تدخل العملية السياسية في العراق في مرحلة جديدة تفتح افاقا جديدة وتضيف خبرة جديدة للقوى الفاعلة يمكن اجمال محورها quot;من اجل الوحدة الوطنية العراقية ونبذ الطائفيةquot;. فهذه مقدمات اساسية لتعزيز السيادة الوطنية والانتقال الى عراق جديد، عراق يقوم فيه الحكم على اساس القانون والدستور ويضمن حقوق كافة مكونات الشعب العراقي. خطوة نحو الامام.والى جانب الارهاب والاحتلال والقتل اليومي وتدهور الأمن والاقتصادي ينهض الان على انقاض الوطن العراقي مواطن واعي وحر وشجاع لن يسمح لأية قوة اوحاكم مستبد بعد الآن إن تنتهك حقوقه ويتلاعب بمصيره. انه امل المستقبل رغم ان عوده مازال ضعيفا.

ان تجاوز ازمة تشكيل الحكومة الجديدة التي وضعت البلد على شفا الحرب الأهلية، والتفاهم على توزيع المناصب الرئيسية بين القوى الفائزة في الانتخابات البرلمانية كان مخاضا عسيرا. المرحلة فتحت أُفقا جديدة أمام العراق، وعلى القوى السياسية النشطة في العملية السياسية الاستفادة منه وتحقيق تطلعات الشعب العراقي. إن ما يبعث الأمل ان الصراع السياسي حُل بأسلوب الحوار، وما ينطوي على أهمية اكبر، إن الحوار بين القوى ظل في إطار المشاورات، وتقديم القوى التنازلات المتبادلة، ولم يتحول إلى حوار بالبنادق. لقد أتقن العراقيون درسا تاريخيا كبيرا في حل الخلافات بالطرق السياسية وليس بالاقتتال، ونعقد الآمال على ان تظل القوى ملتزمة بهذا الأسلوب. والمؤشر الإيجابي الآخر يتمثل بانخراط قوى كانت قد قاطعت العملية السياسية في حكم الدولة.

ان هذه سيفقد قوى الإرهاب العديد من الأوراق.في ان أمام القوى المشاركة في مؤسسات الدولة الجديدة( الحكومة والبرلمان والرئاسة) مسؤولية كبيرة بالبدء في معالجة العديد من الملفات الساخنة وفي مقدمتها الملف الامني وتدهور الأوضاع في العراق والبدء في عملية الإعمار والبناء لكثير من المرافق الحيوية واعادة الحياة الى الخدمات خاصة إصلاح الطرق والكهرباء والمياه وخلق مناخ من التفاؤل يجعل كل عراقي يأمل بمستقبل واعد لبلده ولكل العراقيين .الاوضاع بحاجة الى تضافر كل الجهود من اجل إنهاء المشكلات التي يعيشها البلد ورص صفوف القوى المؤمنة بالطريق السلمي للعملية السياسية حتى يمكن الحديث عن انسحاب القوات الأجنبية. وبداية مرحلة جديدة قوامها الاستقرار والتعايش السلمي بين كل مكونات المجتمع العراقي.المطلوب ألان من الناحية السياسية تغليب المصلحة الوطنية على كل المصالح الذاتية، وهذا يتطلب تضحيات بكل الأشياء المؤقتة والتي لاتخدم العراق في هذه المرحلة ولا في المستقبل.

الوضع يتطلب بالدرجة الاولى توافق القوى السياسية والعمل فريقا واحدا لمجابهة الخطر الأكبر المتمثل بالإرهاب. الذي حصد ويحصد يوميا ارواح أبناء شعبنا الأبرياء، وكأن هناك مؤامرة تهدف لإبادة للشعب العراقي. الجميع يعرف دور التكفيرية الفاشية في هذه قتل العراقيين.

ان القوى والشرائح والنخب التي كانت منتفعة من النظام السابق وربطت مصيره به، والتي صب تركيبة دولة اللاقانون في مصالحها هي التي تسعى لعرقلة العملية السياسية بالسلاح. وقد حصلت هذه القوى الدعم من شبكات الإرهاب والتطرف التكفيري الفاشي، التي لبست ثوب الاسلام والقومية. لقد التقت مصالح هذه القوى في العراق. إن سلاح هذه القوى وِجه على الأغلب ضد الشعب العراقي. وهذا ما تكشفه المقارنة بين عدد الضحايا من المدنيين العراقيين ومن بين قوات التحالف.

ان ممارسات هذه القوى التي يحلو للبعض بتسميتها قوى المقاومة هي التي تعمل على إطالة اجل بقاء القوات الأجنبية في العراق، وهي التي تستفز القوى الأجنبية وقوى الامن العراقي لجرها في معارك خاسرة في المناطق السكنية من اجل إلحاق الأذى بالمدنيين، وبتدميرها البُنى التحتية للاقتصاد بما في ذلك النفط والكهرباء فأنها تعمق الأزمة الاقتصادية والوضع المعيشي المتردي لأغلبية أبناء الشعب. ان دافع هذه القوى لاتحرير العراق كما تدعي، بل العودة السلطة وفرض نظاما فاشيا، واعاقة بناء عراق جديد على اُسس عصرية ومتحضرة ، وهي تدرك ان تحقيق هذه الأهداف، التي يلتف حولها غالبية ابناء شعب العراق لا يمكن إلا في ظل الأمن والسلام. لا اعتقد إن هناك خلافا بين العراقيين حول ضرورة وحتمية إنهاء الوجود الأجنبي في البلاد، ولكن ليس بالضرورة بلوغ هذا الهدف بالعمل المسلح. ان إقامة قوات امن وقوات مسلحة وطنية واستعادة الدولة لحضورها وهيبتها واعادة بناء الاقتصاد وسيادة الامن وحماية الحدود ستكون عاملا رئيسيا بالطلب من الدول الاجنبية اخراج قواتها من العراق. لقد اريق الكثير من الدم العراقي، وليست ثمة حاجة لاراقة المزيد، اضافة الى ان ميزان القوى العسكرية لايصب في صالح العراق.

ان انجع سبيل لخروج العراق من محنته هو تطور العملية السياسية في أجواء سلمية، ان إشعال الحروب والفتن لا تتخدم العراق ولا تساعد على بناء دولة جديدة، ومن الناحية السياسية والجيو سياسية بعيدة الافق ليس من صالح العراق خروج القوات الاجنبية مهزومة ومهانة. فالعراق الدولة التي تعيش على الأنقاض التي خُربت مرافقها الحيوية بحاجة ماسة للمساعدات الأجنبية وتجنب المواجهة مع أية قوى كانت إقليمية او دولية.

إن السنوات الثلاث الماضية خلقت من دون شك شعور الإحباط واليأس لدى قطاعات واسعة من ابناء شعبنا فهناك بون شاسع بين الامال التي عُقدت على مرحلة ما بعد النظام الدكتاتوري وما يدور اليوم في العراق. ان القوى السياسية التي استلمت السلطة لم تكن مؤهلة لذلك بالشكل الكامل، ولم تبرهن على انها القوى البديلة والحجر الأساس لبناء عراق جديد. وكانت ضعيفة في معالجة المشاكل والتصدي للارهاب والجريمة ورفع المستويات والخطأ الأكبر الذي ارتكبته هو إقصاء الجماهير عن العملية السياسية وتحولها الى كيان غريب عن الجماهير.وانتشرت في غضون ذلك مظاهر المحسوبية والمنسوبية والفساد الحكومي والسعى للاثراء الفاحش بسرقة أموال وممتلكات الدولة، وإهمال وضع الجماهير.

إن المفارقة الكبرى تكمن اليوم في أن القوى السياسية تريد بناء عراق جديد بوسائل قديمة. ان الخيار الديمقراطي لا ينحصر فقط بإجراء الانتخابات بل بإطلاق الحريات الفردية العامة حرية الفكر والعقيدة والكلمة حرية المرأة وضمان حق المعارضة ونشاطها بحرية. ان الفادحة الكبرى تتمثل بان التحول نحو عراق جديد اخذ طابعا طائفيا، وان القوى المستفيدة وقوى الإرهاب سعت وتسعى الى تحويل الصراع بين ابناء الشعب الواحد الى صراع بين الشيعة والسنة وهذا ضد التاريخ. ان شعور الشعب العراقي بعمق وحدته وتلاحم حذوره سوف تفوت على القوى الشريرة بلوغ أهدافها. وتقوم قوى الظلام والشر من كافة الاطراف يوميا بجرائم بشعة تهدد بتفجير الوضع تحقيق هدف اعداء العراق بإشعال الحرب الأهلية. والى جانب الأخطاء الفاحشة التي ارتكبتها أمريكا في العراق، هناك عامل لايمكن نكرانه يترك ايضا تداعيات سلبية على الوضع العراقي واقصد به تدخل دول الجيران، ومع الأسف ليس من منطلق حسن الجوار وشد ازر العراق ومساعدته لتجاوز محنته بل من اجل تحقيق أغراضها، وتأليب قوى ضد قوى أخرى وتصفية حساباتها والدفاع عن مصالحها.

ومن الأسباب التي تضفي تعقيدا على الوضع جود ما يسمى بالمليشيات المسلحة لدى العديد من القوى السياسية، وتفرض هذه المليشيات نفسها في المدن والمناطق السكنية نظامها وتخضع أجهزة الدولة لها وتتعامل بتعسف مع المواطنين وتحرمهم من ممارسة حقوقهم. انها دولة في دولة وبقاءها يهدد أمن العراق.
ولا ينبغي ان يفهم ما يجري في العراق على انه مجرد الإطاحة بنظام ديكتاتوري، ان مايجري هو ثورة جذرية بكل معنى الكلمة واذا ما حالفها النجاح فان نتائجها ستنتشر لعموم المنطقة، ولكن التعقيدات التي تحف بمسيرتها ناجمة عن انها ثورة جاءت من الفوق، وتتطلب مشاركة الجماهير اكثر وليس حصرها بالذهاب بين فترة وأخرى لصناديق الاقتراع. ان ما جرى في العراق هو تغيير طبيعة الدولة التي تشكلت بصورة غير عادلة ومشوهه على يد الاحتلال الإنجليزي خدمة لمصالحه، أن ما يجري في العراق هو تصحيح الخطأ التاريخي ووضع البلد في المسار الصحيح.وما يتوجب على القوى الواعية الا دعم العملية السياسية من اجل تطويرها، ان الأنظمة الديكتاتورية لاترحل بطواعية وعادة ما تشعل الحرب والنزاعات بعد انهيارها، وهذا ما يجري في العراق. العراق ألان ساحة حرة وأُفقا مفتوحة للتطور، وانه بانتظار تشكل وصعود قوى جديدة قوى تجمع الجماهير على أساس المصالح المشتركة والحيوية لا على اساس الانتماء الطبقي والعشائري والقومي وانما على أساس الانتماء للوطن. لبناء دولة تخدم المواطن.ووضع الاساس الصلب للنهوض على انقاض الوطن العراقي.