لعلها ليست الصدفة المحضة وحدها هي التي جعلت الكويت ومنذ بواكير عهد التأسيس والبزوغ على المسرح الدولي هدفا شبه دائم للإرهاب بأشكاله المتنوعة والمتحولة والمتغيرة عبر العصور والأزمان، فنشأة الكويت الحديثة قد حدثت وتمت من خلال مخاضات وولادة صعبة، وتحديات مرهقة، وأيام وسنوات قلقة عاشها الشعب الكويتي الصغير والمسالم وأدارتها قيادته الشعبية بكل كفاءة وشفافية وتجرد، فأسوار الكويت التاريخية منذ أوائل القرن العشرين التي حفظت وصانت الوجود الكويتي ومهدت لإنطلاقته الشاملة والحضارية بعد سنوات قليلة لم تكن مجرد أسوارا للطين والطابوق والقش، بل كانت رسالة حرية واضحة و خيارا ثابتا وراسخا للكرامة وحيث إختلطت دماء أهل الكويت وعرقهم وهم يبنون ويصونون ويحمون تاريخ الأهل والعشيرة والكرامة، ويصنعون المستقبل، ويواجهون مختلف المحن والشدائد الإرهابية الهادفة لإبتلاع وهضم وسحق المولود الجديد منذ معركة (الجهراء) التاريخية عام 1920 وما قبلها مرورا بمحاولات (الملك غازي) في العراق وعصبة الضباط الذين معه من المؤمنين بنظرية (المجال الحيوي) النازية ومن خلال دعايات النازي العراقي (يونس بحري) في إذاعة قصر الزهور! عام 1938، وحتى عهد اللواء (عبد الكريم قاسم) ومحاولته إلهاء الناس وصد المعارضة ضد نظامه بموضوع الكويت عام 1961 ووصولا للجريمة التي نفذها صدام حسين البائد بسحق الكويت ومحاولة محوها من الوجود عام 1990 وهي القضية التي لاقت هوى وإعجاب حتى من كان ضد نظام البعث وصدام ظاهريا مثل الجماعات المتأسلمة وأحزابها الإنتهازية من عمان والقاهرة وتونس وحتى الجزائر والمغرب دون أن ننسى فلسطين بالتأكيد! تلكم الأحزاب التي تناست وداست على كل خلافاتها المعروفة مع البعثيين والنظام العراقي البائد رغم معرفتهم بحقيقته ودجله وإنتهازيته وإمتلاكها لسجلات تفصيلية بكل جرائمه و موبقاته، وحكاية الكويت مع الإرهاب الدولي والإقليمي والمحلي حكاية طويلة وقصة معقدة تصلح موضوعا لدراسة أكاديمية مهمة !، فهي معركة إستنزفت الكثير من الطاقات والجهود الوطنية وأشرت على مرحلة تاريخية مهمة من التاريخ الكويتي المعاصر، والشعب الكويتي هو أكثر الشعوب العربية معرفة بحجم ودرجة الإرهاب لكون التهديدات الإرهابية لم تنقطع يوما أو تفتر حدتها، بل كانت المخاطر قائمة كل يوم، وإذا كانت مخابرات الحرس الثوري الإيراني وقفت في الثمانينيات خلف الكثير من عمليات الإرهاب والتفجير وكذلك فعلت المخابرات السورية كما نعرف جميعا وكما عايشناه شخصيا، فإن إرهاب الجماعات المتأسلمة والمحتمية بالشعارات الدينية والتي كسبت للأسف عقول بعض صغار المتدينيين، وغررت بعقول أخرى ووجهتها توجيها مدمرا صوب خيارات تدميرية و إنتحارية والذي تطور وتنامى منذ منتصف التسعينيات تحديدا، قد إكتسب أبعادا أخرى، فهو إرهاب من نوع كانت شعوبنا الإسلامية قد جربته وذاقت مرارته قبل خمسة عشر قرنا ويزيد، وهو صورة عصرية ومستنسخة لإرهاب (الخوارج) في القرن الأول الهجري وهم الذين طلبوا الحق بالباطل وأباحوا دماء المسلمين بل وأولغوا في دماء عباد الله وتحت شعار تضليلي هو كلام حق أريد به باطل يقول : (لا حكم إلا لله)! رغم أنهم قد داسوا على كل المقدسات وأهمها حرمة الدماء! وتكرر الموقف بعد ذلك من خلال تطور الصراع السياسي بين الفرق والجماعات الإسلامية وأنظمة الحكم إلى أن وصل لمرحلة الهجمات الإنتحارية كما جسدتها حالة الجماعات الإسلامية وفرقة (الحشاشون) في القرون الوسطى وتشكيلها للجماعات الإنتحارية التي تنفذ عمليات القتل والإغتيال طمعا في دخول الجنة!، واليوم وبعد المداخلات المعروفة في تطور الفكر الإرهابي القائم على القناعات الدينية والمذهبية شهد العالم الإسلامي ومنه الكويت نتائج عمل تلكم الجماعات الزاعقة بالقتل والمهددة بتدمير المجتمعات، وبعد حرية العراق وإنتقال الفرق الإرهابية الشامل للعمل هناك كانت الكويت ولا زالت مستهدفة بشكل كبير ومباشر، وثعابين الإرهاب الأسود قد تركت بيوضا كثيرة على الأرض العربية والإسلامية وبعض تلك البيوض يباشر عملا إرهابيا عن طريق الإعلام وبث الدعايات، والتهجم على الأحرار، والتمني بزوال النعم والحريات، والتضامن مع القتلة والمجرمين كما فعل البعض في قضية المجرم الأردني اللعين (أحمد فضيل نزال الخلايلة) المعروف ب (أبي مجرم الزرقاوي) وتأبينهم له ووصفهم له بأوصاف الشجاعة رغم جبنه الظاهر والمعلن في تكفير المسلمين وإستباحة دمائهم وترويعهم وهنا لا أتردد عن القول بأن من يؤيد المجرم والقاتل فهو موافق ضمنا على كل جرائمه، وهو بعد ذلك شريكا له في الجريمة، وسيطرب كثيرا بسبب العقد النفسية والسلوكية لخراب ديرته، وتدمير شعبه، فآلة الإرهاب هي ماكنة همجية لا تعرف الفرق بين الحلال والحرام، ولا تعرف الحدود والسدود والموانع... نعم هنالك بيوض إرهابية في الكويت معروفة ومشخصة ولكننا على ثقة بأن تلك البيوض لن تجد الحاضنة الملائمة لتفقيسها ونموها وهيمنتها على المجتمع!! فتلك أضغاث أحلام، وقرار الحرية في الكويت هو قرار مجتمعي تاريخي وشامل لا رجعة عنه ولا نكوص، كما أن تيارات الحرية التي أطلقها حكام الكويت وصولا لسمو الأمير الحر الشيخ صباح الأحمد قائد عصر التغيير نحو العصر الجديد لن تسمح لمثل تلكم الطفيليات الضارة بالنمو والتوسع ثم الهيمنة... قرار حرية الكويت هو قرار مقدس، وسيسحق الشعب الكويتي كل بيوض ثعابين الغدر والجريمة والظلام والإرهاب !... ذلك ما عرفناه من تاريخ (الديرة) وأهلها.

[email protected]