اقباط مصر وشيعة العراق (2/2)

ثمة اخطاء تراكم فوقها الامر الواقع واصبحت عقله وبداهته وإصحاحه وثمة هفوات وحماقات كانت اشد عقلا وصحاحا مما لو كانت حكمة وعقلا وصحاحا، وهكذا نبتلي ويبتلى التاريخ بحواضر لا تليق بشرط المنطق والتراتب العقلاني وما علينا الا اجراء فلترة متاملة للمخارج العملية والواقعية في ضوء ما يفترض ان يغيّب المفاضلة بين طالح وصالح، فيتعامل مع الوقائع بنوع من المصافحة ان لم تحدث مصالحة، فلا تفهم الحجارة صلافتها بقياس العشب المتسربل في حاشيتها.
حول هذا المهمل والساكت الذي يقود خطابه مجموعة اعتقدت بانها دائما امام جمهور ومتلقي مغفل، تخدعه الاتحادات العقائدية العاطفية ولا تحدده الثقافات او العصيان الانثروبولوجي ازاء تلك المتحدات، فاذا كان الشيعة في العراق ولاءهم لايران فهل السنة ولاءهم لتركيا؟ وهل المسيحية ولاءها للغرب كمرجعية حضارية وفاتيكان سياسي؟ وهل ثمة فاتيكان سياسي عربي يشكل المزيج بين الوطنية والتدين؟ وهل لابد على المجموعات ان تحكم بقدرية الولاءات للخارج؟ وكيف يمكن توصيف الوطن المخيف بولاء امن؟ كل الاجابات كلا وكل الاجابات نعم بآن، وهنا نختبر الغرض والقصد من الولاء فتعريفه، لاسيما ان كان خيارا مترفا او مخيرا، على الاقل،او كان اكراها واضطرارا كما تطرحه فرضية الملاذات الامنة؟ اذا اخذنا في الاعتبار فقدان عناصر التمحور، في المجال العربي المؤسلم، فاننا سنتاكد ان العرب فقدوا هذه المحورة سواء في الحضور الاقليمي او الحضور الديني، وما تطرحه الاصولية العربية بهذه اللحظة هو من بقايا التداعيات القديمة للاسلام المكتسب، يضاف له عنصر التحديث والتغريب والعصرنة، وبدافع التلاؤم مع الموازاة الدينية في مؤثرها الغربي فان الاسلام هو النسخة الصليبية بسابق اصرار، لما فيه من تمامية حادة تحمل ملامح الثقافات الآرية الفاوستية، باتجاه الاستشراف الشره، الى اغلاق منافذ العقل على مساحة الناقص والنسيان والمجهول واللامتكامل، وصولا الى الملاك التمامي ونظام اللاهوت الكهنوتي، الامر الذي لا تحمله الثقافات السامية، بحيث امكنها التصرف بهزيمة بشرية امام الكمال اللاهوتي الكهنوتي، فجعلت التوضيع البشري في دولتها السياسية تغلب على دولة اللاهوت، وهكذا فان اسلام محاكم التفتيش هو النسخة الاصلية للعقل الصليبي بنموذجه الاسلاموي، وهذا جزء من تاثير الخميني كرافس اساسي للحركات الاصولية، المحكوم باللاوعي الحضاري والثقافي الآريين، ولهذا الموضوع قواعد عالية التاثير جعلت الاسلام المؤجل منذ القدم يستعيد فرصته البابوية التي تربط بين الفقيه العارف والسلطان لا على طريقة الخلفاء والسلطة الاهلية المدنية او الدولة الامنية القديمة، وهذا ما تجلى بالملامح الصريحة للاصوليات حيث يقودها التكنوقراط والمعرفيين، كالمهندس ابن لادن والدكتور الظواهري الى حتى حسن الترابي وتكنوقراط مصر والجزائر وفلسطين. ولعل الدولة المدنية في عالمنا اليوم هي دولة طارئة غريبة مجوفة، لا تمثل سوى مخافر لفظ الاشتباكات بين دول الكهنوت وامم الدين وبين العلمانيين والحداثيين في وطيّن ndash; تصغير وطن- واحد يشكل مؤجلات حروب التاريخ، فلا هي دولة خلفاء ولا هي دولة تنوير ولا هي دولة بابا واكليروس ولا هي دولة دكتاتورية الافكار والعلمانيات، لان دكتاتورياتها لا تمثل افكارا ولا تشكلها الافكار انما نزوات انقلابية لبضعة ضباط خلقوا ثقافة الريف والقرية وهزموا حتى مدينة عصور الانحطاط، على عواهنها، مما جعلهم يخلقون مدنا اسوء من مدينة تلك العصور بتريّفها وقرويتها، وقد انعكس ذلك على الحركات الدينية فتتجاوز العقل القروي في سياق تطور تراجعي سيطرت عليه البداوة العربية والبربرية الاسوية سواء في ايران او افغانستان فالحركات الاصولية رغم جحافل االتكنوقراط، انها دولة محشوة بتفاهات اعلانية وتعبوية، لا تصمد في لحظة الحقيقة او صراع المصائر في الحروب الداخلية بين الطوائف، فاما تنقسم او تتفرج كما في لبنان او تصبح قوات فصل كما في مصر او تكون دولة المذهب الواحد كما في العراق، تتبادل الانتقام القانوني من عهد لاخر. لم ينجح الاسلام في الجانب العربي اكثر مما نجح في التجريب السياسي في امم غير عربية كل حسب نموذجه المكتسب عن ثقافة سبقت الاسلام / اندونيسيا، سنغافورا، باكستان بمنافسها البوذي الهندي العريق ونتائجها الخلاقة عبر ثقافة شعوب الاوردو، تركيا، ايران، دول اسيا الوسطى ناهيك عن دويلات اوربا الاسلامية مثل كوسوفو والبانيا... الخ، وتلك الدول تعيش نوعا من مساكنة الهويات الا العرب يعانون من اضطراب نموذج الاسلمة في العربنة، ما خلا واقع مفترض او يكاد يكون فرضيا وهو لبنان المسلم المحكوم بتثاقف حضاري مع المجموعة المسيحية التي تمنحه تهوية ووسعا في الحوار الداخلي المكبوح بالشريك الاخر ان كان له ان ينجح فيكون طليعة اسلاميات المنطقة، لكنه ايضا وجد مرتعا خصبا للفكر التكفيري الذي كاد يسوده في جناحيه السني والشيعي لولا الكابح الوطني المسيحي والدولي، وهو ما حدث في بعض الذروات خلال الحرب الاهلية اللبنانية، ما يثير الشكوك حيال مسالة كمونه وترصده لحظة الانفجار القادمة، ثم تنتعش نظرية الملاذات اللاوطنية !. ولغرابة الفضول هنا، فان سوريا ليست ملاذا دينيا للمسلمين الا بحدود ما يتلاءم مع الخطاب القومي المفرغ من الافكار والذي انتهى الى ايديولوجيا دولة الامن والمخابرات، لكنه في التداعيات الاجبارية اتخذ بعدا طائفيا اسوة بنتائج العداء الاستراتيجي لاسرائيل فيما اسرائيل شكلت الملاذ الامن للمسيحية والوطنية اللبنانية امام سياسة الخوف السورية، على اعتبار ان الكثلكة اللبنانية مشروطة بمكتسب تاريخي وديني سياسي، كان الغرب موئله كما هي حال الموئل التركي والصفوي الايراني في الاسلام، القائم على منافسة ذات تاثير بمداها العربي السعودي. ولكن لم تسلم سوريا من اضطرارية الملاذ او تكوين مجال الظلال الداخلية عبر سورنة المذهب بتحالفاته الواقعية االشيعية ّ. لذا لم تجد اصوات محترمة في ااقلية متنورة كالسيد محمد حسن الامين والسيد المفكر المتنور هاني فحص لتشكيل الظاهرة الوطنية، كما هو حال همس الاصوات العراقية الشاذة امام مجموعات الظلال الايرانية ممن خطف الشارع وعتم على حضور اقلية تفضل الولاء للارض قبل السماء.

من يحمل النيل للغربة كي يجد الاقباط وطنا بديلا؟ وطنية المسيحية وتغريب الاسلام

اذن ما جاء بتصريحات الرئيس حسني مبارك يقوم على التداعي النمطي، غير المدعوم بمعرفة معمقة، وان اصاب جزئها الهدف الا انها لم تصب كل الهدف، فهي بالتالي نوعا من دفع الشبهة عن الذات حين ترجم مذنب وتطهر نفسها برجمه لا بترحمها عليه ثم عرفانها لذاتها حين تعترف بخطيئتها، انه فولكلور نقدي شامل، وهذا النوع من جلد الاخر ورجمه هو تصويب منحاز يدخل في نطاق التزييف التعبوي والاعلامي، وهو ايضا مشابه للاحتجاجات وردود الافعال العراقية غير المدعومة بتفصيل معرفي، انما ببراهين تمثل الصواب ولا تمثل الحقيقة، حيث لا تحتسب اصابة حين يطلق الاعمى رصاصة في جسد ميت، فيما الحقيقة تكمن في امتناع رائي من اطلاق رصاصة في جسم حي.
الافعال وردود الافعال ليست الحقيقة، فالقضية هنا ليست اهواء او شهادات احداث ودلائل عما كرسه الشيعة من ولاءت وطنية او لاوطنية او سلكه السنة من تاريخ لاوطني مع الاتراك او وطني في تلثمه العروبي، هذه مفاضلة طائفية سمجة وسخيفة ان تكللت في رصد معرفي دقيق التبصر، وحيث نتعرف على شيء لا نتصرف معه كقضاة يجمعون ادلة براءة او اتهام، لا نعتقد هنا ان الطبيب حين يشخص مرض الصرطان بسبب كراهيته للمريض او حبه في انقاذه فهو يواجه جبهة الفيروس والمرض وليس الشخص. لا نعتقد ان ميزان الحرارة في السيارة يتعطل بسبب ان السيارة لا يكتب عليها ايات للذكر الجكيم ! تحميها من الاعطال، هذه الخرافة مشابهة لخرافة كراهية او حب الطبيب للمريض ومشابهة ايضا لتهمة الولاء او الهجوم على قائله.. ذلك ان الخيارات في مثل هذه الحالة معدومة ومستبعدة، لا تنسب الا لتهمة مكره وقاصر ومضطر ومحكوم لا حرج على خياراته، لكن المتهم الاول في مثل هذه الخيارات هو مصدر الخوف وخالق الخوف، وهذا ما يجب تشخيصه ومعرفته بدقة عالية ليصار الى قبول الطعن والتهمة كمادة تستحق الرضا.. ليس الموارنة في لبنان خونة بل الخائن الاول من خلق الخوف في نفوسهم، الاقليات اكثر وطنية من الاكثريات لانها تحمل الخوف من الاكثرية وتحمل الحنين الى المكان، فيما الاكثرية ينقصها برهان الخوف لتثبت قوة الحنين.
ولكي لاتكون الدولة المصرية قوات فظ اشتباك بين المحاربين من ابناء شعبها
ولكي لا تكون الوطنية المصرية وطنية الدين، أي وطنية الجزء
ولكي تكون مصر حاضرة مركزية بمستوى القها التاريخي وبمستوى تعويض الحيف الحضاري خلال تاريخ العواصم المركزية في الاسلام
لكي تستعيد مصر وطنيتها الدينية المتواشجة مع التاريخ القديم حتى تاريخ المكان المقدس الذي انجزه الاقباط ثم انجزه العصر الفاطمي
لكي يحدث كل هذا يجب ان تقرا مصر جيدا طرق الالتفاف على فخاخ الازهر الذي ارتضى تهميش دوره في الاسلام السائد وتلبية اوامر الحريق الاصولي ليصبح صرحا دبلوماسيا ووجاهيا ووظيفيا بيروقراطيا لا معرفيا وتوجيهيا للاسلام، على مصر القيام بثورة ثقافية تنقذ الازهر من الارث العثماني وتعربه او تمصّره طبقا للارث المركزي المصري في تاريخ الحيف الاسلامي، وتاليا تخلصه من التبعية الفقهية واالصفقات الترضوية من اجل دعم حركة التنوير في وجه الظلام الذي يقود الاسلام نحو الانتحار والنحر الجماعي، لاسيما وان اكبر حاضرة مرجعية في ايدي مصر تؤهلها لقيادة ثورة اعادة صياغة الاسلام كطاقة خلاقة تدعم السلام الاهلي والانساني بوجه اكبر خطر يتهدد البشرية وهو الاسلام الاصولي الدموي العدواني، ومن هنا ستثأر مصر لكرامتها الضائعة في تاريخ المركزيات الدينية كما فعلها الاقباط الذين توأموا بين التمصير والمسيحية وثاروا لوطنية مصر امام العنصرية والاستعلاءات القومية لكنائس غربية وشرقية همشت الدور الاقليمي والعربية االمصرية كالكنيسة اليونانية او الاختلافات اللاهوتية الشرقية حيث الكبرياء الوطني كان دفقا سريا يرفد وطنية التدين ويرفض تهميش الحضور الفعال للظلال الوطنية وهي تعكس نموذجها الثقافي والحضاري في مجال الفقه فيما لم يحدث هذا في تاريخ الاسلام المصري لا في دولة عمر بن العاص فاتح مصر ولا في الدولة الاموية فالعباسية ما خلا الاعتراض الفاطمي، الذي هو كناية عن حركة الاستقلال الوطني االكوني من استعمار الامبراطوريات الدينية، كما هو حال القبطية في تاريخ المركزيات المسيحية، والحال في الارثوذوكسية الروسية واليونانية كما الكثلكة وروما او بريطانيا والبروتستانت.. الخ فاذا خلقتم وطنا للخوف لمواطن جعل وطنه مكانا مقدسا أي ملاذ امن وأي وطن مقدس سيرحل نحوه؟ فهل سيحمل الاقباط نهر النيل الى بلاد الغرب ام اديرة القديسين وكنائس العهد القديم هناك؟ فالمسلم له اماكن مقدسة كثيرة ولكن الصابئي واليهودي والماروني والقبطي سيقبل الانتماء لوطن الخوف على ان يقبل الهجرة عن الارض المقدسة.

خط التماس بين الحضارة الارية والسامية.. ارض الظلال الخاطئة

من دون شك نحن اثرنا الصمت كثيرا حول قضايا كانت مدار تمحورات فكرية خلال الحرب العراقية الايرانية واعتقدنا انها صارت في الخلف، اما الان وهي تعود، فثمة مخابئ رهيبة وكبيرة تتحملها شروحات هذه العلاقة، وقد يطول الحوار عنها لاسيما وقوعها باخطر خط تماس بين الحضارات والثقافات العالمية القديمة والمؤسسة للحضارات الكونية الكبرى، ولعل التاريخ المضطرد ينمو باتجاه تحديث الثابت ويتحرك في محاوره، فيبدو كحركة في الثابت، خصوصا لجهة التزمين الازلي في العلاقات الايرانية العراقية، وتنقل المكان المقدس بين ازمنة الاوثان وازمنة الايمان بدياناته المتعددة، هذا الوطن الادبي للايرانية الدائمة لم يخفي فضول القداسة سواء في مفتتح قورش والدولة الساسانية حين لا تخفي شغفها واعجابها بعالم بابل، ولا في الاسلام السني والشيعي وقد جدد الوطنية الروحية او فضول العاشق المصاب بحمى الغيرة، في اعادة القداسة وتحديثها كمكان مقدس باليات جديدة تجسدت بالاولياء، كثابتة للجغرافيا الكاريزمية التي تسحب حنينه وفضوله العاطفي بهذا الاتجاه، وهذا يتطلب قراءة جديدة وصريحة اكثر جراحة مما هي عناق دبلوماسي كاذب، او ولاءات مركبة باغراء او دهاء مخابراتي فحقوق المشاع الديني في المكان المقدس، وهذا يتطلب حوار المعرفيين لا السياسيين او الملالي او المؤتمرين في الاستعرضات الدعائية. وهنا سجل العراقيين، ليس في حرب الجنود والولاءات المسطحة المكره والمستحبة لانهما ولاءات عبيد الاستحباب االوطني او الاكراه، بل سجلوا كونية الوطن العالمي والمكان الممقدس فعبروا به خارج الحدود ليفرضوا وطنية المكان على امم غريبة.
لعل توسيع مساحة التعقيدات وتكبير الفساح المعرفية في جذورها المعمقة ضرورة لتشويش الوعي المتلقي الذي اعتاد وجبات سريعة ساخنة تعبوية الفت التسطيح والسذاجة، وكرست الانماط الخاطئة، فجعلت الحوار محددا بما اكتسب من اكاذيب منفعلة، لم تدخل في تحليلها ذلك النعيم المعرفي الذي يتعرف على : الوسائط، والحاضنات والمحمولات، المحيط السري الذي تتحرك به الاشكالات والازمات وعدم التوقف عندها فقط. تبقى الاوهام اقل امانة في نقل العلل، ويبقى الرجم اقل امانة في اصلاح مجتمع، وعليه فان كل المتحرجين من تصريح الرئيس مبارك ممن قادوا الاحتجاج على قوله، هم القوى الاكثر ولاءٌ لايران من غيرهم، بحيث تصرفوا اما بنفاق او بلعبة بوليسية، فيما هم قدموا لنا تضمير سوء الولاء، وهذا منافي للوجدان السياسي الذي يوجز ثقافتهم ومواقفهم،( مضمّر الاحتجاج يقول ان الولاء لايران مثلبة وخيانة، فكيف يفسرون ولاءهم لها؟ وكيف يتقبلون الامر كواجب فقهي ودينني وسياسي فيتنكرون له؟ وهل الصراخ يكفي لاسكات صوت الحقيقة والضمير؟ وهل الخيار الديني عملا بوليسيا يقتضي التورية والخداع والتمويه ثم تلطيف الانتماء بعبارات حسن الجوار والتاريخ المشترك والاخوة المذهبية فيما نحن لسنا امام دولة ليبرالية في ايران بل دولة ايديولوجية فشلت في اختبار الخيارات الشعبية العقائدية وتحولت الى دولة امن وقمع ومواجهة ونفير وهذا يخلق افرازات حادة الولاء لا تتقبل انصاف الولاء ولا تتصرف مع الولاء الا بحسابات المحاربين؟ لا اعتقد ان احترام الذات واحترام الاختيار يتوافق مع التنكر فهذا فاقد لشرف التعهدات والوعد والعقيدة والالزام السياسي ) فيما كانت التصريحات السنية الكريمة، في وجه الرئيس ميارك، نوعا من البنج الوطني الآيل الى عدم تصدع الجبهة الداخلية فلا السنة كانوا صادقين ولا الشيعة صدقوا واعلنوا احترام خياراتهم في الجزء الموالي روحيا وسياسيا ومعاشيا وعسكريا لايران !( انا في لحظة عاطفية تتصرف بالافكار في رمزية دبابة مجدت الخيانة وابتهجت لضربات المارينز وشجعتهم على ضرب اهلي كي يقلعوا من كراهية الحرية وخنت عهدي الوطني علنا مع اني اكره الله لو انه ارتدى بزة جندي وقتل جرذا سائبا، لكني صرحت بمشاعري الراغبة بالشطح والتهور.. ما العيب في تعلن مشاعرك ثم لا تجعل كبتها وتزييفها حشمة؟) وما العيب ان كان البعض لديه مسوغات روحية ومصالح وروابط ليذكرها لنا؟ السنة لا يتحرجون من التذكير بوطنية خارج الحدود وهي الوطنية القومية العروبية، ويتراكضون نحوها علنا، وهي مزيج من الملاذ السياسي والطائفي بان، فيما الشيعة يخجلون مما يؤمنون وينتمون اليه، وهكذا فان الوطنية العروبية ليست عراقية ولا الوطنية الخمينية الدينية عراقية، وهنا لابد من تفريق البعد الوطني عن البعد العربي لما للقومية من حساسيات عالية في المحيط العراقي، ولكن يبدو ان الرئيس مبارك طرح الانحراف البديهي لمفهوم الوطنية كما لو انه في دولة وشعب كله عرب وليس خليطا من قوميات واعراق، فقياسه العروبي في حقل تقدير الوطنية لا ينطبق على العراق لان الفكر والولاء العروبيين هما ايضا يشكلان ازمة داخلية وتاليا يجتزئان الوطنية لقومية واحدة وهذا عمل غير وطني بل براني، يرضي العرب ولا يرض العراقيين. هنا ايضا ثمة ما لا يفهمه العرب حيال مخاوفهم او المخاوف العراقية من ايران في الوجهين الشيعي الروحاني والسياسي والطرف الفقهي والسياسي السني، ولعل المخاوف العربية من ايران على المستوى السياسي والروحي ليس لها ضرورة او ملامح بقدر ما هي خطرة على الارث الفاتيكاني الكوني الشيعي العراقي وتاليا الديمغرافي نظرا لتداخل الحدود، فيما الدول التي وجدت نفسها كنتائج لفقه مذهبي غير شيعي لا مبرر لمخاوفها الا بحدود الخبث المخابراتي الايراني الذي لعب دورا في تنشيط الاصولية السنية سواء في لبنان او مصر او شمال افريقيا فالسودان وفلسطين، ومع وجود معازل ثقافية وحضارية كبيرة لا تجعل الايراني يجد في مصر مكانا طقوسيا مقدسا ولا مجموعات شيعية كبيرة يتسلل عبرها، كما حال العراق، الامر الذي يجعل دول المذهب الاخر محمية من تسلل الايرانيين عبر الشقوق المذهبية التي تراكمت حمايتها وحوائطها طويلا، في دول تدين بمذاهب اخرى، فيما هذا الوضع مستعصيا في العراق او غيرها لاسيما في ظل اجهزة مخابرات تمكنت من ابتكار طرق ذكية تتواشج بين الامن والطقوس الدينية، من شانها احتلال بلدا باكمله دون جنود وعساكر ودون دليل قانوني واحد يدينها لكنها تتمكن من جعل البلد رهينة لسياستها وربما تتصرف كباب عالي تعين الموظفين والوزراء كما هو الحال بنسبة كبيرة داخل العراق حيث اصبحت بعض المحافظات اقل وطنية واضعف ممانعة من مدن عربية ايرانية كالمحمرة وعربستان، بل العراق اكثر مرحا وسيطرة من مدن ايرانية فارسية تملك من الممانعة والاعتراض ما لم تملكه مدينة كالبصرة او الجنوب، وهي تتراكض لخطف الحظوة من ملالي ايران، فايران... لعل الآذريين الشيعة اكثر ممانعة امام دولتهم الايرانية من عرب العراق الشيعة ! وهم خارج الدولة الايرانية.

الانتحار الشيعي: اميركا والمقاومة حلف النادمين والمغبونين
كما قلت منذ عودتي من العراق فشلت ايران في طهران ونجحت في العراق بل كان العراق اكبر لاعب في انتصار المحافظين داخل مجتمعها واكبر مصادر الهزيمة لخط الاصلاح، حيث ايران تتحرك وفق العامل العراقي والعراق يتحرك وفق السقف الايراني في حقل صراعه مع اميركا، مضيفة لرصيدها الدسم، الى جانب الظلال الشيعية، اكياس رمل المقاومة لدى المجموعات السنية ثم الوجه الاخر لخدمات العقل والعمليات التكفيرية لتزيد من ارصدتها وتوسع رقعة الخوف السيكولوجي تحضيرا لخيال الملاذ الامن، فالتكفير يخلق حاسة الملاذ الامن عند الشيعة ويحرج المشروع الاميركي كما الحال في المقاومة التي اتخذت بعدا مذهبيا اكثر منه وطنيا وكل الاحوال هي في خدمة القطاف السياسي الايراني، الذي لم يحرق اوراقه السياسية لدى محازبيه، ما دامت القوة النارية في خدمته وفي خدمة محازبيه ممن وجد في اعمال العنف الطائفي خدمة للالتفافات المذهبية الشيعية حوله ( ومنها جره لجرعة سم الامر الواقع حول طرح الفدراليات من قبل الجماعات الايرانية في العراق ليسهل ابتلاعه وتاليتا يجد الملالي شعبا صاغرا يؤمن بعصمة الفقيه ويعتبر الاعتراض على سياسته الارضية منافيا لحكم السماء الله )، انها تربح في وجهي العملة مع لاعب ضئيل الامل وهو في انتظار لعبة عملتها ثلاثة وجوه وهذا مستحيل، ولكن حتما هناك وجود قهري لهفوات ترتبط بثقافة العقل التمامي حين تسجل حماقات جمة، منها ما سيجعل الشيعة اكياس رمل للدفاعات الايرانية في العراق وبالتالي تتبدل خارطة التحالفات، نتيجة لذكاء النخب السنية التي تجيد توظيف الخيال كخطاب متوهم لمصلحة البراغماتية العملية لاسيما اندثار عصر او امكانية الفتنمة او النصر الثوري كما شهدت ثورات الاستقلال، فيما العنصر الواقعي للمقاومة والاعتراض ليس بسبب الاحتلال والمثل الوطنية ! انما لتحسين شروط المفاوضات وحجم الحصة والصفقة ناهيك عن واقعية فرضها غباء الطبقة السياسية الشيعية حين جعلت كل السنة بعثيين وكل البعثيين سنة ما يخلق استحالة تطبيق اجتثاث طائفة بحجة اجتثاث حزب، كما فرضت استحالة اجتثاث حزب وفرضت وجهين متشابهين لعملة واحدة، وهذا سيجعل من صدام، طبقا للشراهة والغباء الشيعي المؤيرن ndash; من ايران-، محاربا في دفاعات طائفية داخلية وليس طاغية في جرائم ضد الانسانية. كل ذلك انجاز مع سبق الاصرار خلقته اسوء مجموعة سياسية تصلح لادارة جامع وعتبات دينية وطقوس عاشوراء ولا تصلح لادارة مخفر حدود منسي او بلدية في قرية نائية، لعل ما حصل ثبت لدى اصحاب القرار بان الشيعة غير مؤهلين للشراكة السياسية بل سيصلحون في ارقى الحالات لوزارة اوقاف او وزارة عاشوراء، وقد تراكم ارث الكشوانية طويلا على ثقافهم السياسية ! وهذا يبدو جل اعتراضهم وخلاصة نقدهم لللنظام السابق كما افرجوا عن أسارير محتوى طموحاتهم، وهنا لم يستطع الاميركان التضحية بالمزيد من ابنائهم وقد ادركوا: ليست العلة والاشكال السني ضد احتلالهم بل لان الاميركان كانوا ضحية رهانهم على فئة ليست مؤهلة لادارة سلطة بل عزاء ولطم وحروب انتقامية ثارية جعلت السلطة مكانا حزبيا ومليشويا وليس مكانا للمواطنة والوطن ناهيك عمن جعل البلاد بازارا يباع في اسواق الخردة، في سياق من وضاعة مشابهة لوضاعة آكلي الفطائس، هكذا كانت الحرب ضد اميركا بسبب ارتكاب هفوة اختيار الحليف المناسب في مهمة غير مناسبة ! كان الهفوة كبيرة والثمن مكلفا لكن امريكا لم تدفع الثمن بعد! فهناك حماقة قادمة ستجعل الشيعة اكياس رمل للدفاعات الايرانية كما كانوا اكياس رمل لحروب صدام، ما دام الجهل في الخطر اكثر ثوابا من النجاة في معرفة. هنيئا للاذكياء ممن جعلوا الدين والله في خدمة رفاه الناس وليس الناس في خدمة الدين والله.. لم تصدق سيدي الرئيس مبارك في تهمة ولاء الشيعة لايران، بعلم وبغير علم وحسب، بل كان حريا بك ان تتساءل كيف يمكن ان نتعرف على ولاء كائن لا ينتم حتى لنفسه ولرفاهها فنفترض انه يعرف الولاء لوطنه او الولاء لغيره؟ كن رحيما بمظلوم اصبح في سلطانه ظالم.

الحلقة الأولى