عندما تكون على مساحة فرسخ عن سوق الأسهم، بحيث تطل من بوابة المشاهدة، وتدخل عليه من ممر القراءة والرصد، تستطيع أن ترى عالي الأمور وسافلها، في حين أن المضارب لا يرى إلا المصائب أو المكاسب، ولا يُحسن الجمع بينهما!
من هنا يمكن أن يكون المضارب مثل quot;أم العروسةquot; مشغولة وفاضية في ذات الوقت، الأمر الذي يجعل الأمور في ناظريها ضبابية المعالم، وزئبقية الملمس، كأنها رؤوس الشياطين، المنبثقة من رؤوس الأموال، ورؤوس الهوامير!!!
وكل مضارب- يعيش في محنة هذه الأيام... والمتنبي شيخ الشعر العربي يقول:
يُقضى على المرء في أيام محنته
حتى يرى حسناً، ما ليس بالحسن!
وصاحب السطور- بوصفه مراقباً وليس مشاركاً، كغيره من المحايدين ينظرون بعين البحث والرسم، في حين أن المضارب يرى بعين الأماني والتوقع والأحلام، وكل النظرات التي تنطلق في هذه الأماكن تتيه في وادي الظنون وتلتهمها حاويات الكلام الفارغ!
ولو أراد المراقب- لا المضارب- أن يتلمس quot;المعالم في طريقquot; الأسهم، وإحداثاتها التي حُفرت في جبين المجتمع، لأمكن أن يصل إلى تسمية السوق بـquot;سوق الأسهم المتطرفquot; ولا أظن أن سوق الأسهم يختلف كثيراً عن التدافع الذي يحصل حول الجمرات كل عام في موسم الحج!
فعقلية المساهم هي عقلية الحاج، إذ كل منهما يفكر بنفس الطريقة، ويتحرك عبر محركات بحث واحدة تتخذ من التنقل من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار!!!
إن تدافع على الأسهم، يعكس قلة الخبرة، وغياب أخذ العبرة، هما ما يجعل السوق أشبه بطائرة مخطوطة لا أحد من quot;الركاب أو الهيئةquot; أين سيتجه بنا الخاطف quot;السوقquot;!
كما أن الحجاج يتدافعون، ولا يعلمون إلى أين سيؤدي بهم هذا التدافع، فالمضاربون يتزاجمون على أبواب بعض الشركات ولا يعلمون أين سيصطع النور الذي في أخر النفق!
والناس- بكل فئاتها- تتسأل عن الهبوط، وتستعجب من الخسائر مع أن المنطق يقول أن التساؤل والعجب يجب أن يتجها إلى الصعود وأسبابه والمكاسب ومبرراتها!!! لأن السوق- وفق هذه الحالة مثل حالة أبو العتاهية مع حبيبته التي استغربت مرضه فقال:
تعجبين من شقمي
صحتي هي العجبُ!
إذا السؤال، كيف ربح السوق quot;الصحةquot;، وليس لماذا خسر quot;المرضquot;، لأن الارتفاع كان غير مبرر، فكيف نخترع تبريراً للهبوط.
عندما يدخل كل الناس في تجارة quot;ماquot;، وكلهم يكسبون، هذا يعني أن الخاسرين هم الشياطين من العوالم اللامرئية، الأمر الذي يؤكد أن الأرباح جاءت من مفاهيم معنوية، ورؤوس أموال رمزية، لا أحد يعرف مسمياتها، وإن كان الكل يعرف أسماؤها.. مفاهيم مثل quot;البركةquot; وquot;التوفيقquot; وquot;حسن الطالعquot;، وquot;دعاء الوالدةquot;، وquot;فعل الخيرquot;!!!
لهذا يجب على المحللين أن يفسروا الخسائر بنفس المنطق، لأن مفهوم المخالفة في أصول الفقه يحتم علينا أن نبرر الخسارة بنفس تبرير الأرباح، فلا مفر من القول أن الخسارة بسبب quot;إرتكاب الذنوبquot; quot;وكثرةالمعاصيquot;، والإبتعاد عن الله، وquot;عدم الإحتكاك بالعلماءquot;، وتفشي quot;الرباquot;، خاصة ونحن نقّسم الأسهم إلى قسمين هما (أسهم نقية، وأسهم غير نقية) مثلما قسّم آخرون (دار إسلام، ودار كفر) ومحور (شر وآخر خير)!!!
ولن ينسى المراقب القرار القاضي بمنع المقيمين من الذين كفروا، أو لنقل إخراج المشركين من المضاربة في شركتي مكة وطيبة الأمر الذي يستوجب على الفقهاء الإفتاء في حكم من إرتد ولديه آلاف الأسهم في هاتين الشركتين، حسناً ما مصير هذه الأسهم quot;بعد الردةquot; هل تحرق؟ أم تتلف؟ أم تسحب؟ أم تستبدل؟!!!
وإن نسي المراقب فلن ينسى الربط بين ظاهرة الإرهاب وظاهرة المضاربة بالأسهم، إذ كلاهما ضربٌ ومناورة وإقدام ومجازفة وتوجس ومراقبة، وإن كان الإرهاب قد عطل بعض إنسياب الحركة وسلاسة المرور وبساطة العبور فإن المضاربة بالأسهم بالجهة الأخرى قد عطلت بعض جوانب النمو وأوقفت بعض الأنشطة، وزاحمت بعض جوانب التنمية الأخرى، كما يؤكد ذلك الشيخ الفاضل عبد الله بن منيع.
فالحداد ترك ورشته، والمعلم فر من مدرسته، والموظف هجر مكتبه، وسائق التكسي ترك البحث عن رزقه، والمرأة العاملة ولت من عملها، وربت الأسرة أهملت منزلها، وإعتكف كل هؤلاء أمام الشاشة محدقين أمامها وقارئين لمؤشراتها، يدفعهم حلم الثراء السريع، والغنى المفاجىء، فالأسهم كما هي في وضعها الراهن تجعل الفقير يمسي غنياً والمسكين يصبح ثرياً.
كما لا ينسى المراقب أن أحد الظرفاء شبه كبير المسئولين في هيئة سوق المال، بأنه يشبه أمير المؤمنين الملا عمر quot;لا رد الله غربتهquot; ووجه الشبه أن كلا الرجلين يُصدر القرار دون أن تظهر صورته في الإطار!!!

[email protected]