فنتازيا عربية

إن الأبواق التي بدأت تظهر هذه الأيام وتدعي زوراً وبهتاناً، بأننا أمة جاهلة ومتخلفة وتحتاج الكثير للنمو والتقدم، يجب أن نقف لهم بالمرصاد ونكشف تدليسهم وجبنهم وعمالتهم، خاصة أن أعدادهم بدأت في الازدياد والتكاثر في هذه الأيام. وإن كان هؤلاء يغردون خارج السرب فيجب اتخاذ كل الإجراءات اللازمة - وغير اللازمة - لإعادتهم إلى السرب!!!!.
لا أريد أن اكرر القول بأنهم عملاء لأمريكا وبقية الشلة، من صهاينة واستعمار (وآخرون)، لأن ذلك معروف للجميع وقد أُلفت فيه الكتب بآلاف وأُلقيت فيه الخطب والمحاضرات بالملايين،بل البلايين، بل إن معظمنا قد تفرغ كاملا لمثل هذه المهمات (أي مهمات كشف العملاء، أو تأليفهم ثم كشفهم، والعملاء كما تعلمون هم كل اولئك الذين تسول لهم انفسهم إستخدام العقل والنظر للإمور بغير منظارنا!!)، أقول إن الوقوف لهؤلاء بالمرصاد ضروري للغاية في هذا الوقت الحرج، لأن إطلاق الحبل على الغارب قد يؤدي إلى نموهم وتكاثرهم، وفي مثل حالة كهذه قد يستقوون ويستطيعون هدم كل الذي بنيناه طيلة الخمسين سنة الماضية.
فالكل يعرف أننا خلال تلك الفترة قد جندنا أنفسنا، وبشكل كامل، ومن المحيط إلى الخليج لمحاربة إسرائيل والإمبريالية وأمريكا (ومن معهم من بقايا الاستعمار واذيال الصهيونية)،ولم نهتم بالأمور الثانوية، التي يطالب بها هؤلاء العملاء، مثل التعليم والصحة والتنمية والحرية ورفاهية المواطن، وما إلى ذلك من هذه الأمور التافهة، التي يتحدث عنها هؤلاء ويعتبرونها رموزاً للتقدم والازدهار. نقول لهم أين كل ذلك من الوقوف في وجه أمريكا المتغطرسة وربيبتها اسرائيل؟ فكيف لنا أن نتعلم ونهتم بالصحة والرفاهية وأمريكا ما زالت في غيها وسطوتها، بل وقد عمت سطوتها العالم كله، ولم يبق فيه من يقف في وجهها ويؤدبها ـ بل ويمرمط وجهها في التراب ـ غيرنا. فكيف يريد منا هؤلاء أن نترك هذه المهمة المقدسة ونهتم بالأشياء التافهة التي يتحدثون عنها. أولم يرى هؤلاء كيف اننا وقفنا امام الامبريالية والاستعمار وبالطبع اسرائيل، على مدى السنين تحت قيادة القوميين والاشتراكيين والشيوعيين،وبقية جحافل اليسار، وكيف كان يدعمنا في ذلك ابونا الاتحاد السوفيتي وانجاله من دول المعسكر الشرقي، وكيف اننا بعد انهيار ذلك الاب واندثاره،انتقلنا الى نفس المواقف الصامدة ولكن تحت قيادة الاسلاميين؟ لذلك يجب أن يعرف هؤلاء بان ما تقوم به بعض نخبنا الآن هو عين الصواب والحق والواجب. فالوقوف ضد امريكا يتخطى كل القيم والمثل والآخلاق،ولا تحده او تقف في طريقه أي تحفظات. فإن تجد الشيوعي يدافع عن الزرقاوي مستخدما كل الايات والاحاديث واقوال وامثال السابقين واللاحقين، ويفعل ذلك، ليس خلف الكواليس وانما على اجهزة الاعلام، وان تجد من يتبجح ويقول بأنه كان شيوعياً اشتراكياً يسارياً متطرفاً، والان هو اصولي متطرف، ان تسمع كل هذا فعليك ان لا تستغرب، فالوقوف الصلب امام امريكا يبرر كل التناقضات، وهو الذي يبرر ركوب الشيوعي على سرج الاسلاموي، ويجعل من الاشتراكي او القومي ناطقاً باسم الاسلاموي اخوانيا كان ام سلفياً، كل هذا يحدث للوقوف امام العدو المشترك وهو امريكا، والتي حشرت نفسها في منطقتنا، باحثة عن الديمقاطية والاصلاح!فهل نتركها تفعل ذلك؟ وماهو مصيرنا اذا نجحت في ذلك؟ وما هو مصيرنا اذا قامت ديمقراطية حقيقية في المنطقة ووصلنا مرحلة المسائلة والمحاسبة على ما فات؟ أليس مثل هذا الاحتمال يسبب الخوف والرعب وبالتالي يبرر الوقوف الشرس ضد امريكا؟؟.لذلك يجب ان يعرف هؤلاء (أي الذين يتهموننا بالتخلف والجهل) بأن الوقوف ضد امريكا اهم عندنا من التعليم والصحة ورفاهية المواطن التي يتحدثون عنها.. وحماية ما اكتسبناه في خلال معمعة السنين الماضية اهم عندنا من المواطن وصحته وتعليمه!!!

كاتب سوداني