((فقال له يسوع: امضِ فإن ابنك حي، فآمن الرجل بالكلمة التي قالها له يسوع ومضى. وفيما هو منحدر، استقبله غلمانه قائلين ان ابنك حي))....
ولكن من يعيد لنا أطفال (قانا)؟ ومن يستذكر ضحكاتهم وسط حقول التين والزيتون والبلد الأمين؟
من يعيد لأطفال لبنان الآمان الذي فقده قبلهم اخوتهم في العراق؟ ومن يطمئنهم ليبقوا تحت شجرة التين الكبيرة التي تضلل مقدم المدينة الجنوبية، أو عند جدران معصرة الزيتون العتيقة ن أو على عتبة بقالة ابو علي.
ولكنهم لايحملون سوى العابهم البريئة، وتعتني البنات بعرائسها وتحلم معها بليل صاف تتساقط فيه النجوم على أثياب اهل الجنوب، فتطرزها بالمحبة والقناعة، ما بال كل الجنوب مظلوما ومهتوكاً ومستباحاً !!
ولكنهم لايعرفون لعبة الحرب ولايشنون غاراتهم ولايوقعون على الصواريخ التي تنطلق من بين بيوت المستعمرات القريبة، ولكنهم لاينتظرون قرارات الأمم المتحدة حتى يمكن إن تتوقف الحرب، ويؤجل الجحيم الأنساني حتى يمكن إن يضاف لهم عمراً آخر، فما عاد ذلك السيد المسيح المسالم الكبير يقدم لنا النبيذ الاحمر بديلاً عن الماء، فقد صارت كل مياه (قانا) حمراء، وما عاد للنبيذ طعم، فقد اختلط الدم بالتراب، ندية كانت الأرض ليس بفعل معصرة الزيتون أنما بفعل الأجساد المهروسة والممزقة، وتمزقت ليس فقط العرائس، وانما أيادي ورؤوس وأرجل وبقايا ممزقة ومنهرسة وممزوجة بملوحة التراب، وأجساد أنقطع عنها الهواء فطمرتها البنايات وصارت قسم منها جزء من ترابها.
منشغل ياسيدي المسيح ببكاء يقطع انياط القلب على ما يصير علينا من مجازر يقترفها الوحش الكاسر، لم تزل دماؤنا في العراق تسيل من بين شدقيه، ولم تزل بقايا قطع من اللحم معلقة بين اسنانة لم تكن له الفرصة ليزيلها.
قوافل تمشي الى قدرها سواء بصواريخ منفلقة وموشومة بتوقيع اطفال اسرائيل مع تحياتهم لأطفالنا، أو بقذائف الدبابات، أو برصاص عوزي الكوماندوس.
ليل داج وموت ليس له أبراج ، وأغماضة عين تتناثر بعدها اجساد طرية لم تكن تعرف أنواع السلاح ولادخلت المعارك البرية والجوية والبحرية ، ولا أصدرت البيانات.
اختلطت الجثث وماعادت لنا القدرة أن نعيد الأشلاء ونتعرف على اصحابها، في كربلاء أو النجف أو الفلوجة أو سامراء أو غزة ورفح ، في قانا أو النبطية أو الضاحية الجنوبية وبنت جبيل، كيف لنا إن نقيم لهم عرساً ترافقه الموسيقى، فنحن جيل الموت وقوافل الأطفال الذين كتب عليهم إن يموتوا بصمت، لن نقيم لهم العزاء، ولن نصرخ خلف نعوشهم، فقد تعودنا على مقابر جماعية تضم رفات احبتنا، وصارت لنا معلماً من معالم هذه الأمة الخانعة والخائفة والمرعوبة ليس من اعدائها انما من نفسها، فكل واحد من ابناء هذه الأمة يحمل في داخل روحه ما يضادها ويتعارض معها.
موت أطفالنا معلماً سياحياً سيتفرج عليه العالم، وموت اطفالنا ينتهي مع صراخ النسوة وعويل الشيوخ ودموع الرجال الصامتة، فنحن جيل سلاحنا الصمت، وسندين ونستنكر العمل ونطلق الاوصاف التي تعجز القواميس إن تجمعها، وسنتوعد ايضا غير إننا امة تنسى بسرعة، وتتتنكر بسرعة وتبرر بسرعة.
سترد هذه الأمة وترسل (البهائم المفخخة) الى أطفال العراق ليفجروا انفسهم في الاسواق الشعبية وفي تجمعات العمال الفقراء ووسط حشود المسافرين في السيارات العامة لأغاضة العدو الصهيوني، وستتكاثر المنح والعطايا والتبرعات لأطفال لبنان، وسنرسل لمن تبقى منهم الحلوى والالعاب التي حرموا منها وسنعمل على فتح الملاجيء للأيتام، ونوزع الباقين على من يريد إن يتبنى اليتامى، وستقوم مجموعات الرعاية الأجتماعية والمنظمات الانسانية برعايتهم حتى يمكن إن يكبروا دون أهل ودون إن يعرفوا الى أين رحلت الامهات، واين صار الآباء؟
ولكن اطفال قانا ستضمهم مقبرة جماعية واحدة يطلق عليها مقبرة قانا (2)، بعد إن صارت لنا مقبرة قانا (1)، وقبلها كانت لنا مقابر جماعية في العراق بلغ عددها لحد اليوم (33) مقبرة ولم تزل ببركة الأكتشافات الاثارية والحفريات تبشرنا بالعديد من المقابر، وسواء في قانا أو فلسطين أو العراق أو أي مكان من هذا الوطن الممتد فاتحا فمه ببلاده قل مثيلها في التاريخ الحديث، فقد تميزنا بمقابر جماعية تضم جثث اطفالنا وخيباتنا العربية.