لا يمكن القول بأي حال من الأحوال أن أمين عام حزب الله اللبناني، السيد حسن نصر الله، إنسان معصوم أو فوق النقد، بل هو بشر، يخطئ ويصيب، له اجتهاداته التي يراها البعض إنجازا كبيرا، ويراها الآخرون تهورا وسوء تدبير، ولذا فإن انتقاده ليس بالأمر المحظور، بل أمر تتطلبه المصارحة والمناصحة، لكن الأهم أن يكون النقد موضوعيا صادقا، لا يصل حد التجريح، ولا يبخس الرجل وحزبه حقوقهم وتضحياتهم.
هذا الاختلاف حول نصر الله، برز بشكل لافت منذ أن قامت المقاومة بأسر جنديين إسرائيليين، بهدف مبادلتهم بالأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية، ما استتبعه حرب تدميرية تشنها تل أبيب على لبنان، تجاوزت مسألة الأسرى، وتوقيت العملية، إلى رسم خارطة مغايرة لشرق أوسط جديد، وفق كوندليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية.
هذا التطور الجديد -القديم والمتوقع في نظر البعض- للسياسة الأمريكية، ودعمها المطلق لإسرائيل في عدوانها ليس على حزب الله ومقاتليه، بل على لبنان، يجعل من المهم على منتقدي حزب الله وأمينه العام، أن يعيدوا حساباتهم، ويحسنوا قراءة المشهد كاملا غير مجتزأ.
ليس الحديث هنا عن توقيت عملية الأسر، فالأحداث تجاوزتها، ولا عن نزع سلاح حزب الله، لأن هذا السلاح يُدافع به عن لبنان الآن، ولكن الحديث يجب أن يتركز على أنجع الطرق التي يجب أن توقف بها الحرب، ويخرج فيها لبنان مهيبا غير منهزم، ولا مثقلا بشروط إسرائيلية وأجندة دولية لا يتحملها.
حزب الله هزيمته عسكريا من قبل إسرائيل، لا تعني كسر شوكة لبنان فقط، بل، ارتداد هذه الهزيمة بشكل سلبي على العرب ككل، سياسيا، واقتصاديا، ونفسيا. من هنا، لا مكان للحياد فيما يجري، لا حبا في حزب الله، بل حبا في لبنان، وأنفسنا، ودولنا، ومصيرنا، قبل أي شيء آخر.
مشكلة الكثير من منتقدي حزب الله، ممارستهم النقد بطريقة اعتباطية غير علمية، نابعة من موقف سياسي مسبق، أو موقف حزبي، أو طائفي، أو تبعية لجهة ما، أو محاولة تصفية حسابات وفق رؤية لبنانية ضيقة جدا موغلة في المحلية.
هذا النقد تجاوز في بعض أحايينه حدود اللياقة والأدب، حين يرمى الحزب وأمينه العام بالعمالة، أو يوصف نصر الله بـquot;الكذابquot;. قد يفهم هذا الكلام، ويشيح عنه المرء وجهه، حين يكون صادرا من أناس متشنجين موتورين لا يملكون من الدماثة والوعي والكياسة الكثير، لكن أن تصدر هذه المواقف النقدية الجارحة من مثقفين، وكتاب، ومحللين سياسيين، أو من بعض الشخصيات السياسية، فمعنى ذلك سقوط للقيمة الأخلاقية، التي هي ورقة التوت الأخيرة التي يستر بها المثقفون والسياسيون سوءاتهم.
من المفارقات العجيبة، أن الجميل في إسرائيل في هذه الأزمة، رغم جنونها، أن الفرقاء هناك موحدون خلف باطلهم، فيما نحن متفرقون على حقنا!. في إسرائيل، وحد الإعلام صوته، وبنى له سياسة محددة. السياسيون أجلو خلافاتهم إلى ما بعد القضاء على ما يسمونه بـquot;الإرهابquot;، فلا وقت الآن إلا للنصر، والنصر فقط. في إسرائيل أناس يعون أن هنالك حربا، أي أن هنالك وضع استثنائي يجب أن تكون له حيثياته. فيما لبنان، فيظن الكثير من سياسييه أن المرحلة لا يزال الردح السياسي والطائفي على الفضائيات بكثير من توتراته، ولا يزال الكثير يظن أنه في زمن 14 آذار، والحوار، وثورة الأرز، وكلها تفاصيل تجاوزتها الأزمة بكثير، وفرضت واقعا داخليا مختلفا.
المشكلة الأساس، أن إسرائيل لديها quot;عقلquot; ولديها quot;دولةquot;، كما يقول عزمي بشارة، بينما العرب بعيدون كل البعد عن الاستراتيجيا ومفهوم الدولة، ولذا تأتي المواقف ارتجالية وغير علمية.
لو افترضنا أن حزب الله أخطأ، -وهو خطأ لم يثبت حتى الآن تحققه-، فذلك لا يجعلنا ننساق وراء نصف الكأس، فيما نتناسى النصف الآخر، فالمرحلة جدُ حساسة حاسمة، والحكمة والحزم إذا لم يكن لهما مكانهما في هذه المرحلة فلن يكون لهما أي مكان مستقبلا، لأنه وببساطة لن يكون للعرب مستقبل يذكر!.
لكم أن تحاسبوا حزب الله، ولكم أن يطول الحساب معه، لكن الوقت ليس وقت حساب الآن، بل وقت وقفة مع لبنان وأهله، تنتصرون فيها لأطفال طالما قلتم إنهم أبناؤكم، ولنساء طالما نعتموهم بالأمهات، ولوطن طالما سهرتم وأنستم في مرابعه وقت الرخاء، فهل ستقذفونه في اليم وحيدا وقت الشدة!.

كاتب من السعودية
[email protected]