كثيرًا ما يتشدّق العروبيّون والإسلاميّون ومن لفّ لفّهم من الّذين في قلوبهم زيغ، رافعين أصواتهم بتهليل الإرهاب الفاشي المتفشّي في بلاد العربان وأصقاع شتّى من العالم بدعوى مقاومة الاحتلال حينًا، أو بدعوى الغزو الصّليبي والثّقافي في أحايين أخرى، وما إلى ذلك ممّا قد تفيض به قرائحهم من ذرائع يستسيغها السّامع من أبناء جلدتهم.
ولكن، ومهما حاول هؤلاء أن يفتوا بجواز هذه الأعمال الإرهابيّة، إلاّ أنّ فتاواهم ودعاواهم، ومهما علا ضجيجها كتابةً أو إسماعًا، فلا يمكن أن تصمد أمام أيّ قراءة عبر مرآة الأخلاق الإنسانية. قد يكون صحيحًا أنّ القانون الدّولي ، بل والمنطق البشري، يجيزان مقاومة المحتلّ، غير أنّ المحتلّ هو أمر معروف ومحدّد أيضًا في الأعراف الدّوليّة والبشريّة، مثلما أنّ طرق ووسائل قتاله، والأهداف المستهدفة في مقاومة الاحتلال، لا يمكن أن يرقى إليها شكّ. لكن، هل يمكن، على سبيل المثال، أن يُقال مثلاً إنّ تفجير المساجد والكنائس والأسواق على رؤوس من يرتادها من المدنيّين، كما حصل ويحصل في العراق في السّنوات الأخيرة، هو ممّا يندرج في خانة quot;مقاومة الاحتلالquot;؟. هل هنالك بشريّ يملك ذرّة من عقل يمكن أن يجيز تنفيذ أعمال من هذا النّوع، أم أنّ من يجيز مثل هذه الأعمال تنتفي عنه صفة البشريّة؟ والإجابة على هذا السؤال لا شكّ واضحة لمن ينتمي إلى الصّنف البشري.
يمكن النّظر فقط إلى عمليّات تستهدف عساكر الاحتلال كعمليّات مقاومة من هذا النّوع الّذي تجيزه الأعراف البشريّة والدّوليّة. هذا ناهيك عن أنّ السّواد الأعظم من أهل العراق، على جميع قبائلهم، عربًا وكردًا وسائر الطّوائف والإثنيّات، لا يرى حتّى في هذه القوى أداة احتلال، بل على العكس من ذلك، فإنّه يراها أداة تحرير جاءت لتخلّصه من الطّغمة القبليّة التكريتيّة الّتي أناخت كلكلها على العراق عقودًا وأعملت به تنكيلاً وقتلاً وسحلاً.
وعندما يقوم الإرهابيّون، مثلاً، بتفجير المساجد على رؤوس المصلّين في الباكستان، فأي احتلال يقاوم هؤلاء الإرهابيّون هناك؟ وها هم أصحاب هذه العقيدة الإجراميّة، يعودون فيكرّرون الإرهاب والقتل المجّاني في سواحل سيناء الشّرقيّة، إذ وضع هؤلاء نصب أعينهم أهدافًا مدنيّة ليعيثوا في الأرض فسادًا وقتلاً وتدميرًا. فأيّ احتلال يقوم هؤلاء الإرهابيّون بمقاومته في سيناء؟ وهل هؤلاء القتلى والجرحى من مدنيّين مصريّين وغيرهم من السّيّاح الوافدين لقضاء عطلاتهم هم جنود احتلال في سيناء؟
كما يمكننا أن نشير إلى المجازر الّتي تنفّذ في دارفور منذ سنوات ضدّ أناس مسلمين لا ذنب لهم سوى كونهم من ذوي البشرة السّوداء، ممّا يدلّ على عنصريّة متجذّرة لدى قبائل عربان الجنجويد ومن يمدّ لهم يد العون من إسلاميي الخرطوم الّذين يحظون بتعاطف جامعة الدّول العربية والقائم عليها. لم نسمع ممّن ذهب إلى قمّة الخرطوم، من زعماء العربان، كلمة واحدة بشأن حقوق أهل دارفور، أو كلمة استنكار واحدة لما قام ويقوم به النّظام السّوداني من تنفيذ مجازر وتهجير لبني البشر من ذوي البشرة السّوداء هناك من مسلمين وغير مسلمين.
ويمكن الاستفاضة في سرد هذه الأعمال، إذ أنّها، وعلى ما يبدو، هذه هي الحال هنا وهناك في سائر بلاد العربان والسّودان والبيضان في quot;ديار الإسلامquot; وquot;ديار الحربquot; من مشرق الأرض إلى مغربها.
هذا الإرهاب المتفشّي، إن دلّ على شيء فإنّما هو يدلّ على هشاشة هذه quot;الحضارةquot; العربية الإسلامية المأزومة والمهزومة في آن معًا. حريّ بنا أن نذكر هنا، أنّ الإرهاب لا يدلّ بأيّ حال على حالة قوّة في المجتمعات، إنّما هو على العكس من ذلك تمامًا. إذ أنّ المجتمع الّذي يعيش في حالة من الثّقة بالنّفس لا يمكن أن يجنح إلى الإرهاب أبدًا. فقط المجتمعات الّتي تعيش في حالة مَرَضيّة من الإحباط والهزائم تتّخذ لها من الإرهاب وسيلة للتّعبير عن الذّات. بالضّبط مثلما يجنح الأطفال إلى العنف حينما يترعرع هؤلاء في عائلات مستبدّة تتّخذ من العنف وسيلة تأديب للأطفال. ثمّ يترعرع هؤلاء الأطفال ليصبحوا عنيفين ومستبدّين حينما يصبحون أرباب عائلات، أو يلعبون دورًا اجتماعيًّا، سياسيًّا أو ثقافيًّا.
إنّ حال الإرهاب العربية والإسلامية هي تعبير صارخ عن هذه الحال الطفوليّة للحضارة العربية والإسلامية الّتي نشأت في كنف العنف والاستبداد. وفي هذا العصر الحاضر الّذي امّحت فيه حدود البلدان وانكشفت فيه حقيقة العالم على بني البشر من خلال وسائل الاتّصال المرئيّة والمقروءة والمسموعة على الملأ، صارت حال الحضيض الّذي وجد العرب والمسلمون أنفسهم فيها واضحة جليّة.
هكذا بدأت صورة العرب تتّضح لهم أمام مرآة هذا العالم المعاصر المتحضّر. فالعالم يغذّ الخطى قدمًا وبصورة حثيثة، بينما ظلّ العرب في مؤخّرة هذا الرّكب البشري الّذي لا يتوقّف عن السّير قدمًا أبدًا. وقد ورد في الحكمة الصّينيّة أنّ الحجر المتدحرج لا تنبت عليه الطّحالب. لقد استكان العرب منذ قرون طويلة فأضحوا حجرًا ثابتًا غطّته الطّحالب والطّفيليّات الّتي صارت سمة بارزة له، لهم.
وهكذا يمكن القول إنّ العرب أمّة من المستهلكين لا تصنع شيئًا ولا تنتج شيئًا في جميع مجالات الحضارة البشرية المعاصرة غير الإرهاب الّذي صار ماركة مسجّلة على اسمهم. وإذا وضعنا النّفط جانبًا، فماذا يتبقّى من العربان، غير التّخلُّف والاستبداد؟ أليست هذه هي الحال؟
وإذا كان لديكم توصيف آخر لحال العربان، هيّا أرشدونا!
التعليقات