في خضمّ كلّ هذه الأحداث المأساويّة السّوداء التي تمطرنا بها أجهزة الإعلام العربيّة، طلع علينا أخيرا خبر مفرح مفاده أنّ المدعوّ quot;أبو مصعب الزّرقاويّquot; قد نفق، ولا أقول quot;ماتquot; في غارة جوّيّة على أحد أوكاره. لا أقول مات لأنّ الموت نهاية طبيعيّة لكلّ حياة بشريّة.. أمّا الزّرقاويّ، فهو وحش قد هلك، ولا أجد في اللّغة العربيّة صفة لهذه النّهاية سوى النّفوق.
إنّ نهاية الزّرقاويّ خبر يفرح كلّ إنسان يستحقّ هذا الوصف، باستثناء من يبكونه مع قناة الجزيرة التي بنت مجدها على نشر صور أمثاله وصوره وهو يمثّل دور الرّامبو الإسلاميّ في صحراء العراق، قناة الجزيرة التي تبثّ كلّ تفاهة ينبس بها، وكلّ تسجيل مهلوس يتوعّد فيه سكّان العراق، وكلّ صورة يهمّ فيها بذبح رهينة من مختطفيه الأبرياء...
قناة الجزيرة التي نصّبت سرادقا للعزاء في فقدان شهيدها الزّرقاويّ، واستضافت كلّ دعاة الإرهاب لتأبينه، لم يفتها أن تستضيف زوج شقيقته الإرهابيّ أبو قدامة، الذي روى كرامات الزّرقاويّ، ووصفه بأنّه الإمام الأوحد للأمّة الإسلاميّة، وقال عنه إنّه استطاع أن يفلت من أعدائه مرّات عديدة بتدخّل مباشر من العناية الإلهيّة التي كان همّها حمايته حتّى يمدّ اللّه في عمره ليجهز على أعمار الأطفال والنّساء والشّيوخ من الرّوافض والمشركين.

كان بودّي أن لا يقتل هذا الوحش بل أن يلقى عليه القبض حتّى يوضع تحت تصرّف الباحثين في علم الجريمة والمحلّلين النّفسانيّين، كي ينبؤونا كيف يمكن أن يولد إنسان كبقيّة البشر، ثمّ يتحوّل إلى وحش، يئد إنسانيّته ويتقمّص دور الغول مخترعا إله لا يقلّ عنه وحشيّة. لقد نفق الزّرقاويّ ولكن ماذا عن إله الزّرقاوي؟ هل مات معه هذا الإله المكفهرّ الذي لا يتلذّذ إلاّ برائحة الشّواء البشريّ؟
إنّ إله الزّرقاويّ ومن هم على شاكلته لم يمت، ولن يموت في المستقبل المنظور، ما دام هذا الإله حاضرا في مناهجنا الدّراسيّة التي تعلّم أطفالنا فنون الحقد والكراهية مضفية عليها مسوح القداسة.
إنّ هذا الإله لا يعترف ببقيّة المذاهب الإسلاميّة مثل مذهب الشّيعة والإباظيّة وغيرهما. بل إنّ أهل السّنّة والجماعة أنفسهم ليسوا جميعا على طريق الهداية والنّجاة، أي أنّ رحمة إله الإرهاب الضّيّقة لا تشملهم. لا يكفي أن تكون مسلما، ولا يكفي أن تكون من أهل السّنّة والجماعة، بل لا بدّ أن تكون لك هيئة وطقوس محدّدة، وإلاّ فإنّك تتشبّه بالأعداء : يجب أن ترسل اللّحية وتقصّر السّروال، وترتدي العباءة الرّثّة، ويكون إيمانك أعظم بقدر القمل الذي يرتع في رأسك. كما يوصي ربّ الزّرقاويّ باحتقار المرأة وقهرها وسجنها داخل جلابيب سوداء تخيف الأطفال وترعبهم... وبعد كلّ هذه التّعاليم، لا بدّ من مباركة قتل كلّ من كان على غير هذه الملّة، وأضعف الإيمان أن تتقبّل خبر موت هؤلاء وتسعد به من أعماق قلبك. هذا الإله العابس الذي اجترحته مخيّلات مهووسة وجد له رسول أمين يصدع بأمره ويذيع تعاليمه في العالمين، وهذا الرّسول هو قناة الجزيرة المصونة. هذا الإله وهذا الرّسول لا بدّ من الإجهاز عليهما إذا أردنا غدا أفضل تنتصر فيه إرادة الحياة على الرّغبة المتأجّجة في الموت والعدم.
وأخيرا، وفي الوقت الذي تقيم فيه هذه القناة مناحة عالميّة بمشاركة كلّ ندّابات العرب المعروفة، وحيث يقيم أهل الإرهابيّ في الزّرقاء التي اختطفها الإرهاب عرسا يحتفون فيه بدخول ابنهم عروسا على حوريّات الجنّة، لا يسعنا إلاّ أن نتذكّر ضحايا الزّرقاويّ في كلّ مكان في العالم لنقف في صفوفهم ونقدّم لهم العزاء مجدّدا في ذويهم الذين قضوا بأفعاله الإجراميّة، ونتضامن مع آلاف المعوّقين الذين خلّفتهم غزواته الإرهابيّة.
ولنذكّر كلّ البشريّة بأنّ كلّ إنسان على هذه الأرض ضحيّة ممكنة ومشروع للموت على يد أتباع الزّرقاويّ وخلفائه، فلا يكفي نفوق هذا الوحش، بل لا بدّ من نفوق الوحش الإلهيّ المكفهرّ الذي صنعته مخيّلة الإرهاب.


[email protected]