كتب أحد القراء معلقا على مقالة لي في إيلاف بعنوان (حضارة التخلف) كتب يقول، وينسب القول للرسول (ص): أن اليهود والنصارى فكاك المسلم من النار.
وبالعودة إلى كتب الحديث للتأكد مما قاله هذا القارئ، وجدت في صحيح مسلم- التوبة- قبول توبة القاتل وإن كثر قتله. ما يلي: (rlm;حدثنا rlm; rlm;محمد بن عمرو بن عباد بن جبلة بن أبي رواد rlm; rlm;حدثنا rlm; rlm;حرمي بن عمارة rlm; rlm;حدثنا rlm; rlm;شداد أبو طلحة الراسبي rlm;عن rlm; rlm;غيلان بن جرير rlm; rlm;عن rlm; rlm;أبي بردة rlm; rlm;عن rlm; rlm;أبيه rlm; عن النبي rlm; rlm;صلى الله عليه وسلم rlm; rlm;قال: rlm;quot;يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم ويضعها على rlm; rlm;اليهود rlm; rlm;والنصارىquot;).
ولأن صحيح مسلم والبخاري يحتوي الأحاديث النبوية المتفق عليها، فإنه يعتبر بعد القرآن، ثاني أهم المراجع والمصادر التي يعتمد عليها ويستند إليها المسلمون السنة في تصريف حياتهم الدينية والدنيوية.
ولن أناقش هنا صحة نسب هذا الحديث للرسول محمد (ص). ولكني أريد أن أسجل بعض الملاحظات على عقلية، وطريقة تفكير، ورغبات بعض الناس المذنبين الآثمين، الذين يفرحون ويهللون لمثل هذه الأحاديث، ويتشبثون بها، كي يناموا قريري العين، مطمئني البال، أنه لن يصيبهم في الآخرة مكروه، رغم ما ارتكبوا ويرتكبون من ذنوب.

أولا
1- نفهم من هذا الحديث المنسوب للنبي (ص) أن بعض المسلمين يرتكبون من الذنوب ما هو أكبر حجما وأثقل وزنا من الجبال. وأن الله يرفعها عنهم، يوم القيامة، ويضعها على كاهل اليهود والنصارى.
2- كان من الممكن أن يكون مصير هذه الفئة من المسلمين في جهنم تكتوي بنارها، جزاء ما ارتكبت من الذنوب والآثام التي تفوق الجبال حجما ووزنا. لولا وجود اليهود والنصارى، الذين تحملوا وزر خطاياهم.
3- أي أن الفضل لدخول هذه الفئة من المسلمين الآثمين إلى الجنة، يعود لوجود اليهود والنصارى الذين سيتحملون، أو يحمّلهم الله ذنوب هؤلاء المسلمين، ويعاقبهم عوضا عنهم، ويدخلهم النار بذنوب غيرهم.
4- وهذا يعني أن وجود اليهود والنصارى هو ضرورة قصوى لمثل هذه الفئة من المسلمين، كي يتحملوا عنهم ذنوبهم. مما يستوجب منهم المحافظة بكل ما أوتوا من دهاء وقوة، على وجود اليهود والنصارى، وتشجيعهم على التكاثر والتناسل، والسماح لهم بالتبشير بدياناتهم، لتزداد أعدادهم، كي تتناسب طردا مع تزايد أعداد أولئك المسلمين المذنبين.
5- كما يعني هذا أن هذه الفئة من المسلمين ترى أن أعدل العادلين سبحانه وتعالى عما يتقولون، يأخذ قوما بجريرة قوم آخرين، ويدخل المذنبين الجنة، والأبرياء النار.
6- ومن حقنا هنا أن نتساءل: ماذا سيحل بهذه الفئة من المسلمين المذنبين الآثمين، وما هو مصيرهم في الآخرة، لو أن جميع اليهود والنصارى هداهم الله واعتنقوا الإسلام؟ من الذي سيحمل في هذه الحالة ذنوبهم عنهم؟ ومن سيكون البديل؟ وهل سيفتي بعض الشيوخ الذين يفتون هذه الأيام، حلا لهذه المعضلة، بجواز إحلال الوثنيين كالطاويين والهندوس والبوذيين، محل اليهود والنصارى، ليحملوا ذنب تلك الفئة الآثمة من المسلمين؟
7- ألن يكون من الأجدى والأثوب لهؤلاء أن يتقوا الله ويقيموا حدود الله ويلتزموا بكتاب الله وشرع الله، فلا يزنون ولا يسرقون ولا يكذبون ولا يغدرون ولا يغشون ولا يشربون الخمر، بدلا من أن يرتكبوا كل هذه الموبقات، ويبحثون عمن يحمل ذنوبهم عنهم؟ ثم ما هي أهمية حدود الله التي أنزلها في كتابه العزيز، في نظر هؤلاء القوم، إن كانت لن تصان ولن تحترم؟
8- إن قرقوش والظالمين وحدهم، هم الذين يأخذون البريء بجريرة المذنب. أما الله سبحانه وتعالى عما يفكرون ويتقولون، فإنه عادل، بل أعدل العادلين، يفرق بين الصالح والطالح، ويعطي كل ذي حق حقه. فكيف أمكن لهؤلاء القوم أن ينسبوا الظلم لله جل جلاله؟ وكيف سمحت لهم عقولهم، أن يتخيلوا ويتقولوا على الله، ويدعون أنه يعفو عن المذنب، ويعاقب البريء، ويصفونه ويتهمونه بما ليس فيه؟ أهكذا يرون الله، أم هكذا يريدونه أن يكون؟

ثانيا
ولا بد كي تكتمل لدينا صورة هذه الفئة من الناس أن نربط هذا الحديث بحديث آخر نُسب أيضا إلى النبي (ص). أراه مكملا، أو لازما، أو مفسرا للحديث السابق.
لقد ورد في تفسير الجلالين في هامش التفسير، توضيحا لما جاء في الآية (111) من سورة النساء ما يلي: (وروي في الصحيحين عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل فبشرني أنه من مات لم يشرك بالله شيئا من أمتك دخل الجنة. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال وإن زنى وإن سرق. قلت وإن زنى وإن سرق؟ قال وإن زنى وإن سرق. قلت وإن زنى وإن سرق وإن شرب الخمر؟ قال وإن زنى وإن سرق وإن شرب الخمر. وفي بعض الروايات- والكلام ما زال للجلالين- إن قائل ذلك إنما هو أبو ذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنه عليه الصلاة والسلام قال في الثالثة: وإن سرق وإن زنى وإن شرب الخمر رغم أنف أبي ذر/ تفسير ابن كثير ج2 /187).
وبالربط بين هذين الحديثين المنسوبين للنبي (ص) نستنج ما يلي:
1- إن بعض المسلمين لن يهتموا ولن يخافوا إذا خالفوا شرع الله وتعاليم الله ودين الإسلام، وزنوا، لأن الله سبحانه وتعالى عن الظلم، سيدخلهم جنات النعيم رغم ما فعلوا، ويعاقب اليهود والنصارى بدلا عنهم.
2- إن بعض المسلمين سيحللون ما حرم الله، ويسرقون جيرانهم وإخوتهم المسلمين، طالما أن الجنة مضمونة، وطالما أن الله قادر أن يجد من يوقع به العقوبة بدلا عنهم. وهم اليهود والنصارى، رغم أنهم لم يرتكبوا ذنبا ولا إثما.
3- إن بعض المسلمين يخالفون كتاب الله وأوامر الله، ويشربون الخمر وتضيع عقولهم ويسكرون، دون أن ينالهم أي عقاب، لأن هناك من سيعاقب بدلا عنهم.
4- الزناة واللصوص والسكيرون الفاسقون من المسلمين يدخلون جنات النعيم. واليهود والنصارى يدخلون عوضا عنهم إلى الجحيم.
5- ألا يعنى هذا أن اليهود والنصارى كالجندي المجهول، أو أنهم كبش فداء لهذه الفئة المذنبة الآثمة من المسلمين، أي أنهم مظلومون في الدنيا، ومظلومون في الآخرة، خاصة أولئك الذين اتقوا ربهم وساعدوا غيرهم وعملوا صالحا؟
6- إن إشاعة هكذا أحاديث، وتنسيبها إلى النبي (ص) يجعل بعض المسلمين لا يقيمون وزنا لقيم الخير والشر، والحلال والحرام، فيزنون ويسرقون ويخمرون، ويجرون وراء شهواتهم التي حرمها الله، طالما أن هناك من سيتحمل وزر ذنوبهم، وطالما أنه لا عقاب لهم ولا هم يحزنون، بل سيكافؤون بجنات النعيم.
7- إن نشر وتعميم هكذا مفاهيم، ترسخ قناعة مفادها، أن المرء يكفيه كي يدخل الجنة أن ينتسب إلى الإسلام، دون أن يؤمن به ويلتزم بتعاليمه. وإلا فكيف يستحل مسلم مال أخيه وجاره المسلم فيسرقه دون أن يعاقبه الله على فعلته؟ وكيف يزني ويخمر خلافا لشرع الله وما أنزل الله، ولا ينال جزاء ما ارتكب؟ ولماذا يتحمل ذلك اليهودي والنصراني ذنب ذاك الزاني السارق الفاسق السكير؟ وهل يأخذ الله قوما بجريرة قوم آخرين؟ ألم يقل سبحانه ويؤكد في خمس سور: (ولا تزر وازرة وزر أخرى- الأنعام 164 ndash; الإسراء 15 ndash; فاطر 18 ndash; الزمر 7 ndash; النجم 38).
لقد أرضى الله سبحانه وتعالى الناس، بعقولهم، فكل امرئ مهما بلغ من الجهل، ومهما اختل عقله أو نقص، فإنه يظن عقله أكمل العقول، ويخال نفسه أفهم البشر، وأعقل العاقلين.
ولله في خلقه شؤون، ويقضي سبحانه بما يشاء.
[email protected]