تنويعات جديدة على الفرقة والاختلاف
هل الشعوب العربية تفتعل الفرقة والتباعد أم أن هناك حقائق ميدانية جرى إهمالها منذ مئات السنين ؟. ماذا تقول المشاهدات والوقائع الميدانية في الحياة العربية؟:
1-إن عرب شمال أفريقيا وتحديداً في الجزائر و تونس والمغرب وليبيا و موريتانيا مختلفون في الوجدان والاهتمامات عن عرب بلاد الشام و وادي النيل، وهذا ليس انتقاصا منهم ولكن تقرير حالة طبيعية فقط. وتشكل اللغة اليومية المحكية عائقاً مهماً في التواصل بين شعوب عرب شمال أفريقيا والشعوب العربية الأخرى، و رغم الجهود المضنية في مجال التعريب اللغوي، مازال اللسان العربي في شمال أفريقيا صعب عليه التواصل باللغة العربية السليمة، أما اللغة المحكية(العامية) في تلك الأقطار فمن المستحيل فهمها في بقية الأقطار العربية، و أعتقد من خلال زياراتي لتلك الأقطار واحتكاكي بقطاعات واسعة ومتنوعة من شعوبها، أنه من الأسهل على قطاعات واسعة من تلك الشعوب خاصة في الجزائر التعبير عن نفسها باللغة الفرنسية، غير متناسين أن هناك نسبة واضحة من السكان لغتها الأساسية هي (الأمازيغية)، ويرفضون فرض اللغة العربية عليهم، وفي السياق ذاته فإنه لسنوات قليلة مضت، كان من الصعب على عرب شمال أفريقيا أن يفهموا أو يتخيلوا وجود عرب مسيحيين في الشرق العربي، وليس نكتة أو مزاحاً ولكنه حقيقة عندما طلب العقيد معمر القذافي ( رائد القومية العربية ) من الدكتور جورج حبش في السبعينات أن يعتنق الإسلام، وكان يُصرّ القذافي على أن يناديه بإسم (الخضر) أو(خضر)، وقد لمست ذلك شخصياً في الجزائر وتونس إذ كانوا يسألونني: هل صحيح يوجد لديكم فلسطينيون مسيحيون؟ ثم يردفون بالسؤال:وهل هم عرب؟..وهذا السؤال ليس غريباً ولا مستهجناً عندما نتذكر أن المفكر عبد الحميد بن باديس، الذي يعتبر أحد مفكري الثورة الجزائرية هو من صاحب الشعار القائل: quot;أنا مسلم للعروبة أنتسبquot; أي أنه يعتبر نفسه مسلماً أولاً ينتسب لبلد عربي ، كما أن هناك مسلم ينتسب لباكستان ومسلم آخر ينتسب لإيران....إلخ.
2-إن الشعوب العربية في دول الخليج والجزيرة العربية لا يمكن أن تكون مع الوحدة العربية بمعناها الاندماجي الشامل، لأن هذه معناه توزيع ثروة هائلة ينعم بها الآن حوالي سبعة وعشرين مليون عربي على حساب عرب آخرين يبلغ مجموعهم حوالي مائتين وخمسين مليوناً أغلبهم في أقطار فقيرة، وهذا معناه فقدان امتيازاتهم ومستوى حياتهم المرفه، وهذا ليس خللاً في تفكيرهم وشعورهم فالإنسان بطبعه في كل مراحل التاريخ يسعى إلى الحياة المريحة التي توفر لـه ولأجياله القادمة كل متطلبات العيش بسهولة ويسر، فمن يقبل من أجل مبدأ سياسي أن يعود لحياة الفقر والحاجة؟! فسكان مملكة النرويج حتى الآن يرفضون الانضمام للوحدة الأوروبية كي لا يفقدوا العديد من الامتيازات في حياتهم المعيشية إذا طبقت عليهم المعايير الأوربية الموحدة.
3- دولة الصومال رغم عضويتها في جامعة الدول العربية فإن شعبها خليط من أقوام مختلفة، والعرق العربي بينهم نادر، بدليل أن اللغة الرسمية عندهم هي السواحلية وقليل منهم من يعرف العربية، وكذلك شعب جيبوتي وموريتانيا، مع الإقرار بأن اللغة العربية منتشرة بشكل أوسع في موريتانيا، وفيها آداب ومؤلفات لها عمقها العربي..وأعتقد بشكل قاطع أن ظروف انضمام هذه الدول لجامعة الدول العربية كانت لدوافع المصلحة الاقتصادية، وليس بدافع الإحساس بالوجدان والشعور العربيين، وهذا يجعلنا نسأل:ما هي خلفية وأسباب انضمام دولة جزر القمر لجامعة الدول العربية؟هل شعبها من أصول عربية؟هل لغتها هي اللغة العربية؟. إن مجرد قبول جامعة الدول العربية عضوية دولة جزر القمر، إنما هو اعتراف ضمني وصريح بأن عضوية الجامعة العربية ليست حكراً على الناطقين باللغة العربية، أو الذين يقطنون الأرض التي تسمى الوطن العربي، في حين أن الدول الأوروبية مجتمعة ما زالت حتى الآن ترفض عضوية تركيا في السوق الأوروبية المشتركة، رغم وقوع أجزاء من تركيا داخل القارة الأوروبية، في حين أن جزر القمر بعيدة داخل المحيط عن أية حدود عربية حيث تقع في محيط بحر موزمبيق قريباً من شواطئ أفريقيا..فما علاقتها بالعرب والعروبة؟. وهذا ما يجعل موقف الحكومة الإريترية صائبا حيث ما زالت ترفض الانضمام لجامعة الدول العربية منذ استقلالها عام 1991 عن إثيوبيا، رغم أنها اقرب للعرب والعروبة من دولة جزر القمر.
أستطيع القول استناداً إلى ما سبق أن فكرة القومية العربية والوحدة العربية، هي فكرة مصطنعة غير واقعية بولغ فيها بشكل نظري فقط في فترة حكم جمال عبد الناصر، الذي كان يعتقد أنه من خلال بث الروح في هذه الفكرة يستطيع أن يحكم الأقطار العربية كلها، وبدلاً من ذلك أساء علاقاته مع غالبية الدول العربية، ولم تشهد الحكومات العربية فرقة وتشرذماً ونزاعات، كما شهدت في فترة حكمه ومن بعده فترة حكم صدام حسين وأيضاً باسم حزب البعث العربي صاحب شعار(أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة)، هذا الشعار الذي كانت تطبيقاته الميدانية قطيعة كاملة وسيارات مفخخة وحدود مغلقة مع جارته سورية التي يحكمها أيضا حزب البعث العربي، ثم احتلال صدام لدولة الكويت عام 1990 ومشاركة جيش البعث السوري مع قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية عام 1991 في محاربته وطرده من دولة الكويت.
أما الفكرة من أساسها فقد كانت من اختراع بعض المفكرين العرب المسيحيين، خاصة بعد الأحداث الدموية التي حدثت بين المسلمين والمسيحيين في لبنان عام1860 وما تلاه، مما اضطر بعض الكتاب المسيحيين إلى تغيير أسمائهم إلى أسماء إسلامية كما فعل من سُمّي(أحمد فارس الشدياق)، ومنهم من وجد أن الحل لهذه الاضطرابات والمشاكل الطائفية هو في تغليب الطرح والفكر القومي، ليكون لـه السيادة فوق الفكر والطرح الطائفي الذي يفرق العرب إلى مسيحيين ومسلمين، لذلك يلاحظ أن غالبية رواد الفكر القومي العربي، هم من المفكرين المسيحيين أمثال:قسطنطين زريق ونيقولا زيادة والياس فرح وميشيل عفلق وجورج حبش وغيرهم، وهذا لا ينقص من قدرهم أبداً فهم اجتهدوا في البحث عما يجمع هذه الشعوب ويوحدها لتصبح قوة في مواجهة القوى الناشئة آنذاك، وليس أيضاً مما يسجل ضدهم أنهم حاولوا إيجاد قواسم مشتركة خاصة اللغة العربية لتوحيد هذه الشعوب، لكن في الواقع كانت عوامل الفرقة والاختلاف بين هذه الشعوب أقوى، لذلك ورغم مرور ما يزيد على ستين عاماً من المحاولات الوحدوية فكراً وتطبيقاً، ما زالت هذه الشعوب العربية لا يجمعها في الغالب سوى (اللسان العربي) وهو وحدة ليس كافيا لتوحيد الشعوب.ففي أمريكا اللاتينية مئات الملايين الناطقين باللغة الاسبانية وبينهم من الفرقة والنزاعات تماما ما بين الشعوب العربية. في حين أن الدول الأوربية تنطق بعدة لغات ورغم ذلك فهي الآن على أبوب الوحدة الشاملة بعد توحيد العملة الأوربية ورفع قيود السفر والتنقل والإقامة والعمل بين خمسة وعشرين دولة أوربية. إن عامل اللغة وحقب تاريخيه مشتركة والعادات والتقاليد المتقاربة، لا تشكل قومية واحدة وهذا دليل فشل كل المحاولات في مجال الوحدة والتنسيق بين الأقطار العربية حتى أن وحدة شعب واحد هو الشعب اليمني الذي عاش فترة طويلة بين (شمالي) و(جنوبي)، احتاجت إلى حرب أهلية طاحنة لجمع شمل هذا الشعب الواحد، ورغم ذلك ما زالت حتى اليوم نعرة شمالي و جنوبي تثار في مواقف عدة.
إن التذكير ببعض صفحات تاريخ الشعوب العربية القريب، يعطينا أدلة جديدة دامغة على أن هذه الشعوب العربية ما فكرت يوماً في الوحدة العربية، و لم الشمل الوحيد الذي عاشته هذه الشعوب كان تحت سيطرة الاحتلال العثماني، وهي مسألة شكلية لم ترق إلى فكرة الوحدة الفعلية لشعوب متعددة..نعم إنها مجموعة شعوب عربية تسكن رقعة جغرافية متماسكة، أطلق عليها أسم سياسي في وقت قريب جديد هو (الوطن العربي) وقبل ذلك كان يسود المنطقة تسميات متعددة، فمصر والسودان هي بلاد وادي النيل، والعراق بلاد الرافدين، وسوريا ولبنان وأجزاء من الأردن هي بلاد الشام. ونتيجة هذا الواقع الفعلي السائد الذي يشعر به أبناء هذه الشعوب العربية حقيقة، وجدنا تطبيقات إقليمية سائدة ولها رواج أشد من رواج الفكرة الوحدوية القومية، وتكفي الأمثلة التالية:
1. أن فكرة الوحدة والقومية العربية التي أنبعثت في المشرق العربي في مطلع القرن العشرين، لم تجد أي صدى لها في مصر والسودان وأقطار المغرب العربي وقد انحصرت هذه الفكرة في منطقة بلاد الشام تحديداً.
2. كان بعض مشاهير الكتاب المصريين لسنوات قليلة سبقت عام 1950يستعملون مصطلح (الأدب المصري)، وبعضهم يكتب عن الجذور الفرعونية لمصر، ولم تتوقف هذه الأطروحات إلا بعد وصول جمال عبد الناصر للسلطة في إنقلاب 1952، وفرضه بالقوة فكرة القومية والوحدة العربية فتراجعت الأفكار الأخرى خوفاً من قمع عبد الناصر وليست إيمانا بها، وهناك الآن في مصر من يسعى لتأسيس الحزب الفرعوني الذي يرى العودة بمصر لجذورها وتاريخها الفرعوني قبل الغزو الإسلامي الذي يسمى ( الفتح الإسلامي ) في المصادر الإسلامية.
3. ما هي دلالة أن مصر أكبر الأقطار العربية وأكثرها سكاناً وأكفأها في الطاقات والخبرات في كافة المجالات، كانت أول دولة عربية توقع معاهدة الصلح والاعتراف بإسرائيل التي هي في الأساس كيان احتلالي مصطنع في المنطقة بديانة ولغة وعادات وتقاليد مختلفة تماما. وكرّت مسبحة الاعتراف والصلح بعد اعتراف مصر عام1979 ليلحق بها الفلسطينيون عام1993 والأردنيون عام1994 والموريتانيون عام 1999، والعديد من الحكومات العربية تقيم علاقات سرية مع دولة إسرائيل أعمق من العلاقات العلنية تحت مسمى المكاتب التجارية كما في دولة قطر، وهو يقوم بكافة أعمال السفارة بما فيه إصدار تأشيرات الدخول لدولة إسرائيل، وبقية الحكومات والشعوب على الطريق كما تشهد المباحثات والمحادثات في المنطقة، وبذلك تنهار فكرة (وطن عربي واحد) لأنه بعد الاعتراف بدولة إسرائيل يصبح في داخل هذا الوطن الموصوف ب (العربي) شعب جديد هو الشعب اليهودي في دولة إسرائيل رغم تجميعه من كافة دول العالم بشكل مصطنع، وينطق بلغة مختلفة هي (العبرية) ويدين بديانة مختلفة هي (اليهودية)، لذلك تروج في المنطقة منذ سنوات فكرة جديدة هي (الشرق أوسطية) كبديل لفكرة (الوطن العربي) فالشرق أوسطية تعني جميع الشعوب التي تقطن الشرق الأوسط: الشعوب العربية والشعب الإسرائيلي، وبذلك تنهار فكرة الوحدة العربية التي كانت مجرد خيال و وهم من الأساس.
4. الاجتياح العسكري الإسرائيلي البشع الذي يدمر البشر والحجر في لبنان منذ الثالث عشر من تموز لعام 2006 ومنذ سنوات عديدة لمناطق السلطة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، يقابل بالصمت والسكوت المطبقين لدى كافة الحكومات العربية، إلى حد أن النظام السوري الذي يدّعي أنه صاحب أقوى قوة عسكرية عربية والمتحدي الأول والأخير لدولة الاحتلال الإسرائيلي، لم يطلق رصاصة واحدة دعما للمقاومة والشعب اللبناني والفلسطيني، والرئيس المصري حسني مبارك صرّح يوم الأربعاء الموافق السادس والعشرين من تموز لعام 2006 ( أن مصر لن تدخل حربا مع إسرائيل من أجل لبنان وحزب الله )، والقنابل الذكية تشحن لجيش الاحتلال من قاعدة العديد في دولة قطر، في الوقت الذي من يسمع قناة الجزيرة القطرية، يعتقد أن الجيش القطري يزحف نحو إسرائيل بملايينه المدججة بكافة أنواع الأسلحة بما فيها الكيماوية والنووية، مما يعني أنه مهما أوغل الاحتلال في جرائمه في أي قطر عربي فلن يجد سوى الدعم الخطابي والكلامي من بقية الشعوب والحكومات العربية.
مستقبل الوطن الموصوف بـquot;العربيquot;
إزاء هذا الواقع الجديد ما هو مستقبل هذا الوطن العربي الذي يتحلل ويتفكك كهوية سياسية؟. إن النظرة الواقعية ترى هذا المكان الذي يطلق عليه بشكل نظري اسم (الوطن العربي) بأنه ( صفة مكانية لرقعة من الأرض تسكنها في الغالب عدة شعوب من أصول متقاربة لها تفريعات عشائرية وقبلية متنوعة، قريبة في مكان ومتباعدة في مكان آخر، وكل شعب يُسمى باسم المكان الذي وُجد في )، وهذا ما أوجد لدينا تسميات:الشعب السوري، والشعب المصري، والشعب العراقي، والشعب المغربي..الخ، وهذه التسميات أخذت صفة سياسية واضحة المعالم عقب التقسيمات الحدودية التي وضعها الغرب في مطلع القرن العشرين، ولو كان هناك حد أدنى من الإحساس الداخلي الفعلي والصادق بوطن عربي واحد، لما عاشت هذه الشعوب وما زالت مشاكل حدودية يتم النزاع فيها على كيلومترات محدودة من الأرض، وما زالت لدى هذه الشعوب وأنظمتها الحاكمة العديد من هذه المشاكل، كما هو بين اليمن والسعودية، ومصر والسودان، وقطر والبحرين، والعراق والكويت، والجزائر والمغرب وفي أحيان كثيرة أدت هذه المشاكل الحدودية إلى نزاعات عسكرية خطيرة ومدمّرة.
إن تسمية ووضع الشعوب العربية يشبه إلى حد كبير، تسمية ووضع الشعوب الأوروبية، التي تطلق عليها هذه التسمية فقط لأنها تعيش في مساحة مكانية واحدة هي القارة الأوروبية، وتشترك في الغالب في ديانة واحدة هي (المسيحية)، دون وجود عنصر اللغة الواحدة كما هو في حال الشعوب العربية التي لم تكن امتيازاً ndash; كما لاحظنا - يوحّد هذه الشعوب، بينما الشعوب الأوربية بدون اللغة الواحدة تقترب من حد الوحدة الشاملة.
وهذه المقارنة التي تميل فيها الكفة لصالح الشعوب الأوروبية عند الحديث عن التكامل والوحدة والتنسيق المشترك، تجعل تجربة الشعوب الأوروبية التي وصلت الآن إلى أعلى مراحل التنسيق عبر طرح العملة الموحدة (اليورو)عام2000، وفتح الحدود بينها بشكل نهائي منذ سنوات هي التجربة الأفضل للشعوب العربية، إذ أرادت السير في مجال التنسيق والتكامل وربما مستقبلا الوصول إلى شكل من أشكال الوحدة، مع الأخذ بعين الاعتبار بعض الفوارق الخاصة ببنية الشعوب العربية، وهذا ما يجعلنا نرى ونعتقد أن الخطوة الأولى هي الاعتراف بهذه الفوارق مما يجعلنا أمام أربعة كتل عربية، حسب القرب في الذوق والعادات والتقاليد واللهجة، وهي:
1. كتلة شعوب بلاد الشام وجوارها (سوريا، لبنان، العراق، فلسطين، والأردن).
2. كتلة شعوب وادي النيل (مصر والسودان)، مع الأخذ بعين الاعتبار أيضاً خصوصية جنوب السودان حيث الأغلبية تدين بالمسيحية وتطالب منذ سنوات بشكل من أشكال الاستقلال أو الحكم الذاتي، مما أوقع السودان في حرب أهلية مستمرة منذ سنوات طويلة، أرهقت السودان ودمرت اقتصاده، والغريب في الأمر هو اللجوء إلى السلاح لإقناع شعب بأنه جزء من شعب آخر رغم أنفه.
3. كتلة شعوب المغرب العربي(ليبيا، تونس، الجزائر، والمغرب).
4. كتلة شعوب الخليج والجزيرة العربية (المملكة العربية السعودية، قطر، البحرين، الكويت، سلطنة عُمان، دولة الإمارات العربية المتحدة، واليمن).
5. دول قريبة من الجوار العربي ( الصومال، موريتانيا)، تستفى شعوبها حول مسائل التنسيق المطروحة بين الكتل السابقة.
إن الأعتراف بوجود أربع كتل عربية تسكن المنطقة الموصوفة ب (الوطن العربي)، يجب أن تعقبه خطوتان:
الأولى: التكامل الاقتصادي أولاً بين أقطار كل كتلة على حدة أولاً، وما يعقب ذلك بشكل طوعي واختياري (ديمقراطي) أي شكل من أشكال الوحدة والتنسيق السياسي.
الثانية: التنسيق الاقتصادي بين الكتل الأربع بعد أن تكون حسب الخطوة الأولى، قد أنهت وأقامت فيما بينها- أي كل كتلة- أرقى أشكال التكامل الاقتصادي وهذا يعني ميدانيا تطبيق مشروع الوحدة الاقتصادية، أو السوق العربية المشتركة الذي طرحته فعلا جامعة الدول العربية منذ عشرات السنين، دون أن تنجح في تنفيذ أية خطوة من خطواته، فما زالت الحواجز الجمركية قائمة وتبادل السلع يخضع لقيود صعبه، ولكل دولة عملتها الخاصة.
إن التنسيق والتكامل الاقتصادي عبر الخطوتين السابقتين، هو أقصى ما يمكن الوصول إليه بين الكتل العربية الأربع ضمن معرفة الواقع السائد بين تلك الشعوب وأنظمتها الحاكمة، ورغم أنه هدف متواضع بالنسبة لأطروحات دُعاة القومية العربية والوحدة العربية الشاملة، إلا أنه أيضاً- رغم تواضعه - يحتاج إلى متطلبات عديدة على الشعوب والأنظمة العربية خلقها، كي يصبح الوصول إلى ذلك الهدف المتواضع ممكناً وميسراً، وهي متطلبات نعتقد أن الأنظمة العربية الحاكمة، و نفسية الشعوب العربية غير قادرة على خلقها، وأهمها:
1. تعميم مسألة الديمقراطية والتعددية الحزبية في كل الأقطار العربية على أن يكون كل حزب من هذه الأحزاب حزباً قطرياً محلياً، ناسين تجربة الأحزاب القومية التي أساءت للوحدة العربية، ونفرّت الشعوب العربية منها عبر ممارساتها في نصف القرن الماضي، وهذا يعني في التطبيق احترام حقوق الإنسان وضمان حرية التفكير والتعبير.
2. احترام كامل للتركيبة الداخلية لكل قطر، وهذا يعني محافظة كل قطر على نظامه السياسي والاجتماعي سواء أكان ملكياً أم جمهورياً، سلطنة أم إمارة، ووضع حد نهائي للتدخل في الشؤون الداخلية لأي قطر مهما كانت الأسباب والظروف، وكذلك إنهاء نظرة الاستعلاء والوصاية، فلا وصاية لقطر على آخر سواء كبرت مساحته أو صغرت، كثُر سكانه أم قلّوا، فالمساواة كاملة بين كافة الأقطار، فمثلا لا يمكن فهم إصرار مصر طوال السبعين عاما الماضية على أن يكون الأمين العام للجامعة العربية مصريا. لماذا ؟ أليس هذا نوع من الاستعلاء والوصاية؟. بدليل أنه فور توقيع مصر معاهدة كامب ديفيد عام 1981 حتى تنادت الدول العربية إلى طرد مصر من عضوية الجامعة العربية ونقل مقرها إلى تونس وتعيين التونسي الشاذلي القليبي أمينا عاما لها، وبعد سنوات عندما هرولت الدول العربية للاعتراف بإسرائيل، اكتشفوا أن ما فعلته مصر ليس خطيئة، فأعادوها للجامعة والجامعة لمقرها في القاهرة والأمين العام لمصري.
3. إحلال مبدأ الحوار والتفاهم أساساً لحل كافة الخلافات العربية، عبر مؤسسات قانونية وقضائية، ووضع تشريعات صارمة تمنع أساليب إستخدام القوة من قطر عربي ضد قطر آخر، سواء أكانت أساليب التآمر السرية التي أبدع فيها نظام جمال عبدالناصر ضد أكثر من قطر عربي، أو أساليب السيارات المفخخة، والتفجيرات، التي مارسها أكثر من قطر عربي ضد آخر، خاصة نظامي البعث في سورية والعراق في مرحلة من المراحل، ضد بعضهما البعض، أو الحرب العلنية ذات الطابع الإحتلالي، كما حدث في حرب(أم الكوارث)، التي احتل فيها صدام حسين دولة الكويت.
4. ضمان حرية السفر والتنقل والعمل بدون أية عوائق لجميع مواطني الشعوب العربية، لأن ما يجري الآن في هذا المجال، يكاد ينسف الحد الأدنى من أية إمكانية لأي تنسيق وتكامل، لأن التنسيق والتكامل عماده البشر ذاتهم، فكيف سيتم ذلك وتنقل البشر واتصالهم ببعض دونه العديد من الصعوبات، فلا تجد دولة عربية إلا وهناك بعض الجنسيات العربية تحتاج إلى تأشيرة دخول مسبقة لدخولها، وفي الغالب الحصول عليها ليس سهلاً، فيما عدا سكان كتلة الخليج والجزيرة العربية فهم يتنقلون فيما بين أقطارهم بسهولة ويسر، وبالبطاقة الشخصية فقط بين بعض الأقطار، والمفارقة المحزنة هي أن كل الجنسيات العربية الأخرى، لا يُسمح بدخولها أقطار الخليج والجزيرة العربية إلا بتأشيرة دخول مسبقة، وهي في العادة والواقع صعبة للغاية، إذ تخضع لمتطلبات وشروط ليس سهلاً توفرها، فهي كحد أدنى تحتاج إلى كفيل محلي من سكان القطر المراد زيارته، يقوم باستخراج التأشيرة على كفالته، ليضمن الإنفاق على الزائر، أو أن يكون الزائر قادراً على الإنفاق على نفسه فترة الزيارة، ثم يضمن مغادرته البلاد بعد انتهاء فترة الزيارة المنصوص عليها في تأشيرة الدخول، هذا في حين أن كل شعوب أقطار الخليج والجزيرة العربية، يُسمح لهم بدخول كافة الأقطار العربية الأخرى، بدون تأشيرة دخول ويُسمح لهم بالإقامة أية فترة يريدونها مهما طالت، وفي الوقت ذاته فإن غالبية الشعوب الأوروبية والأمريكية يستطيعون دخول أقطار كتلة الخليج والجزيرة العربية بدون تأشيرة دخول أو يحصلون عليها في المطارات بشكل فوري وروتيني، وليس مبالغة القول أن العديد من شعوب الأقطار العربية يستطيعون دخول الدول الأوربية بسهولة لا يجدونها في العديد من الدول العربية، فمنذ سنوات إذا حصل أي مواطن عربي على ما يعرف ب ( تأشيرة تشينجن ) من سقارة أية دولة أوربية، تخوله هذه التأشيرة بدخول دول أوربا الخمسة والعشرين...فأين ذلك من الواقع العربي؟.
إن تلك المتطلبات الأربعة السابقة الذكر لابد منها لضمان قيام ونجاح التنسيق والتكامل الاقتصادي بين الشعوب العربية، وهو مطلب الحد الأدنى إزاء طموحات الوحدة العربية الشاملة، ورغم ذلك فلا نعتقد أن إيجاد وتطبيق تلك المتطلبات سهلاً وميسوراً. وينبغي ملاحظة أن إيجاد هذه المتطلبات لدى الشعوب الأوروبية خلال الأربعين عاماً الماضية، هي التي أهلت هذه الشعوب للوصول إلى تكامل اقتصادي يتم من خلاله طرح العملة الأوروبية الموحدة (اليورو)عام2000، وهي التي أهّلت هذه الدول لرفع كافة قيود السفر أمام مواطنيها منذ سنوات. وعبر مسيرة الشعوب الأوروبية هناك ملاحظات لابد من التوقف عندها لأن لها مغزى مهم على طريق التكامل الاقتصادي وهما:
1. احترام حقوق الإنسان مسألة أساسية في مسيرة وحياة الشعوب الأوروبية، لذلك فهذه المسألة هي من ضمن مسائل أخرى تحول دون دخول تركيا العضوية الكاملة لمجموعة شعوب السوق الأوروبية المشتركة، لأن هذه الشعوب تطالب الحكومة التركية منذ سنوات بإحلال الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وما زالت ترفض عضوية تركيا لأن سجلها في مجال حقوق الإنسان لا يؤهلها لذلك.
2. تقديم مساعدات اقتصادية ومالية من الدول الأوروبية الغنية وبمليارات الدولارات إلى الدول الأوروبية الفقيرة كاليونان وأسبانيا والبرتغال منذ سنوات طويلة، كي ترتفع بمستويات الحياة فيها عند الوصول إلى مرحلة التكامل الاقتصادي الكاملة والعملة الواحدة.
تلك هي أوجه القضية، نحدد أهم نتائجها كما نرى فيما يلي:
1. الفشل الذريع والسقوط النهائي لفكرة ودعوة القومية والوحدة العربية، مما يؤكد أنها كانت من الأساس فكرة مصطنعة لا يوجد في الواقع ما يؤيد وجودها وقيامها، وهذا هو سبب فشل كل المشاريع الوحدوية العربية مما حوّل جامعة الدول العربية إلى مجرد هيكل شكلي لا مضمون ولا نتيجة وحدوية لعملها خلال ستين عاماً.
2. إن الوطن العربي يتفكك كهوية سياسية واحدة مشتركة لانعدام القواسم المشتركة بين شعوبه وأقطاره وأنظمته، وبالتالي لابد من الاعتراف بوجود شعوب مختلفة لها أساس قريب من بعض وهي مجموعة الشعوب العربية ضمن الكتل الأربع الأقرب لبعضها التي ذكرناها سابقاً.
3. إن الإمكانية الوحيدة المتاحة بين هذه الكتل الأربع هي التنسيق والتكامل الاقتصادي فقط، رغم أنه ليس سهلاً حسب الشروط والمتطلبات التي لا بد من وجودها أولاً.
ويكفي أن نجيب بصدق وموضوعية وجرأة على سؤالين:
الأول: ماذا حققت الشعوب العربية بينها طوال ستين عاماً من الادعاء بالعمل الوحدوي وطرح المشاريع الوحدوية؟ إنها تزداد فرقة وخلافاً و تشرذماً.
الثاني : وماذا حققت الشعوب الأوروبية بينها خلال أربعين عاماً هي عمر تجربة السوق الأوروبية المشتركة، وقد أجبنا على هذا السؤال في طيات الدراسة، مما يوضح الفارق الشاسع بين التجربتين.
إن شعوب وأقطار الوطن العربي إما أن تسارع إلى الأخذ بمسألة التنسيق والتكامل الاقتصادي فيما بينها، ضمن الشروط والمتطلبات السابقة، و إلا فسوف تشهد مزيداً من التشرذم وبالتالي التدهور الاقتصادي في أغلب أقطارها خاصة غير المنتجة للنفط
أؤكد بوضوح حساسية هذا الموضوع الذي طرحته هذه الدراسة بقراءة موضوعية للواقع العربي خلال ستين عاما مضت، وهو موضوع يحتاج إلى مناقشة هادئة دون تشنج وإلقاء البيانات الخطابية والتهم المجانية.
وآمل أن أكون مخطئاً في كل ما سبق أن طرحته، وأن تكون القومية العربية حقيقة واقعية وموجودة فعلاً، وأن الوحدة العربية ستقوم اليوم وليس غداً.
التعليقات