بتسريب الصحافة التركية لأنباء إفشال قوات الأمن التركية لمحاولتي إغتيال إستهدفتا رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، دبرتهما وحدات الأغتيال الخاصة في الدولة الخفية، وثبت، على ذمة الأعلام التركي دائماً، تورط ضباط متقاعدين فيهما، تكون فصول المواجهة بين أردوغان ومن ورائه (حزب العدالة والتنمية) والمؤسسة العسكرية (يشار بويوكانيت، قائد القوات البرية في الجيش، في المقام الأول) ومراكز قوى الحرب ومافيوات الأقتصاد والأعمال المرتبطة بها، قد خلت فصلاً جديداً، بلغ التصعيد فيه أوجه.

وكان لهذا التصعيد والمواجهة أن دخلت أقوى مراحلها حين سماح أردوغان للأدعاء العام في مدينة (وان) الكردية بتوجيه تهم تطال مقام بويوكانيت رجل الجيش القوي، وإتهامه صراحة بالتحضير لهجمات بلدة quot;شمزينانquot; التي طالت مدنيين كرد مقربين من حزب العمال الكردستاني، وهو الأمر الذي أثارّ حفيظة الجيش إلى الحد الذي دفعّ رئيس أركانه الجنرال حلمي أوزكوك لطلب مقابلة أردوغان وتوبيخه على هذا الفعل، والطلب منه سحب الإتهام ضد بويوكانبت، وإقالة النائب العام فرهاد ساراكايا، صاحب الدعوى المقامة بحق بويوكانيت. وكان له ذلك، حيث خسر أردوغان جولة أخرى أمام العسكر وتدخلهم الدائم والمعتاد في السياسة. الأمر الثاني: وهو الهجوم الذي إستهدف قضاةً في المحكمة الإدارية العليا، وإتهمت فيه المؤسسة العسكرية الحكومة بالتحريض عليه، كون الهجوم وقع بدافع quot;الإحتجاج على الموقف من قضية الحجابquot;، حيث أعتبر العسكر ذلك تخطيطاً من حكومة (العدالة والتنمية) ضمن quot;مساعيها الرامية لتقويض علمانية الدولةquot;. ودعى الجنرال أوزكوك quot;أفراد الشعب للخروج للشارعquot; وإستنكار quot;الهجوم الذي طالّ علمانية ووحدة البلادquot;!.

ومن ثم جاءت محاولتي إغتيال أردوغان، والتي دٌبرت بأمر من الجنرالات المتقاعدين أصحاب السطوة ومديري فرق الحرب ومراكز القوى في الجيش والدولة التركية. وأغلب الظن هنا، أن المواجهة بين الجيش والحكومة سوف تتطور في الأسابيع والأشهر القليلة القادمة لتدخل مرحلة مواجهة مفتوحة قد تودي بحكومة أردوغان نهائياً( والأسوء مازال قادماً: حين تسلم الجنرال بويوكانيت رئاسة أركان الجيش في شهر آب القادم)، وذلك بعد أن نجحّ الجيش في تجميد البرنامج الإصلاحي للحكومة فيما يخص الملفين الأوروبي والكردي: حيث توقفت الإصلاحات الدستورية والقانونية في إطار مسٌتلزمات التفاوض مع الأتحاد الأوروبي، الأمر الذي أثارّ إستياء هذا الأخير، والذي أدانّ في آخر إجتماع له quot;تلكؤ أنقرة في تطبيق معايير كوبنهاغن في مفاوضات الدخوليةquot;. وكذلك إشتعلت منطقة كردستان من جديد بعد فشل الحكومة في حل القضية الكردية والتجاوب سلمياً مع نداءات السلام المتكررة التي أطلقها حزب العمال الكردستاني بوقفه لإطلاق النار مراراً، ورفض العسكر (مع تخاذل الحكومة وعدم إمتلاكها الشجاعة الكافية للمبادرة وإتخاذ القرار) للتعامل مع مشاريع الحل التي طرحها الزعيم الكردي عبدالله أوجلان، من سجن (جزيرة إيمرالي) المعزول وسط بحر مرمرة، حيث يُحتجز هناك منذ سبعة أعوام.

ومع تسلم العسكر زمام المبادرة وحشدهم ربع مليون جندي على الحدود مع العراق وإيران، بغية التصعيد وسحب البساط من تحت أقدام أردوغان ورفاقه في (العدالة والتنمية)، وتصدير الأزمة الداخلية لخارج الحدود، حين توسيع المواجهة مع مقاتلي العمال الكردستاني، يكون أردوغان قد خسر الكثير من جهة تعطيل برنامجه الإصلاحي، وكذلك المواجهة الحتمية مع العسكر، والتي تجنبها كثيراً..

كان أردوغان المنتخب من الشعب التركي، يمتلك فرصة حقيقية لتنفيذ برنامجه بخصوص الملف الأوروبي والملفات الداخلية الشائكة( القضية الكردية، العلمانية، الإصلاح الدستوري، موضوعة الأقليات الدينية...) في حال إحتكامه للشعب وعدم تنازله للعسكر والرضوخ لسطوتهم، لظنه بتلافي الصدام معهم، أو مسايستهم إلى حين الإنتخابات القادمة، وتفويض جديد من الشعب، على أقل تقدير. لكن ماحدث كان غير ماخطط له، فقد أمسك العسكر بالسلطة وقياد البلاد من جديد، وبعد هذه الإستكانة والإرتهان من جانب أردوغان وجماعته، يبدو ملف المفاوضات مع أوروبا شبه معطل الآن، والقضية الكردية عادت للواجهة من جديد مع تجدد المواجهات ومقتل عشرات الجنود الأتراك كل شهر.

الأرجح، والحال كما وصفناها، أن الأيام القليلة القادمة ستكون الفصل بين العسكر و(العدالة والتنمية). أو بين رجل مقتدر قادم لقياد العسكر هو جنرال الحرب يشار بويوكانيت، ورجل سياسة ضعيف، برنامجه مٌعطل ومجمد و مجده يٌشارف على الأفول، هو رجب طيب أردوغان...

[email protected]