فنتازيا عربية

قد يُصعب تحديد العدو بالنسبة للامة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة !! . فإن كانت اسرائيل تأتي على رأس الأولويات في هذا المجال، وامريكا لا تقل عنها اولوية، فإن الاستعمار والامبريالية ما زالا يلاقيان نفس الصدى والتألق الذي ساد منذ عقود... فعلى الرغم من ان الاستعمار قد انتهى من الوجود منذ زمن بعيد ـ وحتى اصحابه نِسيوه ـ إلا انه مازال معشعشاً في نوافخينا، ويظهر في خُطبِنا، ويلاك على الالسن ليل نهار، على الرغم من ان الاجيال الحالية لا تعرف معناه... وعلى الرغم من ان مصطلح الإمبريالية لم يعد له وجود، إذ أن من صنعوه وروجوه وعاشوا عليه ردحاً من الزمان، قد اندثروا وتفككوا وتحللوا وبالتالي تخلوا عنه، لكنه على الرغم من ذلك ما زال سائداً عندنا ويزداد تألقاً ولمعاناً يوماً بعد يوم، وكلما ظهرت لنا مصيبة أو خيبة، انزلناه وعلقناها عليه وكفى الله المؤمنين القتال، (طبعاً يشاركنا في ذلك عمنا كاسترو وقريبه شافيز وبتاع كوريا الشمالية).

وبالنسبة لإسرائيل، فقد كان سلاحنا الفاتك ضدها، هو تلك الاسلحة المتطورة الناجزة من امثال القسام 1 والقسام 2 وبقية القساسيم، بالإضافة الى التفخيخ والتفجير. وهذه هي الاسلحة التي ارعبت شارون وامثاله، ووضعتهم في مأزق، وجعلتهم يطلبون الحماية الدولية، و(يستخبون) خلف الاسوار، واخيراً شارون هرب من الحلبة بحجة انه (مغَيْبِب).
اما بالنسبة للإمبريالية والاستعمار فقد انبرى لهما الكثيرون من اشاوسنا واشبعوها خطباً عصماء وهتافات بكماء ومظاهرات هوجاء، وهكذا جندلناهما (أي الامبريالية والاستعمار) وانتهينا من امرهما.
ولكن العدو الاخطر والاكبر هو ذلك الذي ظهر بيننا، محاولاً كسر غيبوبتنا، وايقاظ غفوتنا، وارجاع عقلنا الذي اختفى منذ عقود !! وهذا هو اساس الخطورة التي تهدد وجودنا وتزعج غفوتنا ونومنا. فماذا اعددنا لهذا العدو الجديد ؟ وماهي الاسلحة التي صنعناها له ؟ فإن كان منطقنا عاجزاً وحُججنا ـ التي تعودنا الركون اليها والإتكاء عليهاـ واهية ويمكن تفنيدها بسهولة عند المواجهة (خاصة وقد انكشف الغطاء عن الكثير من هلامياتنا)، فإننا قد اخترعنا اسلحة فاتكة وحاسمة تبعدنا عن مثل هذه المواجهات، وتقينا شر الدخول في متاهات ومكاشفات، وتقفل باب النقاش.
من هذه الاسلحة، سلاح (كلمة حق يراد بها باطل). فما من احد يشير الى مصيبةعندنا ويواجهها بعقل مفتوح ومنطق معقول ـ بعيداً عن تهريجنا ـ ويفضح جهلنا بحجج وبراهين دامغة، ولا نستطيع محاججته ومواجهته، إلا ورفعنا في وجهه سلاح: (كلمة حق يراد بها باطل)، وبهذا نؤكد بأننا، لا نقع في الخطأ فحسب، بل اننا نصر على الاستمرار فيه ونقول لمن يحاول تنبيهنا واخراجناانك باطل. يتكرر هذا في كل موقف وكل زنقة، حتى اختلطت الامور في ادمغتنا وصرنا لا نعرف ما هو الحق من الباطل. وسلاح آخر وهو كلمة: أيُّ او أيَّةُ، فما من احد يدعو لشئ ايجابي ومنطقي وعقلااني، إلا والقينا في وجهه قفاز (ايُّ). فمثلاً ذلك الذي يطالب بالديموقراطية، نقول له: ايُّ ديمقراطية!! ديمقراطية ابوغريب وغوانتنامو؟ واذا طالب احد بالحرية، شخطنا في وجهه: ايُّ حرية!! ... حرية زواج المثليين؟ تكرر هذا الهروب من الديمقراطية والحرية، ويتكرر باستمرار حتى صرنا نفهم ان الديمقراطية رجس من عمل الشيطان لا ينتج إلا غوانتنامو وابو غريب، اما الحرية فهي الشيطان نفسه الذي لا ينتج إلا زواج المثليين !! وهناك سلاح اكثر خطورة وهو سلاح:(كلام خطير)، وهذا سلاح جديد، موجه لاؤلئك الذين يحاولون اخراجنا من غفوتنا وغيبوبتنا. فإذا تجرأ احدهم وانتقد رمزاً من رموزنا او هبش احدى رواسختا، نقول له: كلام خطير، وهذا لا يعني اننا نقفل باب النقاش وحسب، بل يعني اننا سوف نحيل اوراقه الى لجان التفتيش ان لم يكن الى المفتي.. و...و... وقفل باب النقاش.

كاتب سوداني