في الزرقاء، شمال عمان، يقام عزاء للزرقاوي في داره.
واعتقد ان هناك اكثر من مكان في العالم العربي يقيم عزاء مماثلا، ربما في الخفاء.. وربما في النفوس وحدها، او في أحداق العيون التي رأيت بعضها يبكيه.
فلست اعتقد ان معظم العرب سعداء بمقتل مسؤول القاعدة الاول في العراق. ولو اظهرت لنا كل الفضائيات العربية والغربية ذلك.
ليس لأن الزرقاوي بطل او صاحب مبدأ او قضية، بل لأنه بكل بساطة خصم الولايات المتحدة.
العراقيون سعداء بطبيعة الحال، لأنهم عانوا من شخص الزرقاوي كثيرا.
فقد سعى الرجل الى احداث فتنة طائفية في بلد تنزف الدماء من اطرافه.
الغربيون سعداء بالمثل لأن قتله يتفق مع رواية هوليوود عندما ينتصر البطل الاميركي في نهاية القصة.
لكن عدا هؤلاء لا اعتقد ان احدا يشاركهم نفس القدر من الابتهاج.
فلن يستطيع احد ان يقنع البسطاء في شارعنا الموحل ان عدو اميركا ليس انسانا صالحا.
ولن يستطيع احد ان يقنع البسطاء فينا ان الزرقاوي ليس ضد المصالح الاميركية.
وطالما هو ضد المصالح الاميركية، فهو بطل قومي بل وشهيد ايضا.
هذا تفسير معظم الناس. من جارتنا العجوز التي تصطك عظام مفاصلها، الى الشاب البسيط العاطل عن العمل المستند على ذاك الجدار وقد اختفت ملامحة وراء دخان سيجارته، مرورا بالفتاة الحسناء التي يتمايل خصرها في تحد لأعصابنا.
لن يستطيع احد ان يقنع كل هؤلاء، ان الزرقاوي يستحق الموت.
ولن يستطيع احد ان يذكر الاردنيين انفسهم، بأنهم وهم يبكون الزرقاوي اليوم، قد تبرؤا منه بالامس!
هي مشكلة الذاكرة العربية المصنوعة من غبار.
شخصيا لست ارى الزرقاوي بطلا قوميا، ولا في الوقت ذاته مجرما، بقدر ما اراه مريضا نفسيا.
ولو كان الامر بيدي لفضلت ان يعالج على ان يقتل.
واذا ارتأت اميركا ان كل من يحمل افكار الزرقاوي يستحق القتل، فمعنى ذلك ان نصف العالم الاسلامي يستحق القتل بالمقاييس الاميركية.
الزرقاوي شخصية مريضة.. او شخصية محبطة وفاقدة الأمل.
هو باختصار نموذج للرجل العربي..
يمكن ان نقول عنه انه ضحية..
ضحية تطرف ينمو في كل بيت لنا دون ان نراه.
تطرف يغذيه الفقر..
يغذيه الظلم..
ويغذيه انعدام الامل بغد افضل..
العداء لأميركا يحول الانسان الى بطل قومي، ليس كرها في اميركا، بل احباطا وكرها في وضعنا الداخلي نحن، فنصب غضبنا على اميركا، باسم الله والرسول والدين.
مقتل الزرقاوي يعطينا مؤشرا، على ان نصف الشارع الاسلامي يمكن ان يصبح زرقاويا في عداءه لأميركا. واستخدام اميركا وسيلة لاكتساب شرعية الشارع هو امر خطير، بل وينبئ ان الف زرقاوي آخر قادم في الطريق.
قتلهم لن ينقذنا من التطرف، ولن ينقذ اميركا او العالم.
لكن القضاء على سبب التطرف هو ما نحتاج اليه.. وتلك مهمة مؤسساتنا السياسية، والدينية، ان كانت ما تزال هناك.
[email protected]