ليس في أستطاعة الأردن التساهل في موضوع الأمن، خصوصاً مع حركة مثل quot;حماسquot; ليس معروفاً ما هي أجندتها بأستثناء أنها تسعى الى أدامة حال اللاحرب واللاسلم في المنطقة، وهي حال تتطلب أن يبقى الشعب الفلسطيني وقوداً صالح للأستخدام في معارك وصراعات أقليمية لا تفيده في شيء على الأطلاق. والواضح أن الأردن الذي لم يتردد دوماً في دعم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، لا يحتاج الى شهادة في الوطنية لا من quot;حماسquot; ولا من غير quot;حماسquot; التي عليها قبل كل شيء الأستفادة من المواقف التي أتُخذت من وزير الخارجية الفلسطينية الدكتور محمود الزهار، أكان ذلك في القاهرة أو في عمان كي تعيد النظر في مواقفها بدل متابعة حملة المزايدات التي لا يمكن أن تقود الشعب الفلسطيني سوى الى كارثة جديدة.
قبل كل شيء، ليس من تقاليد السلطات الأردنية توجيه أتهامات الى أي جهة في غياب أمتلاكها أدلة دامغة تدعم هذه الأتهامات. فالأردن ليس دولة من عادتها الأعتداء على الآخرين. على العكس من ذلك سعى ألأردن بأستمرار الى رد شر الآخرين عنه. أكثر من ذلك، لقد تحمل الأردن الكثير والكثير من أجل المحافظة على الحقوق العربية في مواجهة المزايدين الذين أعتقدوا يوماً وما زالوا يعتقدون أن فلسطين تُستعاد بواسطة الخطب الرنانة ليس ألا.
ما يفترض في quot;حماسquot; أن تفعله حالياً في ضوء تأجيل زيارة الزهار الى الأردن أثر أكتشاف أسلحة مرسلة الى البلد، التفكير ملياً في أستراتيجيتها وفي ما أذا كان من مصلحتها الدخول في لعبة المحاور الأقليمية. وبكلام أوضح، ليس أمام quot;حماسquot; سوى أعادة النظر في مواقفها وسياساتها من زاوية أن العودة عن الخطأ فضيلة وأن أستعداء العرب الحريصين فعلا على مصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه لا يصب سوى في مصلحة الأحتلال الأسرائيلي. هكذا بكل صراحة وبساطة، من يهاجم الأردن والعرش الهاشمي يضع نفسه من حيث يدري أو لا يدري في خدمة أسرائيل، لالشيء سوى لأن الأردن من البلدان القليلة في المنطقة التي عملت من أجل القضية الفلسطينية ومن أجل خروج الشعب الفلسطيني من محنته... ومن أجل الخروج من حال اللاحرب واللاسلم والأنتهاء من الأحتلال.
لا شك أن quot;حماسquot; تتعرض لحملة ظالمة مصدرها أسرائيل والأدارة الأميركية، ولا شك أن الشعب الفلسطيني أنتخب ممثلي quot;حماسquot; في المجلس التشريعي بشكل ديموقراطي، ولا شك أن المساعدات يجب أن تستمر خصوصاً المساعدات العربية، ذلك أن ليس من الأنصاف أن يُعاقب الشعب الفلسطيني على ممارسته الديموقراطية. ولكن لا شك في الوقت ذاته أن على quot;حماسquot; التصرف بشكل مسؤول بعدما أستطاعت تشكيل حكومة فلسطينية نتيجة سيطرتها على المجلس التشريعي. ولعل الخطوة التي على quot;حماسquot; الأقدام عليها التساؤل لماذا هذا الموقف الأوروبي السلبي من الحكومة الفلسطينية؟ هل الحق كله على أوروبا، أم أن الحركة تتحمل جزءاً من المسؤولية بسبب رفضها التعاطي مع الواقع وأستمرارها في الرهان على الأوهام؟ كيف يمكن لحكومة فلسطينية تعرف جيداً أنها نتاج أتفاق أوسلو التنكر للأتفاقات التي توصلت اليها السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية؟ ألا تدرك quot;حماسquot; أن المساعدات التي يقدمها العالم، في مقدمه أوروبا، للشعب الفلسطيني، تعتبر تتمة منطقية للأتفاقات الدولية وترجمة لها؟
يخشى أن يقود الخطاب السياسي الحالي لquot;حماسquot; الشعب الفلسطيني الى كارثة جديدة، خصوصاً في غياب أي رغبة في أجراء عملية نقد للذات في العمق تبدأ بكيفية التعاطي مع دولة مثل الأردن تشكل العمق الأستراتيجي الحقيقي لفلسطين وتنتهي بكيفية التعامل مع أوروبا. يكفي ما فعله الأردن من أجل فلسطين والفلسطينيين، يكفي أنه وضع اللبنة الأولى لبناء الدولة الفلسطينية المستقلة عبر قرار فك الأرتباط بالضفة الغربية الذي أتخذه الملك الحسين، رحمه الله، صيف العام1988. لقد رسم هذا القرار ما يفترض أن تكون عليه حدود الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف. حرام أن تُضيع quot;حماسquot; البوصلة وأن تعيد القضية الفلسطينية سنوات الى خلف رافضة الأستفادة من التراث النضالي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
ما يحصل حالياً أقرب الى مأساة من أي شيء آخر. هل من مأساة أكبر من أن يعتبر رئيس المكتب السياسي لquot;حماسquot; السيد خالد مشعل أن المقاومة تتمثل في التغطية التي توفرها حكومة quot;حماسquot; لما يسميه العمليات quot;الأستشهاديةquot; على غرار العملية الأخيرة التي وقعت في تل أبيب وأعلنت quot;حركة الجهاد الأسلاميquot; مسؤوليتها عنها؟ هل يمكن أن تبلغ درجة الغباء بquot;حماسquot; الأفتخار بمثل هذه العملية التي أستهدفت مدنيين والتي لم تستفد منها سوى أسرائيل؟
يخشى أن يكون تعطش quot;حماسquot; الى السلطة وراء تصرفاتها الأخيرة ووراء رفضها أخذ مصالح الشعب الفلسطيني في الأعتبار. ذلك، أن ما تقوم به الحركة دعوة صريحة الى عزل السلطة الوطنية الفلسطينية وحتى منظمة التحرير الفلسطينية على الصعيد الدولي، بل هو دعوة صريحة الى أسرائيل من أجل متابعة مشروع رسم حدودها من جانب واحد وتكريس الأحتلال لقسم من الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشريف بموافقة الولايات المتحدة وأوروبا ومباركتهما. لو لم يكن الأمر كذلك، لكانت quot;حماسquot;عملت على الأنطلاق بالعمل الفلسطيني نحو آفاق جديدة مع الأستفادة من القدرة على تجاوز الفساد الذي غرقت فيه السلطة الوطنية الفلسطينية في السنوات الأخيرة. هل كثير أن يُطلب من quot;حماسquot; أعتماد التروي ورفض الأساءة الى هذه الدولة العربية أو تلك ورفض أن تكون أداة في المحور الأيراني- السوري؟ ربما لا بد من فهم ما يجري في ضوء أن لا وجود لquot;حماسquot; واحدة، بل هناك أجنحة لكل منها أجتهاداته وأرتباطاته، أجنحة لا يجمع بينها سوى الرغبة في الأستحواذ على السلطة أي سلطة حتى لو كان ذلك عن طريق أنشاء ميليشيا جديدة في غزة تضم مقاتلين من فصائل مختلفة.
المؤسف وسط كل ما يجري أن الشعب الفلسطيني يدفع الثمن، هذا الشعب الذي لن يستفيق سوى على كارثة جديدة أو نكبة جديدة لا فارق، ما دام ليس هناك من يريد أن يستوعب أن الخطب الحماسية ليست سياسة، اللهم الا أذا كان المطلوب مزيد من التضحيات الفلسطينية خدمة لهذا المحور الأقليمي أو ذاك لا أكثر ولا أقل.