حوار مع الشاعرة جمانة حداد: (2 من 2)

أجرى الحوار إيلي الحاج في بيروت: يزامن بث الحلقة هذه ، الثانية والأخيرة من اللقاء مع الشاعرة جمانة حداد صدور كتابها الجديد quot;سيجيء الموت وستكون له عيناكquot;،

الحلقة الأولى
أنطولوجيا لمئة وخمسين شاعراً انتحروا في القرن العشرين، توزعه في المكتبات العربية quot;الدار العربية للعلوم- ناشرونquot; وفي المكتبات اللبنانية quot;دار النهار للنشرquot;.
تتناول هذه الحلقة، تركيزاً، الجهد البحثي والكتابي، نظرة الشاعرة إلى الحياة والموت وما خلفه، أبطال التاريخ والحب والوجع، والعربية والترجمة الشعرية:

* يُحار القارىء أمام كل هذا الجهد في الكتاب، جهد إستثنائي للحصول على المراجع والمعلومات الحياتية والشعرية، وحتى الصور، والإطلاع على المضامين، ثم الإنتقاء فالتعريب من لغات متعددة... أنا فكرت أن هذا يجب أن يكون نتاج مؤسسة، فكيف بشخص؟
- تعبتُ كثيراً في هذا العمل. لأعطيك فكرة تكفي الإشارة إلى أن المراجع التي اطلعتُ عليها على مر أربعة أعوام هي نحو 70 كتاباً (مذكورة كلها في قائمة المصادر والمراجع)، بين مجموعات شعرية ودراسات وأنطولوجيات أجنبية تناولت الموضوع. بما أني أسافر كثيراً، كنتُ كلما عود إلى بيروت أحضر معي مزيداً من المراجع، وثمة أصدقاء كثر في بلدان عدة أرسلوا إلي كتباً عن شعراء طلبتها منهم (وقد وجهت إليهم رسالة شكر في آخر الانطولوجيا). هناك أيضا المكتبات الإلكترونية، اذ اشتريت بعض الكتب عبر الـquot;أمازونquot;. أما المعلومات عبر شبكة الإنترنت فشكلت مرجعاً ضئيلاً لي، لأنك إذا بحثت في الإنترنت فستصادف كماً كبيراً من المعلومات المتضاربة، تعطيك الشيء ونقيضه. لذلك لا أعتبرها مرجعاً موثوقاً به تماماً، إلا إذا تأكدتُ من هذه المعلومات في مرجع ورقي.
بين المراجع السبعين ثمة بعض الكتب التي قاربت الموضوع نفسه، لكن غالبيتها خلطت بين الشعراء المنتحرين والشعراء الملعونين، أي اولئك الذين عاشوا حيوات مأسوية. طبعا، ليس غريباً أن يثير موضوع الشعراء المنتحرين اهتمام الباحثين والمترجمين في العالم أجمع، ولكن في وسعي أن أؤكّد، بدون كثير ادّعاء، أن ليس هناك عمل واحد، حتى الآن، يضم هذا العدد النوعي من الأسماء والترجمات والجنسيات المختلفة. في هذا الإطار، كانت بعض المراجع أكثر قيمةً ودعماً من سواها، وأخصّ منها بالذكر quot;أنطولوجيا الشعراء الملعونينquot; لبيار سيغرز (منتحرون وغير منتحرين، لكنها تتناول شعراء اللغة الفرنسية وحدهم)، وquot;الشعراء الملعونون الجددquot; لألان بروتون (عن شعراء اللغة الفرنسية وحدهم أيضاً)، وانطولوجيا خوسيه لويس غاييرو الإسبانية، وهي الأنطولوجيا الوحيدة التي تعالج تيمة الانتحار على حد علمي، لكنها تعاني ثغراً كثيرة، منها أن غاييرو أحصى 53 شاعراً منتحراً فقط (زد على ذلك أنه انطلق في إحصائه من سنة 1770، وأن ثمة تاليا 45 شاعراً فقط من القرن العشرين، موضوع كتابي هذا)، وأنه لم يركّز على حقبةٍ زمنية محددة في القصائد، ما ضعضع الاختيارات وجعل بينها تنافراً مزعجاً، وأن نصف أسمائه من شعراء اللغة الاسبانية (اسبانيا والقارة اللاتينية)؛ وأنه ليس هو مترجم النصوص بل جامعها فحسب (ثمة 26 مترجماً مختلفاً في الكتاب، أي 26 quot;نَفَساًquot; ترجمياً مختلفاً، وهذه في رأيي نقيصة العمل الكبرى، لأنه ينبغي لمعدّ الأنطولوجيا أن يكون صانعها وquot;خالقهاquot; والساهر عليها من الألف الى الياء)، وأنه تغاضى عن اسماء شعرية مهمة ومعروفة، ما كان ليكون من الصعب حصدها وضمّها، من أمثال تور أولفن وتوفا ديلفسون وأميليا روسيللي وآنا كريستينا سيزار...الخ؛ وأنه، أخيراً وليس آخراً، لم يكلّف نفسه عناء البحث عن اي شاعر عربي منتحر.
أيضا، حرصت على إيراد القصائد بلغاتها الأصلية (أو بتلك الوسيطة التي ترجمتُ عنها) قبالة الترجمات العربية. فعلاً، تعبت جداً في البحث والتجميع وفي وضعquot;هندسةquot; الكتاب، اي في quot;التمييزquot; بين هؤلاء الشعراء إذا شئت، ثم في الإختيار والتعريب، لأني كنت أبحث عن quot;تيمةquot;، عن قصائد تحوي قدرة تنبئية ما. وهذا يتطلب وقتاً طويلاً، اذ عليك أن تقرأ وتميز وتقارن وتزن وتقوّم...
ولكن أقسى من التعب الجسدي - وهو تعب لا يستهان به، وأقولها براحة ضمير - ثمة الجهد أو التعب الروحي. أنا حساسة جداً وأتفاعل مع الشعراء الذين اقرأهم، فكنت كمن يدخل نفقاً مدلهماً، وبعد النفق تطالعه دهاليز راعبة، الى ان يرى في النهاية الأشياء مترابطة جدا. حتى لتشعر في آخر المطاف كأن هناك quot;جنساًquot; بشرياً على حدة هو جنس الشعراء المنتحرين. في اي حال، معاناتي مع هذا الكتاب quot;أفرغتهاquot; في مجموعتي الشعرية الجديدة، quot;مرايا العابرات في المنامquot;، التي تصدر في مرحلة لاحقة، وquot;أرويquot; فيها اثنتي عشرة شاعرة من المنتحرات في العالم.

* كأنك كنت تتمشين بين قبورهم...
أكثر. قل إني نبشت قبورهم بيديّ. وأشعر أن التراب الذي نزعته عن تلك القبور لا يزال تحت أظافري.

* هل يسعدك القول إنك مذهلة؟
- (تضحك) أكيد. إنما أنسى كلمات الثناء بعد دقيقة. وهذه فضيلة في ذاتها. لكن الأمر في الوقت نفسه مصدر عذاب، اذ اني صباح كل يوم أفتش عن طريقة لأفاجىء نفسي من جديد، وأنسى ما فعلت في اليوم السابق. كل يوم معركة جديدة مع نفسي، ونهم هائل للتعلّم والتحسّن والتطوّر. البناء عندي ليس تراكمياً بل يومي. أنا أعمل بكدح ونفسي طويل، ولكن حصراًُ في المواضيع التي أشغف بها وتحرضني. لا جلد لي إطلاقاً على أعمال أضطر إليها اضطراراً. لم يكن ممكناً أن أجبر نفسي على عمل بهذه الضخامة لو لم أكن أشعر بأنني معنية به، متحمسة. الفضل ليس لي إذاً، بل للموضوع في ذاته. إذا التزمتُ عملاً ولم يستهوني لا أقدر على إعطائه شيئاً من نفسي، فتكون النتيجة صفراً.

* إذا أجبرت على الإختيار والتفضيل بين الـ 150، من تختارين؟
- صعبٌ الاختيار، ولكن ربما تبقى المجموعة ndash; النواة التي حرضتني في البدء. أي الشاعرتين الأرجنتينيتين ألفونسينا ستورني وأليخاندرا بيثارنيك، الشاعر الإيطالي تشيزاري بافيزي (رغم أنه روائي ولم يكتب شعراً إلا القليل)، وهناك ايضا الشاعر الفرنسي جان بيار دوبريه، والشاعرة الأسوجية كارين بوي، والشاعرين الروسيين فلاديمير ماياكوفكسي ومارينا تسفيتاييفا، والشاعر الروماني بول سيلان، والشاعرتين الأميركيتين سيلفيا بلاث وآن سكستون، والشاعر النمسوي جورج تراكل...الخ.
هؤلاء وبضعة آخرين كانوا النواة، كتبتُ عنهم في quot;ملحق النهارquot; على حلقات وكنت أهجس وآمل في أن أتوصل إلى التعرف على 33 منهم، لأنه كان في نيتي انجاز كتاب عنوانه quot;33 شاعراً انتحروا في القرن العشرينquot;، فهذا رقم أتفاءل به، وأينما ذهبت يلحق بي. ولكن شيئاً فشيئاً صارت النواة تكبر، والحلقة تتوسّع، حتى أصبح عددهم 150: تصوّر! والمشروع مفتوح في اي حال، وربما في الطبعات اللاحقة يكون عددهم أكبر، اذ ثمة أسماء ذكرتها في المقدمة لم تتضمنها الأنطولوجيا. عرفت بها ولم يتسن لي التوسع فيها. ربما في الطبعات اللاحقة أفيها حقها. أصلاً لا شك عندي في أن الشعراء المنتحرين في القرن العشرين هم أكثر من مئة وخمسين، لا بل ربما أكثر بكثير من هذا الرقم: فصحيح أن من الصعب أن أكون قد أغفلتُ اسم أي شاعر quot;كبيرquot; وأساسي، ولكن: ماذا عن الشعراء والبلدان الذين لم أستطع الوصول إليهم، بسبب عائق اللغة أو المسافة؟ ماذا عن مونغوليا مثلاً؟ وهل يُعقل ألا يكون أيّ شاعر سري لانكي، أو أذربيجاني، قد انتحر في القرن العشرين؟ وماذا عن أندونيسيا، وكازاخستان، وموريتانيا، وبوتسوانا، وباربادوس، وبوروندي، وأريتريا؟ ماذا عن لغات الماندنكا والبانتو والغوراني والشيشونا والأوزبكية والتاميل والتيبيتية، كي لا أذكر سوى سبع لغات من الستة آلاف وثمانمئة لغة الموجودة على سطح البسيطة؟ ماذا عن اللغات المحكية فقط، وغير المكتوبة (4539)، وشعرائها الشفهيين المنتحرين وتراثهم؟ إنما هذه فقط بعضٌ من تساؤلات كثيرة لم تنفكّ تقض مضاجعي طوال الأعوام الأربعة التي عكفتُ فيها على تحقيق هذا المشروع، بحثاً وتجميعاً واختياراً وترجمة.

* هل خطر ببالك أن الرغبة في الإنتحار قد تكون مشتركة بين بعض الناس وأصناف حيوانات، الحيتان مثلاً، ونحن كائنات خرجت من تحت الماء الغامرة كل شيء؟
- لا أعرف، فأنا غير ملمّة بالموضوع ndash; ولكن على سيرة quot;الحوتquot;، غالب المنتحرين من هذا البرج الفلكي. فأنا أجريتُ كذلك في الكتاب، وفي قسم خاص عنوانه quot;إحصاءات وبياناتquot;، سلسلةً من الدراسات الاحصائية (الموجزة ولكن المعبّرة) على الشعراء المنتحرين (جنساً وجنسيةً وسنّاً وطريقةً وسبباً وتوقيتاً)، مع بعض المقارنات بينها وبين معطيات الانتحار عموماً في العالم. وهي إحصاءات قد لا يكون لها أيّ مغزى quot;معرفيquot; أو دلالي نهائي، وليست لها أيّ علاقة بالعوالم الشعرية التي تتوخّاها هذه الأنطولوجيا في المقام الأول، لكني شئتُ تقديمها بسبب اقتناعي بوجود ارتباطٍ ما بين الاشهر والفصول واللغة والطبائع والابراج...الخ، وهو اقتناع ينحاز إليه عددٌ لا يستهان به من العلماء في العالم. عموماً، في العودة الى سؤالكَ، لا تطرح الحيوانات على نفسها أسئلة وجودية على غرار الإنسان. اي أن انتحارها قد يكون غريزة أكثر منه خياراً.

* لماذا لا ينتحر العرب؟ ذكرت في الكتاب 15 شاعراً عربياً منتحراً فقط، مع أنهم شعب يحب الإستشهاد؟
- الفارق كبير بين الإستشهاد والإنتحار. أفضل ألا أعطي حكماً قيميا وألا أقارب هذا الموضوع، ولكن أكرر أن فكرة الإنتحار لأسباب سياسية، وهي الأقرب إلى الأستشهاد، لا أحبها ولست معجبة بها، نقيض عدد كبير من الناس، يعتبرون أن من يستشهد يتنازل عن حياته في سبيل هدف سامٍ. أنا لا أعتبر فعله بطولة ولا قداسة، أبداً. هناك أيضا، غير الشعراء، روائيون وكتّابٌ عرب انتحروا، وهم مذكورون في لائحة في آخر الكتاب. فقد خصصتُ لائحتين ببعض أبرز الروائيين والفنانين المنتحرين، للفائدة. طبعاً، لائحتا الروائيين والفنانين هما محض نواة، لكنها اسماء quot;اعترضت طريقيquot; أثناء بحوثي الشعرية، فرأيتُ أنه قد يكون من المفيد جمعها، تسهيلاً لعمل من يرغب التوسّع في الموضوع. هناك ايضا ملحق خاص في الخاتمة للشعراء الذين انتحروا ما قبل القرن العشرين. ثم، هناك عرب وعربيات كثر ينتحرون، لكنهم ليسوا شعراء.

* والموت ما هو لك؟ هل فكرت يوماً في أن الغياب quot;بروفةquot;؟
- الموت سفر. أفراد قبائل المايا كانوا يهمسون في أذن المحتضر: quot;سفراً سعيداًquot;، وأرى أن هذا من أروع ما يمكن أن يقال لإنسان على وشك الموت. غيابنا quot;بروفةquot; لمن سنغيب عنهم، ولكنه ليس quot;بروفةquot; لنا. فهناك فارق بين كيف يعيش الآخر موتي أنا، وكيف يعيش موته هو. أما الغياب فحضور في مكان آخر. الموت ايضاً كذلك. بل إن الموت قد يكون حضوراً ناتئاً جداً. حضور أمواتك ناتىء في حياتك. وأنا كتبتُ عن ذلك في مقدّمة الكتاب.
[تحت عنوان quot;في النافذة المفتوحة أبداًquot;، كتبت الشاعرة جمانة حداد: أتراك أيضاً نهاية أيها الموت؟ لا لست نهاية لست امحاءً لست غياباَ لست غيبوبةً لست تنازلاَ لست استسلاماً لست اندحاراً لست تراجعاً لست هزيمة لست تقهقراً لست فراقاً لست سهواً لست فقداناً لست خسارة لست هجراناً لست منفى لست رحيلاً لست سقوطاً لست اختفاءً لست توارياً لست أفولاً لست ضياعاً لست زوالاً لست إلغاءً لست إبادة لست تلاشياً لست فناءً لست فراغاً لست هلاكاً لست حتفاً لست حتفاً لست هلاكاً لست فراغاً لست فناء لست تلاشياً لست إبادةً لست إلغاءً لست زوالاً لست ضياعاً لست أفولاً لست توارياً لست اختفاءً لست سقوطاً لست رحيلاً لست منفى لست هجراناً لست خسارة لست فقداناً لست سهواً لست غفلة لست فراقاً لست تقهقراً لست هزيمة لست تراجعاً لست اندحاراً لست استسلاماً لست تنازلاً لست غيبوبة لست غياباً لست امحاءً لست نهاية لاquot;].
في رأيي الموت هو تحوّل، انتقال من مكان إلى مكان، أو من عالم إلى عالم. أؤمِن بما بعد الموت، ليس بالمعنى الميتافيزيكي فحسب، بل الفيزيكي أيضا، اي أنني أفكّر: quot;أنا راجعةquot;. لذلك أقول إني أعيش الآن حياتي السابعة، ومن يدري؟ قد أكون على حق في اعتقادي هذا. المهم لي أن اعتقاد يسعدني واني مقتنعة به.

* كلنا ننتظر أن يحصل شيء ونعيش بدفع هذا الأمل، ومعظم الأحيان لا يحصل. غير الإنتظار، ماذا يعيش الناس؟
- سأتكلم ذاتياً ومن تجربتي: حب الناس لي وحبي لهم (حبيبي، طفلاي، والداي، أخي، أصدقائي، قرّائي، زملائي...) يجعلانني أتشبث بالحياة. وإلا، إذا كنتَ تشعر بأنك لست محبوباً ولا تحب أحداً، وإذا كنت تحب آخرين وهم يرذلونك، فستقول: لمَ الدنيا؟ أفهم بسهولة كيف يمكن أن يصل الإنسان إلى هذه النقطة من quot;التخفّفquot; من الحياة والآخر. هي نقطة ليست بعيدة عن أحد.
أما عن الإنتظار فمعك حق، ولكن ndash; واعذرني إذا بدا كلامي رومنسياً أو يشبه الكليشيه - إنتظار الشيء أن يحصل لذة في حد ذاته. المهم أن تظل مصدّقاً أن quot;شيئاً ما سيحدثquot;.

* معادلتان متوازنتان في نظرك فعلا، أن نولد وأن نموت؟ هكذا تنظرين إلى الصورة الشاملة؟
- نعم، بالنسبة إلي الحياة والموت حركة دائرية. من يولد سيعود يموت ثم يعود يولد ويعود يموت. واللا مكان غير موجود لأفكر في ما إذا كان سيان ولد المرء أم لم يولد. الحياة والموت في دائرة، نكون إما على حافتها وإما داخلها. أما خارجها فاقتناعي، أو إيماني إذا شئت، أنه غير موجود.
وإذا أردنا تخيل المسألة بصرياً (على غرار الدائرة المرسومة في خاتمة مقدمتي للأنطولوجيا): هناك نقطة بداية تبدأ في الدائرة، ومن هناك تكمل إلى ما لا نهاية. تظل تدور وتدور وتدور. والإنسان quot;يكونquot; دائماً. ربما يكون في مرحلة ما غائباً عن الأنظار، وفي مرحلة أخرى مرئياً: ولا فرق حقيقة. فأينما كان يظل في الدائرة.

* ماذا عن الوجع؟
- مرعب بالتأكيد. لذلك أفهم الناس الذين يتمنون موتاً عاجلاً أو هادئاً. عجّز كثر يصلون: quot;أعطنا يا رب نعمة الموت نائمينquot;. فعلاً هذا الموت هو نعمة. النوم يقال عنه quot;الميتة الصغرىquot;، وبعضهم يتزحلق منها إلى quot;الميتة الكبرىquot;، وهذا اقل أشكال الموت إيلاماً، وأكثرها quot;جماليةquot;.

* هل حمّلتِ الكتاب رسالة إلى العرب؟ إذا لا لماذا كتبته بالعربية وتجيدين لغات أخرى؟
- الكتاب لا يحمل رسالة، وأنا لا أحب quot;الرسائلquot; اصلا، لا للعرب ولا لغيرهم، إنما حقّقته بالعربية لا لشيء سوى لأنها لغتي الأولى والأثيرة، وأحب الترجمة إليها وأعشقها أكثر من اللغات كلها. لكنه في اي حال سيصدر في لغتين ثانيتين، وطبعاً سأحققه في تينك اللغتين بنفسي، وهما الفرنسية والاسبانية: اذ تلقيت عروض نشر من دورٍ بارزة من الجهتين. ولكن ليس الآن، اذ سآخذ quot;فرصةquot; منه لوقتٍ قصير، كي ارتاح من أجوائه قليلاً. وفي المناسبة، ينطلق اليوم توزيع الأنطولوجيا في المكتبات اللبنانية، اذ ان الكتاب بات متوافراً أخيرا، وهو في المناسبة صادرٌ عن دارين جميلتين وراقيتين اعتنيتا به أيما اعتناء، هما quot;دار النهارquot; التي ستتولى توزيعه في بيروت، وquot;الدار العربية للعلوم ناشرونquot; التي ستتولى توزيعه في البلدان العربية، فضلا عن أنه سيكون متوافرا أيضا للبيع في المكتبات الالكترونية.

* أريد، اخيراً، العودة إلى جدتك التي ذكرتِ أن انتحارها أثر فيكِ طفلة، ولا يزال.
- quot;ستي جميلةquot; لم تكتب شعرا في حياتها. أعتبرها شاعرة حياة. لا شك أنها عاشت ألماً داخلياً عميقاً مؤذياً جداً. أحاول أن أكتب رواية عنها، رواية كبيرة تشمل مواضيع وحالات متعددة أوصلتها إلى تلك النقطة. هي أرمنية عايشت المجازر والتهجير وأعمل على جمع ما تيسر من وثائق عنها، ولا سيما طفولتها ومرحلة العذابات، وأواجه صعوبات كبيرة في ذلك. حياة جدتي أحب أن أرويها وتعني لي كثيراً. ستكون المرة الأولى أكتب رواية، وطبعاً فيها تاريخ بإطار روائي. لكنّ الرواية ليست مجالي المفضل. كتبت سابقاً قصصاً قصيرة، ولكن أنا شاعرة وسأظل أكتب شعراً حتى آخر لحظة في حياتي.