إشكالية الكتابة ليست على الإطلاق في فن انتقاء الكلمات وتزويقها، لكنها إشكالية أدبية ومعنوية ومهنية تتضخم في مجتمعات عربية لا تعترف إلا بالكتابة الرسمية أو ما يدور في فلكها. ليس صعبا كما انه ليس سهلا أن تترك الكلمات تنساق لتعبر عن مكنونها.
الإشكال الحقيقي يتمثل في القفز بين الكلمات وتجاوز الخطوط الحمراء المزروعة في أجيال عربية بكاملها، وليست الإشكالية أيضا إلا إشكالية واقع يمارس سطوة غير اعتيادية في أسلوب تفسيره للكلمات و تحليلها وإعادة تركيبها، وفق شهية المتلقي وإشكالية النظام أو كل الظنون مجتمعه..!
الأجدر بالكتابة ليس دائما هو الأجدر بمسك قواعد اللغة أو قواعد اللعبة، اللعبة التي تتشكل من اجل وضع حدود اقصائية للتعبير، تكبر وتتضخم في فكر صانع الكلمات والممسك بزمام المعنى، من اجل تجريد كلي من اي إمكانية إبداع محتملة..!.
حيث يساعد الإعلام والممسكين بزمامه على تحديد مساحات التعبير وحماية حدودها من اى عمليات توسع ممكنة، لان إدراكهم الأساس أصبح الآن متبلورا على القيام بالدور الذي اعتقدوا أنهم موكلين للقيام به، أكثر من ممارسة دور مهني جدير بفتح نوافذ إضافية.
الاهتمامات الصغيرة أصبح طرحها انجازا بحد ذاته... طرح ملم لم يطرح في السابق أصبح هو القيمة المضافة للإعلام المحلي ومقياس لتطور مستوى الحرية والنقد الايجابي، أومقال أو قصة صحفية استثنائية واحدة.... وهو قوت الصحافة في حريتها الجديدة لموسم كامل.!
بكذا تشويش واحتفاليات مصطنعة سطوة.. وبكذا معايير، من الطبيعي أن تبقى حدود حرية التعبير حدود هامشية، يتولى رعايتها حرس قديم شاخ بهي الحرف، وتحجر الكلام برعايته. وبقي يكتب لنفسه ولأقل من نصف جيله، مؤمنا بقدسية المهنة التي يؤديها للبقاء وسط أغلال تلك المعايير التي أوجدوها، في زمن مختلف ، ووعي مختلف، ووسائل مختلفة بالكلية..!
لذا تبقى تلك الأرضية قاسية على اقرب الناس لها، وغير حاضنة او ليست مناسبة للإبداع، بل عاجزة أيضا عن تقديم مبدعين غير مبرمجين، وبالتالي عاجزة عن تقديم أساليب حديثة قادرة على الاستجابة مع هذا الغليان غير المسبوق في الهم السياسي، والاقتصادي وكذا الاجتماعي.
بل تجاوز الأمر مداه إلى اعتبار الخروج عن التقليد- حتى في ممارسة دور مشابه بافق اكبر-من خلال لغة جديدة وصريحة وواضحة مهما كان إبداعها وذكائها وجدتها، قابلة للاتهام بالمعارضة وتقيض النظام وإثارة الفتنة وحتى الإرهاب في زمن الإرهاب.. مهما كان معدل ايجابيتها الجديدة..!!
طريقة التلاعب المخيف بسلطة الإعلام، وسطوة المتقادم عليه يصبح المطلوب من من هم خارج قائمة الصمت، والصمت المطلق، كي لا تعكر أمزجة شيوخ اللعبة والرابحين فيها حتى تاريخه...!
لكن الفوضى مستمرة بوجود اتفاق صامت على حد الفوضى، فالصحافة حرة غير تابعة للدولة، مؤسساتها خاصة، ووزارة الإعلام تدرك ذلك وتدرك السوق لذا هي تفضل الصمت والتحرك في مساحات هامشية، هامشية بدرجات تفوق هامشية مساحات التعبير المتاحة.. حرية تهرب للتنفس في مساحات الإعلام الالكتروني ومواقعه بعيدا عن سلطة شيوخ الحرف المطبوع..!


[email protected]

إعلامي سعودي