أخطأ الرئيس المصري حسني مبارك في حديثه مع الاعلامية المتألقة جيزيل خوري عندما اتهم الشيعة العراقيين بأن ولاءهم لايران، وهو رأي يمكن أن نتقبله من كاتب صحفي أو في دردشة في مقهى لكنه (زلة لسان) لا تليق برئيس دولة، وهو اتهام جارح للكثير من الشيعة العراقيين الذين استشهدوا في الحرب العراقية الايرانية المشؤومة.
لكن (الريّس) بالمقابل لم يكذب كثيرا حين تحدث عن رضاه عن أدائه وأن المواطن المصري يقدر بالفعل ما قدمه وما يسعى لتقديمه لمصر، فهناك محبةحقيقية من المواطن المصري البسيط نحو حسني مبارك ولكل أسبابه، أحدهم قال لي :quot; بحبه لأني بحس انه مصري زيي وقلبه على البلد quot; شوقي السائق القبطي يحب مبارك لأنه quot; في عهده شيد أكبر عدد من الكنائس في مصر، فبعد أن كان بناء كنيسة يحتاج الى اذن من رئيس الجمهورية في عهد السادات، تغير القانون وأصبح في يد المحافظ quot; وهناك من يقول لك أنه جدد العهد لمبارك لأنه quot; اللي تعرفه أحسن من اللي ما تعرفوش quot; أو quot; ناس شبعت ولا ناس لسة جاية عايزة تشبع quot; لكن يظل هناك محبة للريس باختلاف الأسباب وهناك أيضا من يتمنى أن يتولى جمال مبارك الحكم بعد والده؟على أية حال ما المانع اذا تم ذلك وفق انتخابات حرة؟ألم ينتقل الحكم من بوش الأب الى بوش الابن بعد ثمان سنوات فاصلة هي عهد كلينتون المسالم طيب الذكر؟
القاهرة والتي يحب أن يدللها العقيد معمر القذافي في واحدة من شطحاته (بالمقهورة)، بينما يحب أن يسميها أهلها (المحروسة) والقاهرة يمكن أن تعدد عيوبها حتى الصباح لكنها بالتأكيد ليست مقهورة في تعاملها مع الاستعمار والاحتلال المتعاقب الذي قاومته بالقوة والمقاومة حينا وبمعاهدات السلام حينا كما تقاوم اليوم الكوارث وانفلونزا الطيور والأزمة الاقتصادية الطاحنة بخفة الظل وروح النكتة وكثيرا ما تنتصر عليها بالضربة القاضية.
في الأهرام يذهلك هذا التناقض الكبير بين أعجوبة بناء الأهرام التي حيرت العالم، والتي قيلت فيها نظريات كثيرة كاستخدام الأرجوحة أو استخدام المغناطيس أو بناء جبال رملية حول الأهرام لنقل الصخور بل ذهب برنامج أميركي على قناة ديسكوفري أنه يرجح أن ثمة مخلوقات فضائية ساعدت المصريين القدماء في تشييدها، لكن الدهشة الحقيقيقة تغمرك بين عبقرية من بنى الأهرام التي يحج اليها الناس من شتى أنحاء العالم وبين عجز أحفادهم عن بناء كشك تذاكر مقبول للتكسب من هذه الأهرام وعجزهم عن بناء رصيف يسمح لك أن تسير باطمئنان دون أن تؤذي قدمك.
غياب الحس الجمالي له حضور طاغي في القاهرة، وبعد عودتي الى الرياض أحسست أن الرياض هادئة، والازدحام الذي كنت أتذمر منه قبل أسبوع فقط لا وجود له، غياب الحس الجمالي في القاهرة يحتاج الى تدخل حكومي صارم، فالى جوار المباني الخرافية التي شيدت في العشرينات والثلاثينات والمذهلة في تفاصيلها، تجد عشرات البنايات المسكونة دون أن تكتمل فتعلم أن السكان يمرون من داخل الاسمنت في تمرين يومي على البشاعة والقبح،جمال القاهرة يحتاج الى قوانين صارمة، في الرياض فرضت غرامة مئتي ريال لمن يرمي بمنديل وفي لندن منعت صديقتي من قطع شجرة داخل بيتها، مما جعلها تتحايل على القانون بقتل الشجرة قتلا بطيئا بالابر حتى ماتت وسمح لها بقطعها والتنازل عن جمال شجرة وارفة في مدينة الضباب
قال لي صديق :quot; لا بد أن المصريين عباقرة لأنهم نجحوا في تدمير هذه الحضارةquot; قلت: quot;كلنا في الهوا سوا والعرب بلا استثناء أتقنوا التطور العكسي الى التخلف، لكن لا ننسى أن النوبليين العرب الذين نجحوا في الحصول على هذه الجائزة هم أربعة وجميعهم ممن أنبتتهم هذه الأرض.quot;
لكن تظل القاهرة كما قال الشاعر: اللي بنى مصر كان في الأصل حلواني / عشان كدة انت يا مصر حلوة الحلوات. وتظل بكل تناقضاتها وتاريخها وطرافتها وثراءها وازدحامها المدينة التي تتربع على عرش قلب الانسان العربي بلا منازع.
- آخر تحديث :
التعليقات