يقولون ان الطائفية طاعون يستشري في أنسجة الاحزاب والتنظيمات السياسية العراقية ويتفشى ايضا في عروق كل كيان وهيأة ومؤسسة في عموم البلاد.. وُيلقي كل طرف باللوم على طرف او اطراف اخرى بنقل هذا الداء المستعصي الى جسد الحياة السياسية العراقية. كما يؤكدون ان البلسم الشافي لهذا المرض يكمن في تشكيل حكومة (وحدة وطنية) تنأى بنفسها عن كل الانتماءات والارتباطات المذهبية والطائفية والمناطقية والعشائرية التي كانت السبب في تمزيق فكرة المواطنة العراقية، وتنبري لخدمة المواطن العراقي دون تمييز. لكنهم أخفقوا في تقديم تعريف واضح لمفهوم الطائفية ومن هو الطائفي .. فهل ان التهمة تُسقط عن الشيعي لو تبرأ علناً من انتماءه المذهبي او اعتمر السني عمامة سوداء او أصبح لسان الكوردي تركيا او تحدث التركماني بلهجة أهل الفرات وأخذ غير المسلم يؤدي فروض الصلاة في مسجد او حسينية؟
لقد انتخب اكثر من نصف نواب البرلمان رئيسهم ونائبين كما جرى انتخاب رئيس للجمهورية ونائبين له وتسمية رئيس للوزراء وتكليفه بتشكيل حكومة خلال فترة حددها الدستور.. وسيقوم رئيس الحكومة المكلف بمشاورات مكثفة لأختيار أشخاص مؤهلين لشغل المناصب الوزارية.
ومن غير الممكن .. بل من المستحيل ان يجري اختيار وزير من دون ان يستدل الجميع مباشرة على انتمائه لمنطقة او عشيرة او مذهب او دين.. فهكذا هو العراقي.. مكتوب في هويته اسمه الثلاثي ومحل ولادته ودينه.. فيما يرمز الحرف الملاصق لرقم شهادة جنسيته العراقية على انتمائه المذهبي.. وهذا هو واقع الحال. من أين يأتي رئيس الوزراء المكلف .. وكذلك الوزراء فيما بعد .. بأشخاص ذوي صفحات بيضاء خالية من كل هذه التصنيفات المألوفة لدى العراقيين لكي يكونوا مقبولين لدى كل العراقيين وخصوصا (النباشين) في الاصول والاعراق والانتماءات؟
لا بد ان يكون العراقي من دين ومذهب أبيه واجداده.. ومن عرق آبائه واجداده.. ولا يستطيع تغيير انتمائه أو الغائه تماما ارضاءا للغير بجرة قلم. فلو اختار السيد المالكي، رئيس الوزراء الجديد، كاتب هذه الاسطر ليكون وزيرا لهرع النباشون وفي مقدمتهم وسائل الاعلام العربية والغربية للبحث عن أصله وفصله وتحديد انتمائه الديني والمذهبي والعرقي والسياسي.. قبل محاولة معرفة مؤهلاته وقدراته الاكاديمية والادارية والفنية ومدى ملاءمته لآشغال واحد من مناصب المسؤولية العامة. من المؤسف ان معيار الوطنية في عراق اليوم هو الانتماء لحزب او تيار سياسي من الاحزاب او التيارات ـ العلنية منها والسرية ـ الناشطة في الساحة العراقية، وبعكسه فان ذلك المواطن اللامنتمي (ذا الخلفية البيضاء) يبقى مهمشا محروما من فرص التنافس الشريف في شتى الميادين في هذا العراق الجديد.
المطلوب من رئيس الوزراء الاسراع في تسمية وزرائه اعتمادا على مبدأ الافضلية للاكثر كفاءة وليس ارضاءا للذين يريدون خمسة من هذا اللون وستة من هذا النوع وسبعة من هذا الصنف وهكذا.. فالعراقيون لا يستطيعون الانتظار اكثر مما مضى وضجروا من الصاق تهمة الطائفية جزافا بهذا وذاك، ويريدون اقامة دولة مؤسسات متينة لا تتغير كل اربع سنوات مع تغيير السلطة التنفيذية وأشخاصها.. ويكفي تهميشا لمفهوم المواطنة العراقية وتشويها وتقويضا للعملية السياسية ولمرتكزات البناء الديمقراطي.
التعليقات