أخطر ما في السياسة الإسرائيلية أنها تخلط العنجهية المقترنة بالقوة الغاشمة، وأوضح ما في السياسة الإسرائيلية أنها تستغل الخواء العربي والإسلامي، وأكثر مافي السياسة الإسرائيلية من غباء أنها تعاقب شعبا كاملا بذريعة حجة باهتة وواهية.
وبما تملك أسرائيل من قوة عسكرية وتمسكها بمنطق الاحتلال والاعتماد على آلة الحرب العسكرية، وبما تملك من تقنيات وفرتها لها الظروف والدول الكبرى التي تتحالف معها عضوياً، أن أسرائيل تعرف حق اليقين أن القيادات العربية دون أستثناء لن تحرك ساكنة ولن تقف موقفاً يعبر عن كرامتها خشية على مناصبها ومراكزها، وقيل أيضاً فاقد الشيء لايعطية. وليس غريباً أيضاً موقف الأمم المتحدة إزاء ما يحدث للأنسان في لبنان، ويقينا أن ما حدث لو صار في غواتيمالا أو جيبوتي لقامت الدنيا ولم تقعد. ولكنه الزمن العربي الهش، حين يصير الزعيم مفترساً على شعبه ووديعاً مسالما حين يتعلق الأمر باحتلال أو إعتداء على عرضه أو كرامته أو شرفه أو تراب بلاده، وحين يتم استعمال الجيوش لقمع الشعوب وحقوق الناس.

خطورة النهج الإسرائيلي تكمن ليس في مصادر قوته وقدرته على إيقاع الضرر البشري والمادي قي لبنان، وكما ليس في محاولته إيجاد أسباب وذرائع لمثل تلك الأحداث التي كررتها السياسة الإسرائيلية التي تريد الوصول الى منطق الساحة الخانعة التي تكاد إن تصل اليها في المنطقة العربية.

خطورة النهج الإسرائيلي أنها تتحدى المنطق والمعقول في العمل السياسي خشية من صحوة وطنية وتحرك بأدنى صوره في الضمير العربي أو الإسلامي، مع أنها تعرف قبل غيرها أن هذه الصحوة ما هي الا حركة تثاؤب لغفوة طويلة ستكونها الأمة العربية الممزقة الأوصال في الضمائر والعقول.
الصحوة الخجولة في الشارع العربي ماهي الا تعبير عن هشاشة الأستقلالية التي ندعيها بين الجماهير والسلطات، والصحوة العاقلة ماهي الا تعبير عن حجم الخراب الذي دخل النفوس العربية والإسلامية، وبديلاً عن الموقف الحازم الذي يحمي الإنسان، انسان الجنوب الذي عاش فيه أجيال من اللبنانيين تحت رحمة الأحتلال وماعكسته أيام وجود المقاومة الفلسطينية فوق ترابه سلباً أم إيجاباً، شعب الجنوب الفقير البائس المقموع الواقع تحت مرمى وبصر المارد الإسرائيلي الذي زادته الدول الكبرى نفخاً فبات كمنطاد منفوخ بالغاز مدجج بالأسلحة بكل اشكالها، لم يكن هذا الشعب يملك سوى ضميره وأرادته التي لم يستطع لاالساسة العرب ولا أسرائيل إن تجعلها راكعة.
تحترق بنت جبيل وكفرا ورميش وعيناتا وراشيا الفخار وتبنين وصور والضاحية الجنوبية، وتحترق ايضا النبطية والخيام وحاصبيا ومرجعيون، وتحترق كل مدن الجنوب، ولكن أسرائيل التي تنهج منهجاً خاسئاً وسافلاً في أيقاع الضرر على هذا الجنوب بذريعة قيام حزب الله خطف جندي أسرائيلي، يدلل بما لايقبل الشك أنها تريد أيقاع أكبر الضر فوق رأس اهل الجنوب، وهي تعرف حقاً أنها قد توقع الفرقة بين اللبنانيين حين تركز في إيقاع الضرر على قرى الجنوب.
الخراب الذي اوقعته أسرائيل على لبنان عموما والحنوب خصوصاً، سيكلف لبنان كثيراً، ولن يعوضها الزمن القادم القيام ببناء الخراب القاسي والشرس الذي توقعه وتستمر في ايقاعه الدولة العبرية، فهي لجنونها وخطورتها الدولية أصبحت لاتفرق بين المدني والعسكري، وبين المقاتل والأعزل، وبين من يتمنطق بالسلاح وبين من يريد الوصول الى نتائج بالحوار.

وفي كل الأحوال فأن الخطورة الدولية التي تعيشها أسرائيل لاتنبع من قلقها على حدودها مع لبنان، وليس لعدم أطمئنانها لجيش سورية أو الدول التي تحيط بها من كل الجوانب، أنما تكمن في أنها تستغل الخواء العربي ليس فقط في أستباحتها حدود ما يجاورها من بلدان، وليس في انتهاكاتها المستمرة لحقوق الإنسان وللأتفاقيات الدولية، وليس فقط في سخريتها من قرارات الأمم المتحدة وعدم التزامها بها، وانما في أستباحتها الناس وقتلها بالجملة تحت مزاعم تطلقها وتجد ازاء تلك الجرائم الصمت الدولي المطبق.
لاعتاب على لبنان وهو يشاهد إمام عينية ما يجري على تراب وطنه، ولاعتاب على قيادات الجيوش العربية وهي تعلق النياشين والرتب الزاهية البراقة على أكتافها، ولاعتاب للقيادات العربية التي صدقت أن العملية للغط على حزب الله لأعادة الجندي (العربي الأصل) المخطوف، ولاعتب على الشارع العربي الذي تململ وأبدى استنكاره ورفضه لمايحدث من مجازر، ولاعتب على الأمم المتحدة وهي تداري غضب أسرائيل، ولاعتب على أحد، فلم يعد للعتاب مكان بين ما يجري في لبنان، البنية التحتية والبيوت السكنية الامنة والمعامل وشبكات الكهرباء والجسور لاتهز الضمير، ولكن الا يهز هذا الضمير الذي تكلس وأعتاد على الركوع قتل الأطفال والمدنيين الابرياء القابعين في بيوتهم البائسة ليس لهم ملاذاً يلوذون بت أو مال ينتقلون بت أو وسيلة يهربون بها من سيل القنابل والصواريخ التي تؤدب شعب لبنان، وهي رسالة لكل الضمائر الغافية.

حتماً ستنتهي الحرب الشرسة التي تشنها الالة العسكرية الإسرائيلية مثلما انتهت سابقاتها، كما ولن تكون الأخيرة ليس على لبنان فحسب، بل على كل المنطقة مهما بعدت أو قربت، ولأسرائيل سجل حافل بتلك الأنتهاكات والحروب والعمليات التي تدلل على اتباعها سياسة العصابات. ولم يزل العرب منشغلين في إدانة حزب الله أو مساندته بالكلام، ولم يزل من يحمل حزب الله مسؤولية ما حدث وغيرهم يطلقون بيانات الأستنكار والرفض لما يجري، ولم يزل العرب منقسمين بين من يعاتب حسن نصر الله لمحاولته مساندة الدكتاتور صدام حسين في العراق، ومثلما لم يزل من بيننا من يعاتب شعب فلسطين على قيام إفراد من حماس بتمجيد الإرهاب والزرقاوي ضد العراق، وأقامة الفواتح واطلاق العويل والنحيب على المقبورين عدي وقصي.

لكنهم لم يناقشوا أن الموت يطال كل شعب لبنان وكل شعب فلسطين، ولكنهم لم يناقشوا وسيلة توقف الموت اليومي وتنقذ الدماء البريئة التي ليس لها سوى الله.
ستنتهي الحرب التي تشنها اسرائيل على لبنان وغير لبنان، وسيكون العرب والمسلمين اكثر عقلانية وحكمة حين ينهون مشكلتهم بأعتبار أسرائيل ابناء عمومتنا وجيراننا الأبديين، وسيبقى الجنوب اللبناني قائما رغم كل الخراب والقبور والدماء التي لطخت ذرات التراب.
وسيبقى الجنوب اللبناني شاهداً للزمن العربي التافه، وسيحتضن الجنوب كل تلك الشواهد والقبور التي راحت ارواحها بقنابل وصواريخ اسرائيلية وتحت مرآى ومسمع قيادات الدول الأجنبية والعربية.
وستبقى صرخة الجنوب اللبناني الصرخة المدوية في الضمير العربي الصامت.