم على الطبقة الحاكمة.

وفي حال نجح الحريري الذي استقالت حكومته قبل نحو عام على وقع احتجاجات شعبية، في تأليف الحكومة المقبلة، ستكون المرة الرابعة التي يرأس فيها مجلس الوزراء منذ 2009.

وتأتي تسمية الحريري في وقت يشهد لبنان انهياراً اقتصادياً وينتظر المجتمع الدولي، وخصوصاً فرنسا، من المسؤولين القيام بإصلاحات ضرورية فشلوا في تحقيقها حتى الآن، كشرط لتقديم دعم مالي ضروري للبلاد.

وأعلنت الرئاسة اللبنانية في بيان أن عون، وبعد استشارات نيابية ملزمة، استدعى "الحريري لتكليفه تشكيل الحكومة".

وأعلن الحريري بعد لقائه عون في القصر الجمهوري في بعبدا قرب بيروت، وفي كلمة مقتضبة أمام الصحافيين، أنه سيشكل حكومة مؤلفة من "اختصاصيين من غير الحزبيين مهمتها تطبيق الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية الواردة في ورقة المبادرة الفرنسية التي التزمت الكتل الرئيسية في البرلمان بدعم الحكومة في تطبيقها".

وقال "سأنكب على تشكيل حكومة بسرعة لأن الوقت داهم والفرصة أمام بلدنا هي الوحيدة والأخيرة".

وكان الحريري أعلن الشهر الحالي ترشحه ضمن ثوابت المبادرة الفرنسية التي أطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون لانتشال لبنان من أزمته.

وحاز الحريري 65 صوتاً فيما امتنع 53 نائباً عن التسمية. ويتألف مجلس النواب من 128 عضواً، لكنّ هناك ثمانية نواب مستقيلين لم يشاركوا في الاستشارات.

ويبدأ الحريري الجمعة استشارات التأليف بلقاء الكتل النيابية في مقر البرلمان. وهي استشارات تسبق عادة المفاوضات الصعبة غير الرسمية بين الأحزاب السياسية.

ولم يسمّ التيار الوطني الحر الذي يتزعمه عون، الحريري، نتيجة خلافات سياسية حادة بين الحريري ورئيس التيار جبران باسيل، صهر عون.

كما لم يسمّه حزب الله، لكن تحليلات أجمعت على موافقة ضمنية للحزب على عودة الحريري الذي حظي بدعم غالبية نواب الطائفة السنية التي ينتمي إليها، وكتلة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وكتلة حركة أمل، حليفة حزب الله التي يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري.

واعتبر المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش في تغريدات على "تويتر"، أن "القوى السياسية التقليدية أخذت مرة أخرى على عاتقها التحرك قدما بغض النظر عن إخفاقاتها العديدة في الماضي والشكوك العميقة بشأن المستقبل". وتابع "الأمر الآن يعود لهذه القوى لمساعدة.. الحريري على تشكيل حكومة.. فعالة لبدء تنفيذ الإصلاحات المعروفة".

وقال "لا تنتظروا المعجزات من الخارج (..) الإنقاذ يجب أن يبدأ في لبنان".

وبدوره، شدد مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر في حديث مع صحافيين "على ضرورة أن تنفذ أي حكومة جديدة إصلاحات، وتتبنى الشفافية وتحارب الفساد"، مؤكداً أن بلاده ستواصل فرض عقوبات على "حزب الله وحلفائه اللبنانيين" والمتورطين في "الفساد" و"بغض النظر عن تشكيل الحكومة".

وشدد الاتحاد الأوروبي أيضاً، في بيان لمتحدث باسمه، على ضرورة تنفيذ الإصلاحيات السياسية والاقتصادية "الملحة" و"الإسراع" بتشكيل الحكومة، من دون أن يعلق على تسمية الحريري.

ولم يسجل رد فعل فوري واسع في الشارع. ويكرّر المتظاهرون إجمالا مطالبتهم برحيل الطبقة السياسية كاملة.

وفور تكليفه، أطلق مؤيدون للحريري الرصاص ابتهاجاً في مدينة طرابلس في الشمال. وأسفر الرصاص الطائش عن إصابة ثلاثة أشخاص بجروح، بينهم رجل مسن، وفق ما أفاد مصدر طبي في المدينة وكالة فرانس برس.

واستقالت حكومة الحريري الأخيرة في 29 أكتوبر 2019 بعد نحو أسبوعين على احتجاجات شعبية غير مسبوقة ضد الطبقة السياسية التي تحكم البلاد منذ عقود، والتي تُحمّل مسؤولية التدهور الاقتصادي والمعيشي بسبب تفشي الفساد والإهمال واستغلال النفوذ.

وشكّل حسان دياب مطلع العام حكومة اختصاصيين تسلّمت السلطة لمدة سبعة أشهر، لكنها لم تنجح في إطلاق أي إصلاح بسبب تحكم القوى السياسية بها، قبل أن تستقيل إثر انفجار المرفأ المروع الذي وقع في الرابع من أغسطس.

وزار الرئيس الفرنسي بيروت للمساعدة في حل الأزمة. ثم عاد مرة ثانية مطلع سبتمبر، وأعلن عن مبادرة قال إن كل القوى السياسية وافقت عليها، ونصت على تشكيل حكومة خلال أسبوعين تتولى الإصلاح بموجب برنامج محدد، مقابل حصولها على مساعدة مالية من المجتمع الدولي.

لكن القوى السياسية فشلت في ترجمة تعهداتها. ولم يتمكن السفير مصطفى أديب من تشكيل حكومة.

في 27 سبتمبر، أعطى ماكرون مهلة جديدة للقوى السياسية من "أربعة إلى ستة أسابيع" لتشكيل حكومة، واتهمها بـ"خيانة جماعية".

وحذّر وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان الأربعاء من أنه "إذا لم يقم لبنان بالإصلاحات المطلوبة، فإنّ البلد نفسه معرّض للانهيار". وانتقد عودة "النزعات القديمة، والمحاصصة حسب الانتماءات، حسب الطوائف".

وتوجه الحريري اليوم في كلمته إلى "اللبنانيين الذين يعانون الصعوبات إلى حد اليأس"، قائلاً "إنني عازم على الالتزام بوعد مقطوع لهم بالعمل على وقف الانهيار الذي يتهدد اقتصادنا ومجتمعنا وأمننا وعلى إعادة إعمار ما دمره انفجار المرفأ الرهيب في بيروت".

ولا تعني تسمية الحريري أن مهمته ستكون سهلة.

ويشهد لبنان منذ عام أزمات متتالية من انهيار اقتصادي متسارع فاقم معدلات الفقر، إلى قيود مصرفية مشدّدة، وتفشّي وباء كوفيد-19، وأخيراً انفجار المرفأ الذي أوقع أكثر من مئتي قتيل و6500 جريح.