يتضمن وصف جريمة الإبادة الجماعية المتهم بها صدام وبقية المتهمين المحالين على المحكمة الجنائية العراقية العليا لمحاكمتهم في قضية الأنفال جميع الأفعال الإجرامية المرتكبة بحق جماعة (قومية) أو (أثنية) أو (عرقية) أو ( دينية)، وفق تلك الصفات التي وردت بقصد إهلاكها هلاكاً كلياً أو جزئياً، بأي شكل من الأشكال، سواء بقتل أفراد من تلك الجماعة قتلاً مباشراً أو بإعطاء الأوامر والتعليمات بارتكاب أي فعل من الأفعال الإجرامية ، أو بإلحاق أي ضرر جسدي أو عقلي جسيم في مجموعة من تلك الجماعة، بالإضافة الى إخضاعها (عمداً)، الى أحوال معيشية يقصد بها أهلاك تلك المجموعة الفعلي أو الجزئي.
كما تشمل قضية الأنفال تهمة ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية التي تضمنت ضمن ارتكابها في أطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بهذا الهجوم.
ومسألة توافر الأدلة في قضية مثل قضية جرائم الأنفال مسألة غاية في الأهمية ، من خلال تبيان الواقعة وظروفها وتحديد المسؤولية الجزائية لكل متهم، بالرغم من حجم الضحايا والأدلة التي خلفتها تلك الأفعال الإجرامية وما ثبت منها من الدلائل والقرائن التي ثبتت للمحكمة أثناء دور التحقيق والمحاكمة جراء ذلك، وحتى يمكن للمحكمة أن تستند على تلك الأدلة والقرائن وتشير اليها في الأسباب التي توردها في قراري الإدانة والحكم، والتي من خلالها تقوم المحكمة ببناء قناعتها في إصدار القرار النهائي للحكم في القضية.
وبناء عليه فان المحكمة تحكم بناء على قناعتها التامة التي تكونت من خلال الأدلة المقدمة المتمثلة في الوثائق والكتب الرسمية التي تدمغ فعل المتهمين، وفي إقرارات بعض منهم، وفي شهادات المشتكين والشهود، ومن خلال محاضر التحقيق والكشوفات والتقارير الفنية التي قدمتها جهات مختصة ضمن تقارير علمية معتمدة، مع اطمئنان المحكمة للقرائن والأدلة التي برزت في دوري التحقيق والمحاكمة.
وبالنظر لشهادة المشتكين والمدعين بالحق الشخصي التي تطابقت مع ظروف الجريمة، حيث لم يخرج الوصف عن ظروف القضية التي تبلورت في قيام المتهم الأول صدام وبالمشاركة مع بقية المتهمين في تنفيذ صفحة إجرامية ضد الإنسانية بقصد إبادة أكبر مجموعة بشرية ممكنة من شعب كوردستان في العراق تحديدا ، مستخدماً القوات العسكرية وسلاحها العسكري من خلال تحريك قيادات تلك القطعات العسكرية، بالإضافة الى استعمال الأسلحة الجرثومية والكيمياوية المحرمة شرعاً وقانوناً ضد المدنيين أو حتى في جبهات القتال، كما أن المتهم وأعوانه أوعزوا باستخدام عمليات الإعدام الجماعي للمدنيين ودفنهم في مقابر جماعية أعدت لهذا الغرض، وحيث وردت الشهادات معززة للوقائع التي أثبتت الضربات الكيمياوية التي تمت في مناطق معينة من أرض كوردستان شخصها المشتكين والشهود بدقة ، والتي شخصت مسؤولية بعض المتهمين المباشرة، حيث تفاوتت شهادة بعض المشتكين بين المشاهدة العيانية وكون المشتكين أحد أطراف القضية سواء بإصاباتهم بالأسلحة الكيمياوية، أو بخلاصهم شخصياً من تنفيذ أفعال الإعدام التي طالت مئات الآلاف من المدنيين، بسبب إصاباتهم وانسحابهم أو ظروفهم التي مكنتهم من التسلل والهروب من الحفر التي أعدت لردمها فوق جثث المصابين، ومساعدتهم من قبل بعض السكان المدنيين القريبين من أماكن المقابر الجماعية، بالإضافة الى مشاهداتهم عمليات التدمير والإحراق وإلحاق الضرر الجسيم بالقرى والقصبات المدنية، وتعززت تلك الشهادات بالإضافة الى اليمين التي أداها كل من المشتكين والشهود، تمتعهم جميعا بالإدراك وقوة البينة التي وردت على لسان المشتكين والشهود مما أزال عناصر الشك والريبة عن تلك الشهادات المهمة ، فإنها كانت منتجة في القضية ومتطابقة مع الواقع، وتشير الى حقائق دامغة في إصرار المتهمين على تنفيذ أفعال الإبادة الجماعية بحق الضحايا مهما كانت أعمارهم أو أجناسهم بشرط إن يكونوا من أبناء الكورد، وبهذا عززت تلك الشهادات باعتبارها بينات على حقيقة ما تم توكيده في إحداث ضمتها صفحة من صفحات جريمة الأنفال، ليتم تطابق التهمة الواردة في قرار الإحالة طبقاً للاتفاقية الدولية الخاصة بمنع جرائم الإبادة الجماعية المعاقب عليها بتاريخ 9 كانون الأول 1948، والمصادق عليها من قبل العراق بتاريخ 20 كانون الثاني 1959 .
إن الشهادة من الأدلة المهمة التي تستند عليها المحكمة في حكمها، وتأتي أهميتها بعد الإقرار وبقية الأدلة التي توفرت في القضية، كما إن الشهادات التي استمعت اليها المحكمة من الشهادات المباشرة، حيث وصف المشتكين والشهود بشكل دقيق وتفصيلي من وقائع وأحداث جرت وكانوا طرفاً فيها وساعدوا في أظهار الحقيقة، فقد وصف الشاهد محمد رسول مصطفى من ضمن قائمة المشتكين وهو في السبعينات من عمره انه رأى الطائرات تقصف قرية قريبة من قريته وحينها تشكلت سحب رائحتها تشبه رائحة التفاح سببت له مشاكل في التنفس. وبعد ذلك زج به في السجن ورأى زوجته وأطفاله الخمسة لأخر مرة وهو في السجن. وروى أنه شاهد رجلا يقتل على يد الحرس ضربا. وقال إن ما بين 400 و500 كردي ماتوا في السجن.
وقال مشتك آخر يدعى رفعت محمد سعيد أن فتيات احتجزن معه في سجن نقرة السلمان الصحراوي حيث كان الأطفال يموتون جوعا، وإن ضابطا اسمه حجاج كان يعذب ويغتصب المعتقلات. وأضاف أن أطفالا ماتوا في السجن جوعا، كما نبشت حيوانات برية جثث سجناء دفنهم زملاؤهم.
تحدث المشتكي اسكندر محمود عبدا لرحمن عن هجوم بالسلاح الكيمياوي على قريته عام 1988.
وقال: quot;ألقينا بأنفسنا على الأرض وغطانا سحاب أبيض ذو رائحة كريهة. وقد زادت ضربات قلبي وأخذت أتقيأ. شعرت بالغثيان. احترقت عيناي ولم استطع الوقوف على قدميquot;.
وخلع الشاهد قميصه أمام مراسلي المحكمة ليريهم بقايا سوداء لجروح على ظهره حيث قال إن أطباء إيرانيين أزالوا الجلد المحترق.

قال المشتكي عبدا لله محمد حسين إنه بعد اختفاء عائلته في حملة الأنفال توجه بالرجاء الى صدام للمساعدة بالكشف عن مصيرهم. وأوضح: quot;سألني صدام: أين اعتقلوا؟ فأجبته: في بلدتي. فأجابني: أخرس. عائلتك راحت في (حملة) الأنفالquot;.
وأضاف المشتكي أن رفاة أقاربه اكتشفت قبل سنتين في إحدى المقابر الجماعية.
وقال المشتكي مجيد أحمد أن قريته، سركالو، تعرضت للقصف مدة عشرين يوما، مما أجبر السكان على الهرب إلى إيران، وأضاف أنه عندما عاد القرويون الى العراق سلموا أنفسهم للجيش العراقي وتم إرسالهم الى السجنquot;، مشيرا إلى أنه لم يسمع أحد بأخبارهم منذ ذلك الحين في أشارة الى تصفيتهم وإعدامهم من قبل قوات المتهم صدام.
وقال مشتكي آخر اسمه، عمر عثمان محمد، إن طائرة عسكرية ألقت ببالونات تحتوي على ما يبدو على سلاح كيماوي، وتبع ذلك قصف بالصواريخ.
وقال أحد المشتكين واسمه غفور حسن عبدا لله إنه بعد 15 سنة من اختفاء أهله علم بمصيرهم بعد العثور على بطاقات تعريفهم في مقبرة جماعية.
الدكتورة كاترين إلياس ميخائيل التي تقيم في الولايات المتحدة وهي مقاتلة سابقة مع البيشمركة. ووصفت كيف أنها شاهدت هجوما كيماويا في يونيو/ حزيران عام 1987.
وقالت إن طائرات ألقت بقنابل انفجرت دون أن تحدث دويا قويا كما هو معتاد، مما تسبب في إصابة السكان بالتقيؤ في ما بعد والعمى لعدة أسابيع لدى البعض.
وهاجمت الشاهدة المنظمات والشركات العالمية quot;التي زودت النظام العراقي (السابق) بتلك الأسلحةquot;.
قالت الشاهدة، أديبة عولا بايز، وهي زوجة شاهد سابق اسمه علي مصطفى حمه، إن طائرات ألقت بقنابل على قريتها، باليسان، وذلك في 16 أبريل/ نيسان 1987، مما أدى إلى انتشار دخان رائحته تشبه quot;التفاح المتعفنquot;، وأضافت الشاهدة إنهم أدركوا أن الدخان سام بعد أن بدأ جميع أفراد عائلتها يظهرون أعراضا مرضية وأصيبوا بالعمى لعدة أيام بعد الهجوم.
وقالت للمحكمة: quot;في اليوم الخامس تمكنت قليلا من فتح عينيّ، ورأيت منظرا مرعبا، فقد تحول جلدي وجلد أطفالي إلى لون أسودquot;. وقالت إن أحد أطفالها توفي وإنها عانت في ما بعد من الإجهاض مرتين.
وذكرت شاهدة من قرية باليسان أيضا واسمها بدرية سعيد خضر، للمحكمة إن تسعة من أقاربها قتلوا في الهجوم، بمن فيهم زوجها وابنها ووالداها. وأضافت أنها لا تزال تعاني من آثار الهجوم.
ووصف مقاتل سابق في صفوف البيشمركة الكردية واسمه موسى عبدا لله موسى كيف انه شاهد عدة هجمات عامي 1987 و1988 بما في ذلك رؤيته لأخيه وابنه ميتين وهما يحتضنان بعضهما.
وفي جميع الأحوال فأن تقدير قيمة الشهادات تلك تخضع الى سلطة المحكمة التقديرية التي لها إن توازن وتقدر قيمتها في إثبات الجريمة، كما إن جميع الشهادات كانت متطابقة مع وجهة نظر وطروحات المدعي العام، وبذلك صارت تلك الشهادات قرائن منتجة ومرجحة في عملية الإثبات.
كما استطاع الادعاء العام استخلاص وقائع ودلائل تفيد المحاكمة، من خلال عملية الاستدلال بالقرائن التي اعتمدت على ملابسات القضية وظروفها وما خلفته من آثار مادية والتوصل الى مسؤولية الجناة ومن أصدر الأوامر اليهم بشكل مباشر أو غير مباشر ، وتمكن الادعاء العام من عرض القضية بشكل مبسط لالبس فيه ولاتعقيد قائلا إن 182 ألف شخص فقدوا حياتهم أثناء العمليات التي أطلق عليها النظام العراقي آنذاك اسم quot;الأنفالquot;.
وقال المدعي العام، منقذ الفرعون، إن قرى بكاملها سويت بالأرض، واستخدمت القوات غازات سامة مرات عدة، وتعرض المسنون والنساء والأطفال لظروف رهيبة في معسكرات الاعتقال. ووصف هذه الأعمال بأنها quot;بربريةquot;.
وكان الأستاذ جعفر الموسوي رئيس هيئة الادعاء العام في المحكمة الجنائية العليا قد صرح من أن هيئة الادعاء قدمت طلبا رسميا الى المحكمة بضرورة الاكتفاء بالعدد الحالي للمشتكين في قضية الأنفال نظراً الى كثرة عددهم الذي يصل الى ما يقارب 1175مشتكيا'.
وقال أن عدد المشتكين في قضية الأنفال كبير جدا وقد ارتأينا أن نكتفي بإفادة سبعين او ما يقارب ذلك منهم وسيحتفظ البقية بكامل حقوقهم'.
وقد قال المدعي العام في المحكمة إن لديه شريطا صوتيا ووثائق تثبت أن الرئيس العراقي السابق أمر شخصيا بضرب الأكراد العراقيين في الثمانينيات بالغازالكيمياوي.
كما توفر في القضية رأياً فنيا من خلال شهادة الخبراء الاختصاصيين في مجال الطب الشرعي والأنثربولوجيا، الأول يدعى كلايدكولون سنو من مواليد 1928 ويسكن في ولاية أوكلاهوما الأميركية وهو عالم في علم الاحياء وخبيراً دولياً ، والثاني خبير الأسلحة والعلوم الجنائية الأمريكي دوجلاس سكوت وهو ثاني خبير أجنبي يدلي بشهادته أمام المحكمة، ثم استمعت المحكمة الى الخبير الطبيب الكوردي الأصل والأمريكي الجنسية يدعى أحمد شكري أسفنديار ، والذي كان يعمل ضمن مؤسسة إنسانية كانت تتحقق من تعرض لاجئين أكراد لأسلحة كيميائية أن الضحايا تعرضوا للغازات السامة مثل الخردل والزارين وأنها تسببت أيضا بوفاة الطيور والحيوانات كما عرض الخبير صورا لمصابين تعرضوا لعوامل كيمائية في مخيمات للاجئين الاكراد العراقيين في مناطق ماردين وديار بكر التركيتين التي قال إنها ضمت الآلاف من اللاجئين. وروى الخبير كيف أن امرأة حامل فقدت طفليها لأنها لم تستطع حملهما معها عند هروبها بعد القصف الكيميائي وقد أنجبت طفلها في المخيم قبل وصول الخبير بثلاثة أيام، الذي عزز تقاريره بأراءه الفنية وتفصيله المبسط للقضية. كما قدم خبير الطب العدلي مايكل تريبل الخبير في الطب العدلي والأدلة الجنائية شهادة لتعزيز تقريره تحدث فيها عن نتائج فحصه لهياكل عظمية لرجال ونساء وأطفال عثر عليها في مقابر جماعية بشمال العراق في الموصل وجنوبه في المثنى.
ثم عرض الخبير صورا لبقايا هيكل عظمية عثر عليها في مقابر جماعية بالقرب من مدينة الموصل الشمالية وقال أن فحوصاته عليها تشير الى أن 67% من الضحايا قتلوا برصاصات من بنادق رشاشة في الرأس وبينهم أطفال عديدون أما الآخرين فانهم قتلوا بوسائل أخرى مثل الضرب بقطع حديدية او بأعقاب البنادق.
كما قدم صورا لجماجم ضحايا وكانت أعينها مازالت معصوبة العينين وعرض هويات لضحايا وبقايا ملابس وكان بينهم أطفال وحديثي السن. وأشار الى أن عددا من الجثث قد أصيبت بحوالي 18 رصاصة في أنحاء متفرقة من أجسادهم موضحا أن البعض من الضحايا كانوا مقيدي الأيدي الى الخلف. كما قدم شرحا لفحوصاته على جثث وجدت في مقبرة جماعية كبيرة بمحافظة المثنى الجنوبية (السماوة) عرض صورا لها. وأكد ان الفحوصات أثبتت ان عمليات الاعدام الجماعي كانت منظمة بشكل متقن وحفرها تم حفرها بشفلات.
وأضاف الخبير تريبل ان هناك قبور جماعية عدة في صحراء السماوة القريبة من السعودية حيث احتجز في معتقل quot;نقرة السلمانquot; ألاف الأكراد في أواخر عقد الثمانينات.. وأكد انه في إحدى المقابر هناك انتشلت 114 جثة كان بينها اثنين لرجال و27 امرأة بينهن واحدة حامل وجدت عظام الجنين في بطنها وكان عمره بين 36 و40 أسبوعا أي انه كان على وشك الولادة إضافة الى 85 طفلا تقل أعمارهم عن 13 عاما. وأشار الى ان انتشار مظاريف الرصاص الذي أطلق على الضحايا يوضح ان منفذي الاعدام كانوا يقفون في الجهة الجنوبية من المقبرة الجماعية. وعرض صور بقايا لجثث أطفال تراوحت أعمارهم بين 5 و 6 سنوات وقد أصيبوا بالرصاص في مناطق مختلفة من أجسادهم.
وأضاف ان الفحوصات أظهرت ان معدات آلية ثقيلة قامت بحفر هذه المقابر الجماعية وان معظم الضحايا كانوا من النساء والأطفال المقيدي الأيدي والمعصوبي العينين وقد اعدموا بمسدسات وبنادق آلية ثم اهيل عليهم التراب.
وكانت شهادته تقريراً مفصلاً وشاملاً حول حالات إعدام الأطفال وإصاباتهم وطريقة دفنهم في المقابر التي منحت أرقام لكثرتها واختلاف مواقعها، وعزز تلك التقارير بالصور والخرائط التوضيحية، وأظهرت العديد من الجثث التي تم إعدامها رميا بالرصاص أنها تعود الى أطفال صغار تتراوح اعتمارهم بين 7-12 سنة، وهذه التقارير التي عززها حضور بعض منهم ومناقشته وتعزيز تلك الخبرة بالوسائل الأقناعية والمعلومات الاختصاصية الفنية ضمن نطاق الخبرة، ورأي الخبير وأن كان خاضعاً لسلطة المحكمة التقديرية، فأنه من جانب آخر يوضح جانباً فنياً وعلمياً له من الأهمية في مجال وسائل الإثبات في القضية المعروضة أمام المحكمة، وكانت المحكمة قد استعانت برأي الخبراء بما يستلزم معرفة وتثبيت المعلومات بأمور تتجاوز نطاق معلومات المحكمة، وكانت القاعدة 62 من قواعد الإجراءات وجمع الأدلة الخاصة بالمحكمة الجنائية العراقية العليا قد حددت أن شهادة الخبراء هي الشهادة التي تقدم من شهود مؤهلين كخبراء معلومات أو لهم مهارة وخبرة أو ممارسة أو مثقفين لهم دراية بالعلم أو التكنولوجيا أو المعلومات المتخصصة الأخرى التي تساعد محكمة الجنايات في فهم الأدلة.
أن الخبير يقدم معلومات ورأي من خلال اختصاصه وتطبيقاته للأصول الفنية في عمله، وبذلك فأنه يستنتج ويقرر ويقدم خلاصة تقريره للمحكمة، ولا يشترط إن يكون الخبير متواجداً أو موجودا وقت الحادث أو كان على دراية ومعرفة بجزء من تفاصيل الجريمة، حيث إن الشاهد يكون من شاهد أو سمع أو علم بتلك المعلومات، وبذلك يختلف الخبير عن الشاهد من خلال كونه يستعمل معلوماته وقدرته العلمية في المعرفة، بينما يستعمل الشاهد ذاكرته وحواسه الشخصية في الشهادة، ومن الممكن إن يكون الخبير شاهداً إذا جمع كلتا الصفتين.
كما إن قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 71 أجازت للمحكمة إن تندب خبيرا أو أكثر لإبداء الرأي في ما له صلة بالجريمة التي تتم محاكمة المتهمين فيها، باعتبار أن تلك الأمور الفنية تتطلب معرفة علمية ورأياً في الاختصاص من الخبراء الذين تتوسم فيهم المحكمة تعزيز الأدلة .
إن جريمة الأنفال من الجرائم المستمرة، وقد جوزت القاعدة 32 من قواعد الإجراءات جمع تلك الجرائم بقضية واحدة باعتبارها معاقب عليها بمادة واحدة من قانون واحد، كما إن الادعاء العام يملك من الأدلة والسندات الرسمية التي قدمها لمحامي الدفاع ضمن المدة المقررة قانوناً، كما إن الاتهامات التي تضمنتها القضية تتحدد في الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة بحق شعب كوردستان وجرائم الإبادة الجماعية التي أودت بحياة 182 ألف مواطن مدني وتدمير وحرق أراضيهم وقرآهم واستخدام كافة أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة والمحرمة دوليا ومنها السموم القاتلة والقنابل العنقودية و النابالم وثم حجز العوائل تمهيداً لتصفيتها وفق الخطة المقررة من قبل المتهم الأول صدام والتي بدأ تنفيذها من قبل بعض المتهمين الحاضرين في ما سمي بعمليات الأنفال.
كما إن الأدلة الأخرى الخطية المتمثلة في الأوامر والتعليمات التي ضمتها قرارات المتهم الأول وبقية المتهمين، والأوامر الصادرة بصدد التنفيذ وطرق التنفيذ، وما سيعرضه الادعاء العام من بينات وأشرطة تسجيلية تدعم ارتكاب هذه الجريمة.
كل تلك الدلائل والبينات تعزز الاتهامات الكبيرة في هذه القضية، والتي تلزم المحكمة إن تستند عليها في حكمها باعتبارها من الأدلة التي طرحت والتي عززتها الأدلة الأخرى، باعتبارها نموذج لمئات الآلاف من الحالات التي حصلت في قضية الإبادة الجماعية ، باعتبارها من صفحة من صفحات ابادة شعب كوردستان الذي اعتقد الدكتاتور انه يستطيع القضاء عليه بهذه الوسائل البربرية، والحقيقة إن كشف الأساليب وطرق القتل والوسائل المستعملة في قتل المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ بالطريقة التي كشفتها تقارير الطب العدلي والخبراء الآخرين، وكما أوردته بعض شهادات المشتكين، وعززته الدلائل الأخرى وما ستقوم المحكمة باستنتاجه من قرائن يدلل على حجم الجريمة المرتكبة والغاية من ارتكابها وفق التفاصيل التي وردت.
و قد عبرت القضية الى مراحلها الأخيرة مع كل هذا الكم الهائل من الأدلة والمستندات المعروضة في القضية والتي لن يكفي إنكار المتهمين دفعا لإثباتها، ومما يزيد من قناعة المحكمة بعد إجراء جميع التحقيقات القضائية في دور المحاكمة والاطلاع على مجريات التحقيقات الجارية، لتكشف بحكمها القضائي صفحة مشينة من صفحات الانتهاكات الإنسانية سواء في إعدام المدنيين أو قتل الأطفال أو دفن المصابين والأحياء في حفر أو قتلهم بشكل غادر أو الأبعاد غير القانوني أو تهديم القرى والبيوت واقتيادهم كرهائن أو شن الهجمات العسكرية المنظمة ضد السكان المدنيين، أو ارتكاب الانتهاكات الخطيرة للقوانين والدستور المؤقت، والتعمد في إحداث أضرار جسيمة بحق السكان المدنيين وتشريدهم، واستخدام الغازات السامة والكيمياوية القاتلة أو أية غازات أخرى، واستخدام الرصاص الخاص في عمليات القتل مثل الرصاص ذا الغلاف الصلب أو المتمدد أثناء الإصابات ، واعتماد التعذيب، والاغتصاب وأهانه الكرامة البشرية والحط منها ، وتعمد تجويع المدنيين وحرمانهم، وتشويه وأصابه بعض منهم وأحداث عاهات جسيمة من خلال العمليات التي سميت بعمليات الأنفال، والتي راح ضحيتها على أقل تقدير 182 الف مواطن.