من الطبيعي أن يُحدث مثل هذا الدوي الشديد تصريح الرئيس حسني مبارك الذي قال فيه أن الشيعة حيثما وجدوا فإن ولاء أكثريتهم يكون لإيران، أكثر مما هو لأوطانهم التي نشأوا فيها ويعيشون على أرضها.
والرئيس حسني مبارك ليس مواطنا عاديا، أو كاتبا من كتاب الرأي، بل هو رئيس أكبر وأقوى دولة عربية، وذو قدم وخبرة ومراس، يقصده الزعماء العرب لاستمزاج رأيه، وأخذ مشورته، فلا يقطعون برأي دون رأيه، ولا يتخذون قرارا دون موافقته. وتصريحاته لا تأتي جزافا أو اعتباطا، بل عن سابق دراسة وتبصر في الأمر وتصميم. وما كان لمثله أن يقول مثل هذا الكلام، ويتحمل مسؤولية ما قال، لو لم يكن لديه ما يكفي من الأسباب والمبررات والمعلومات، فتحت تصرف سيادته أكبر وأقوى جهاز مخابرات، يقدم له التقارير والمعلومات كل صباح.
يتحكم الدين بمشاعر الشعوب في البلدان العربية والمعربة، ويسيطر على كل مناحي حياتهم أميين ومتعلمين. وتختلف العلاقة مع رجال الدين من مذهب لآخر ومن طائفة لأخرى. فمنهم من يمتثل امتثالا تاما لشيوخه، يقلدهم في حركاتهم وسكناتهم، يتمسح بأرديتهم، ويتبارك بلمسهم، ويطيعهم طاعة عمياء، لا يخالفهم في صغيرة أو كبيرة. فإن قال شيخهم أسود رددوا وراءه أسود. وإن قال أبيض كرروا أبيض. يبررون ذلك أنهم قد أخلوا مسؤوليتهم، ووضعوها على عاتق شيخهم. لا يستثنى من ذلك إلا قلة قليلة جدا اختارت أن يكون لها رأيها ورؤيتها وشخصيتها. لقناعتها أن هذا حقها، وأن شيخها قد لا يكون أكثر فهما وعلما منها، وأنه قد يستغل الدين لمصالحه الشخصية ومصالح أبنائه، وفي نفسه مآرب، وله غايات.
تستند قوة إيران إلى عدة أركان. والعراق كما هو معلوم ركن هام من أركان قوة إيران، تجاهر فيه ولا تخفيه، وتهدد أمريكا دائما به. كما لم تنكر إيران ما قاله الرئيس مبارك بل أكدت بلسان مسؤوليها حجم نفوذها، وقوة تأثيرها في العراق، وأضافت أنها تستخدم هذا النفوذ لخير العراق وشعبه. وعلى المستوى الشعبي ليس خافيا على أحد تعلق الشيعة بإيران وأئمتها، واصطفافهم إلى جانبها، ودفاعهم الشديد عن سياساتها. كما أن فضلها على شيعة العراق وقادتهم السياسيين والدينيين كبير. فقد فتحت لهم على مدى عقدين أبوابها، وأغدقت عليهم مساعداتها، واستقبلتهم وحمتهم حين هجرهم واضطهدهم صدام. ومن ينكر الجميل ولا يرده بأحسن منه فهو إنسان عديم الوفاء، عاق.
قد يرى البعض أن مخاوف الشيعة من المستقبل مشروعة، ولها ما يبررها. فقد مرت عهود طويلة من الظلم والاضطهاد عليهم، وخاصة شيعة العراق. والكراهية بين عامة السنة وعامة الشيعة، وطقوس الذكرى السنوية الشيعية لاغتصاب الحكم وكربلاء، وتبادل التكفير، والاتهامات، غير خافية على أحد، بادية للعيان. وإيران الخمينية، وقوتها، في ظل هذه الاعتبارات، هي الضمان والحماية والملاذ. وهي المنفذ الوحيد في هذا المحيط المغلق، أو نقطة الضوء الوحيدة في السماء المظلمة.
لقد حارب الشيعة الاستعمار والتدخلات الأجنبية في أوطانهم على مر العصور. وقادوا في العراق ثورة العشرين. لكن إيران الخمينية غير إيران الشاه، فلم تعد أجنبية، بل صديق وأخ أكبر، وأغلب شيوخ الشيعة العراقيين، يحملون جنسيتها وذكرياتها، وأهلهم فيها، وتعلموا في حوزاتها، ولكنتهم في الكلام لكنتها.
الجميع كما أسلفت يشعر بولاء الشيعة لإيران، ودفاعهم عنها، وحبهم لها. لكن ذلك عندما يعلنه ويؤكده أمام العالم أجمع، رئيس بحجم وقوة الرئيس مبارك فإنه يكتسب معنى آخر، ورؤية أخرى، ومغزى مختلف.

[email protected]