منذ أسابيع قليلة، وقبل إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية التي أُجريت في تشرين الثاني (نوفمبر)، شهدت أسواق الأسهم والأصول المالية الأخرى ارتفاعًا حادًا فور ترجيح كفة الفوز لصالح "دونالد ترامب" وسيطرة الحزب الجمهوري على الكونغرس.
ففي تعاملات يوم الأربعاء 6 تشرين الثاني (نوفمبر)، ارتفع مؤشر داو جونز الصناعي بأكثر من 1500 نقطة أو 3.6% وارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 الأوسع نطاقًا بنسبة 2.5% وحقق مؤشر ناسداك المركب الذي يعتمد على التكنولوجيا مكاسب بنحو 3%، تعود تلك المكاسب إلى توقعات العديد من المستثمرين أن يؤدي فوز ترامب إلى نمو اقتصادي أسرع وسياسات أكثر ملاءمة للسوق.
ويقول المحللون: "يُنظر إلى ترامب على أنه سيدعم معدلات ضريبة منخفضة للشركات وسيلغي القيود التنظيمية والسياسات الصناعية التي تفضل النمو المحلي، وكل ذلك من شأنه أن يوفر المزيد من التحفيز للاقتصاد الأمريكي ويفيد الأصول الخطرة".
كما قفز سعر البيتكوين بنحو 8% ليصل إلى مستوى قياسي عند 75345 دولار قبل أن يتراجع قليلاً، وذلك بفضل تعهد ترامب بدعم العملات المشفرة خلال حملته الانتخابية، الأمر الذي أدي إلى ارتفاع أسهم بورصة العملات المشفرة Coinbase بنسبة 18% وارتفاع جميع العملات المشفرة تقريبًا بما في ذلك dogecoin التي قفزت بنسبة 17%.
ارتفعت تداول الأسهم الخاص بالبنوك أيضًا التي يمكن أن تستفيد من اللوائح الأقل تقييدًا، وحقق سهم بنك جي بي مورجان أكبر بنك في العالم من حيث الأصول ارتفاع بنحو 7%، قفزت أسهم شركة تسلا بقيادة مؤيد ترامب "إيلون ماسك" بنحو 13%.
ومن المرجح أن يلغي ترامب بعض جهود إدارة بايدن لمكافحة تغير المناخ، مما أدي إلى تراجع أسهم شركات الطاقة المتجددة مثل First Solar و Enphase بأرقام مزدوجة في تداولات ما قبل السوق، وكانت شركة فيرست سولار من المستفيدين الكبار من قانون خفض التضخم الذي أقرته إدارة بايدن.
يتوقع كبير خبراء الاقتصاد الأميركي في أكسفورد إيكونوميكس "ريان سويت" أن يمدد الكونجرس بقيادة الجمهوريين التخفيضات الضريبية الشخصية التي أقرت في عام 2017 خلال إدارة ترامب الأولى، مع دفع الإنفاق الفيدرالي أيضًا، ومن المرجح أيضًا أن يستخدم الرئيس المنتخب ترامب صلاحياته الرئاسية للحد من الهجرة وفرض تعريفات جمركية مستهدفة على الصين والمكسيك وكندا والاتحاد الأوروبي، كما قال سويت للمستثمرين في تقرير.
تعهد ترامب برفع التعريفات الجمركية بشكل حاد على الواردات من الصين ودول أخرى، مما أدى إلى قتامة آفاق المصدرين الصينيين في وقت اعتمدت فيه بكين بشكل كبير على تكثيف التصنيع لمحاولة إحياء اقتصادها المتباطئ.
وأضاف سويت أنه لا شك أننا نشهد إجماعًا واضحًا بين المستثمرين على أن الرئيس ترامب سيبشر بارتفاع أسعار الفائدة الفيدرالية ونمو عالمي أضعف وعدم يقين جيوسياسي أكبر، وكل هذا إيجابي للدولار.
كان سوق الأسهم الأمريكية الواسع يميل تاريخيًا إلى الارتفاع في الانتخابات الرئاسية بغض النظر عن الحزب الذي يفوز بالبيت الأبيض، حتى لو كانت سياسات كل حزب قادرة على مساعدة وإلحاق الضرر بأرباح الصناعات المختلفة.
ارتفع مؤشر S&P 500 بنحو 70% منذ أن جلبت انتخابات عام 2020 الرئيس "جو بايدن" إلى منصبه، وقد ارتفع إلى مستويات قياسية حيث تعافى الاقتصاد الأمريكي من جائحة كوفيد 19 وتمكن من تجنب الركود على الرغم من ارتفاع التضخم.
كان الاقتصاد قضية رئيسية بالنسبة للناخبين الأميركيين الذين سئموا من التضخم والذين اختاروا ترامب هذه المرة، على الرغم من أن خبراء الاقتصاد السائدين قالوا إن مقترحات ترامب السياسية من شأنها أن تجعل التضخم أسوأ.
وول ستريت كانت في حالة من الصعود لمدة عامين، فهل تستمر لعام آخر؟
احتفل مستثمرو وول ستريت الشهر الماضي بالذكرى السنوية الثانية لفترة من المكاسب الضخمة المعروفة باسم سوق الثيران أو السوق الصاعد، فمنذ 12 أكتوبر 2022 ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 22% في العام الأول وأضاف 33.7% أخرى في العام الثاني، وسجل المؤشر الآن نحو 44 مستوي قياسي جديد على الإطلاق خلال تلك الفترة، مما رفع ليس فقط أرباح الشركات ولكن أيضًا حسابات التقاعد والاستثمارات الأمريكية اليومية.
ولكن هل يمكن أن يستمر السوق الصاعد في عهد ترامب؟
سوق الثيران أو السوق الصاعد هي فترة ترتفع فيها أسعار الأسهم بنسبة 20% على الأقل بعد الانخفاض، مما يعكس ثقة المستثمرين وتوقعات النمو الاقتصادي المستمر.
إن ما يجعل هذا السوق الصاعد غير عادي هو مقدار حالة عدم اليقين والقلق الاقتصادي الذي اضطر المستثمرون إلى التعامل معه أثناء مسيرته، حيث واصلت الأسهم مسارها الصعودي على الرغم من رفع أسعار الفائدة من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي في البداية والتضخم العنيد والحرب في أوروبا والشرق الأوسط.
اليوم، تبدو الأمور أكثر إشراقا، فأسعار الفائدة والتضخم في انخفاض، وفي حين تظل التهديدات الجيوسياسية قائمة إلا أنها لا تزال إقليمية في الغالب، غالبًا ما تكون سنوات الانتخابات جيدة أيضًا للأسواق الأمريكية، كما أن فوز ترامب بالرئاسة أضاف مزيدًا من الثقة والايجابية للأسواق.
التاريخ أيضًا في صف وول ستريت، تاريخيًا، تتعافى أسواق الثيران بنحو 194% من الانحدار السابق، ومنذ عام 1950 بلغ متوسط أسواق الثيران 61 شهر أي حوالي 5 سنوات، باستثناء سوق الثيران الحالية، وهذا يعني أنه قد يكون هناك مجال لهذا السوق للاستمرار وهناك علامات على أن ذلك قد يحدث.
وقال أحد خبراء السوق البارزين إن اخبار أرباح الشركات من المتوقع أن ترتفع على مدار العام المقبل، ولا يزال إنفاق المستهلكين في ارتفاع، كما يخفض البنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة وهو ما من شأنه أن يساعد في تخفيف بيانات التوظيف، ومن جهة أخري، إن ثورة الذكاء الاصطناعي جلبت أيضًا تركيزًا جديدًا من العائدات القوية إلى السوق.
وأضاف: "لا يوجد سبب مقنع يجعل هذا السوق الصاعد يستسلم للهبوط خاصة مع الاحتياطي الفيدرالي المتساهل والأساس الاقتصادي القوي وتوقعات الأرباح المستعدة للنمو المستقر، بالنظر إلى ذلك معًا، فإن العام الثاني للصعود يبشر بالخير لعام صعودي آخر".
ولكن قبل أن تشعر وول ستريت بالراحة، يجب أن يكون المتداولون مستعدين لبعض المطبات على الطريق، في حين أن العامين الأولين من سوق صاعدة غالبًا ما يشهدان مكاسب كبيرة، فإن التاريخ يُظهر أن العام الثالث يمكن أن يجلب تحديات، في المتوسط، تسجل أسواق الثيران التي تدخل عامها الثالث عائدًا متواضعًا بنسبة 2% فقط.
والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن كل سوق صاعدة من بين الأسواق الإحدى عشرة الأخيرة التي بلغت الذكرى السنوية الثانية لها شهدت شكلاً من أشكال التصحيح في عامها الثالث، وقد شهدت جميعها انخفاضاً بنسبة 5% على الأقل، حيث عانت خمسة أسواق من انخفاضات تجاوزت 10% ولكنها أقل من 20%، وثلاثة أسواق عادت في النهاية إلى منطقة الهبوط.
وعلى الرغم من المخاطر، تمكنت ثلاثة من تلك الأسواق الصاعدة الإحدى عشرة في عامها الثاني من تحقيق عائدات مزدوجة الرقم في عامها الثالث، مما يثبت أنه حتى لو كانت الرحلة وعرة بعض الشيء فلا تزال هناك فرصة لجني بعض الأرباح.
السوق الصاعدة مقابل السوق الهابطة: ما الفرق؟
سواء كنا في سوق صاعدة أو هابطة، فقد يؤثر ذلك على أداء أسهمك في الأمد القريب، ولكن ماذا عن الأمد البعيد؟
في الغالب، تستمر الأسواق الصاعدة لفترة أطول من الأسواق الهابطة مما يوفر فرص نمو ممتدة، أما الأسواق الهابطة فهي قصيرة الأمد ويمكن أن توفر نقاط دخول استثمارية جيدة، يحدث السوق الصاعد عندما يتوسع الاقتصاد وتكتسب سوق الأسهم قيمة، ويحدث السوق الهابط عندما ينكمش الاقتصاد.
ما هو السوق الصاعد؟
وفقًا للتعريف الرسمي، يبدأ السوق الصاعد عندما ترتفع أسعار الأسهم على نطاق واسع بنسبة 20% على الأقل منذ آخر انخفاض للسوق، يمكن أن تستمر ظروف السوق الصاعدة لعقود من الزمن، وقد راهن العديد من المستثمرين الناجحين بشكل خاطئ للغاية من خلال محاولة التنبؤ بنهاية السوق الصاعدة.
كان سوق الأسهم الأمريكية في وضع صعودي بعد التعافي من الأزمة المالية في عامي 2008 و 2009 حتى تسبب عدم اليقين المرتبط بالجائحة في انهيار السوق في عام 2020، استمرت السوق الهابطة في عام 2020 لمدة 33 يومًا فقط وهي مدة أقل بكثير من متوسط مدة السوق الهابطة التاريخية.
تم إنشاء مؤشر ستاندرد آند بورز 500 كما نعرفه في عام 1923 ولكن في ذلك الوقت لم يكن يشمل سوى 233 شركة، ووصل المؤشر إلى 500 شركة في عام 1957، وقد شهد مؤشر ستاندرد آند بورز 500 نحو 29 سوقًا هابطة منذ أواخر عشرينيات القرن الماضي وانخفضت قيم الأسهم بمعدل حوالي 35% في كل من تلك الفترات.
من الجدير بالذكر أيضًا أنه في نفس الإطار الزمني الذي يبلغ قرابة قرن من الزمان كان هناك 27 سوقًا صاعدة، تتبع هذه الفترات دائمًا سوقًا هابطة، حيث تتمتع الأسهم بتاريخ ثابت من الارتفاع مع مرور الوقت، علاوة على ذلك، زادت قيم الأسهم بأكثر من 100% في المتوسط في كل من أسواق الصعود تلك.
تظهر أسواق الهبوط في المتوسط كل ثلاث سنوات ونصف أو نحو ذلك، ولكن الخبر السار هو أن أسواق الصعود تميل إلى الاستمرار لفترة أطول بكثير من أسواق الهبوط، على سبيل المثال: يبلغ متوسط طول سوق الهبوط التاريخي 289 يومًا مقارنة بمتوسط طول سوق الصعود البالع 965 يومًا.
إذا كنت تستثمر في الأسهم على المدى الطويل، فستواجه كل من أسواق الصعود والهبوط بشكل منتظم إلى حد ما، ومع ذلك، إذا بقيت مستثمرًا خلال هذه القمم والقيعان، فقد أظهر التاريخ أنه يمكنك الاستفادة من ارتفاع كبير على المدى الطويل، لم يتعاف سوق الأسهم من كل سوق هبوط فحسب، بل تجاوز بشكل معتاد عائداته السابقة في فترات الصعود التي تليها.
ما هو سوق الهبوط؟
يبدأ سوق الهبوط عندما تنخفض أسعار الأسهم على نطاق واسع بنسبة 20% وتستمر في الاتجاه نحو الانخفاض، تتميز أسواق الهبوط بفقدان الوظائف وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي وخسارة كبيرة في قيمة سوق الأسهم، نادرًا ما يدوم السوق الهابط طويلاً مثل السوق الصاعد ويمكن أن يخلق فرص شراء للمستثمرين.
حدثت أحدث سوق هبوط في عام 2022 بعد سوق الهبوط القصيرة جدًا في عام 2020، واستمر سوق الهبوط في عام 2022 لمدة تسعة أشهر تقريبًا، من يناير 2022 إلى منتصف أكتوبر 2022 عندما وصل مؤشر ستاندرد آند بورز 500 إلى أدنى نقطة له لهذا العام.
بالنظر إلى كل من المؤشرات الرئيسية في الولايات المتحدة، دخل مؤشر داو جونز الصناعي سوقًا صاعدة في نوفمبر 2022 يليه مؤشر ناسداك المركب في مايو 2023 ومؤشر ستاندرد آند بورز 500 في أكتوبر 2022.
كيف تختلف أسواق الصعود والهبوط؟
إذا كنت تريد معرفة ما إذا كان سوق الصعود أو الهبوط ساري المفعول، انتبه إلى العوامل التالية:
أداء سوق الأسهم
ترتفع أسعار الأسهم في سوق صاعدة وتنخفض في سوق هابطة، تكتسب سوق الأسهم في ظل ظروف صعودية قيمتها باستمرار، حتى مع بعض التصحيحات القصيرة للسوق، بينما تفقد سوق الأسهم في ظل ظروف هبوطية قيمتها أو تظل ثابتة عند أسعار منخفضة.
التغير في الناتج المحلي الإجمالي
يشير ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي إلى سوق صاعدة، في حين يرتبط انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بسوق هابطة، يرتفع الناتج المحلي الإجمالي عندما تزيد إيرادات الشركات وترتفع أجور الموظفين مما يتيح زيادة إنفاق المستهلكين، وينخفض الناتج المحلي الإجمالي عندما تكون مبيعات الشركات بطيئة والأجور راكدة أو متراجعة.
ترتبط الأسواق الهابطة ارتباطًا وثيقًا بالركود الاقتصادي والكساد، يتم الإعلان عن الركود رسميًا عندما ينخفض الناتج المحلي الإجمالي لربعين متتاليين، بينما يحدث الكساد عندما ينخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 10% أو أكثر ويستمر الانحدار لمدة عامين على الأقل.
تغيرات معدل البطالة
يتوافق انخفاض معدل البطالة مع سوق صاعدة، بينما يحدث ارتفاع معدل البطالة أثناء سوق هابطة، أثناء الأسواق الصاعدة تتوسع الشركات وتوظف لكنها قد تضطر إلى خفض أعداد موظفيها أثناء الأسواق الهابطة، يميل ارتفاع معدل البطالة إلى إطالة أمد السوق الهابطة حيث يكسب عدد أقل من الأشخاص أجورًا، مما يؤدي إلى انخفاض الإيرادات للعديد من الشركات.
التعليقات