في يوم واحد، سجلت دولة قطر نقطتين على الصعد اللبنانية والعربية والأقليمية. خرقت طائرة ركاب قطرية الحصار الأسرائيلي على لبنان وحطّت في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت وعليها نحو مئة وأربعين راكباً وليس مساعدات أنسانية كما تبرّع بالقول وزير الأشغال اللبناني السيّد محمد الصفدي. وفي الوقت الذي كانت الطائرة القطرية تخرق الحصار، كانت قطر تعلن بلسان النائب الأوّل لرئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني أن ما بين مئتين وثلاثمئة من جنودها سينضمّون ألى القوة الدولية الجديدة في جنوب لبنان.
بغض النظر عن الظروف التي سمحت لقطر بخرق الحصار الجوّي الأسرائيلي على لبنان، وهي ظروف تحتاج ألى الجرأة أوّلاً، كلّ ما يمكن قوله أنّ هناك دولة عربيّة قبلت التحدي وسيّرت رحلات ألى بيروت. فعلت ذلك في وقت يعتصم النوّاب اللبنانيون مطالبين بأن يوجد من يخرق الحصار الذي يتناقض مع نص قرار مجلس الأمن الرقم 1701 الذي أدّى ألى وقف العمليّات العدائية تمهيداً لوقف النار في لبنان ووقف الحرب الأسرائيلية على البلد الصغير.
في الحقيقة، هناك بند في القرار 1701 يدعو ألى التوقف عن أرسال أي أسلحة ألى لبنان بأستثناء الأسلحة المرسلة ألى الحكومة اللبنانية. وبكلام أوضح، ليس مسموحاً أرسال أسلحة ألى quot;حزب اللهquot; وغيره من الميليشيات، أكانت لبنانية أو فلسطينية، كما كان يحصل في الماضي. وألأهمّ من ذلك، أنّ على لبنان الأتعاظ من الحرب التي تعرّض لها لسبب في غاية البساطة أنّه تحول quot;ساحةquot; للتجاذبات والصراعات الأقليمية لا أكثر ولا أقلّ. ولكن من كلّف أسرائيل تنفيذ القرار 1701 ؟ هل أسرائيل دولة فوق القانون الدولي وهل القرار 1701 يسمح لها بأن تكون الدولة المعتدية وأن تكون في الوقت ذاته الحكم في كلّ ماله علاقة بتنفيذ قرارات مجلس الأمن؟ هل يعني ذلك أن في أستطاعتها تنفيذ ما يعجبها من قرارت مجلس الأمن، متى تعلّق الأمر بغيرها، وأن تشرف بنفسها على التنفيذ، فيما في أمكانها تجاهل القرارات التي تدعوها ألى وقف أنتهاك القانون الدولي ووضع حدّ للأحتلال الذي تمارسه للأرض العربية؟
الأكيد أن أسرائيل ليست السلطة المكلّفة تنفيذ القرار 1701 ، ولذلك لبنان على حق عندما يطالب برفع الحصار المفروض عليه. أضافة ألى ذلك أن تصرّف رئيس مجلس النوّاب اللبناني السيّد نبيه برّي سليم مئة في المئة من الناحية القانونية. كلّ ما يطالب به الرجل هو أنهاء الحصار ليس ألاّ. وما فعلته دولة قطر العضو العربي في مجلس الأمن هذه الأيّام أنّها ذكّرت العرب والمجتمع الدولي بالقانون الدولي وبأنّ هناك من يقرأ هذا القانون جيّداً ومن هو على أستعداد للتسلّح به في كلّ ما يقدم عليه. ولهذا السبب وليس لغيره أستطاعت قطر خرق الحصار الأسرائيلي الذي تبيّن أنه تجاوزٌ للقانون الدولي وللقرار 1701 تحديداً.
ولكن ما هو أهمّ من خرق الحصار، القرار القطري بالمشاركة في القوّة الدولية الموقتة الجديدة في جنوب لبنان، حتى لو كانت هذه المشاركة مقتصرة على ما بين مئتين وثلاثمئة جندي. في النهاية، هناك للمرة الأولى وجود عربي في القوّة الدولية الموقتة في جنوب لبنان التي أنشئت أصلاً بموجب القرار الرقم 425 الذي صدرعن مجلس الأمن في مارس-آذار من العام 1978 . هذا الوجود العربي في هذه المنطقة الحسّاسة التي تعتبر الجبهة العربية الوحيدة المفتوحة مع أسرائيل يمكن أن يساهم في معالجة مشاكل كثيرة يمكن أن تحصل مستقبلاً في ضوء صدور القرار 1701 الذي وسّع مهمة القوة الدولية وزاد عديدها.
ما لا يمكن تجاهله أن القرار 1701 معقّد وفيه ثغرات كثيرة، لكنّ تطبيقه ممكن بطريقة تخدم لبنان بعيداً عن الحساسيات الداخلية التي لا يفهمها سوى بعض اللبنانيين وبعض العرب وبعض القوى الدولية. وبين الحساسيات التي لا بدّ من التعاطي معها أن quot;حزب اللهquot; لم يخرج مهزوماً من المواجهة مع أسرائيل. على العكس من ذلك، هناك قوى كثيرة تعتبر، عن حق، أنّه خرج منتصراً وأن كان ما هو أقرب ألى الحقيقة أن الحزب صمد وواجه العدو وأستطاع أن يلحق به خسائر كبيرة... على حساب كارثة حلّت بلبنان جراء العدوان الأسرائيلي الواسع.
قد يساعد الوجود القطري في القوّة الدولية الجديدة في التعاطي مع الحساسيات التي يمكن أن يثيرها تطبيق القرار 1701 بطريقة لا تأخذ في الأعتبار أن ليس في الأمكان الحديث عن منتصر وعن مهزوم في الحرب وأن المصلحة الأولى للبنان تكمن في تفادي شروخ في الجبهة الداخلية وفي سدّ الثغرات. ماذا ينفع لبنان أن تنجح القوة الدولية وأن تنهار الجبهة الداخلية التي لعبت دوراً كبيراً في الصمود في وجه العدوان الأسرائيلي؟ مثل هذا النجاح للقوة الدولية لا يعني شيئاً في حال لم تكن له ترجمة على الصعيد الداخلي اللبناني. ومن هذا المنطلق يمكن القول أن الدوحة لعبت دوراً مهماً في المحافظة على تماسك الوضع اللبناني عندما أختارت منذ البداية، أي منذ أسر quot;حزب اللهquot; للجنديين الأسرائيليين في الثاني عشر من يوليو-تموز الماضي الأبتعاد عما يمكن أثارة ردود فعل ذات طابع مذهبي. وترافق ذلك مع نشاط ديبلوماسي مكثّف أستهدف أبقاء خطوط الحوار مفتوحة مع الجميع. وشملت هذه الجهود المساعي القطرية الهادفة ألى أدخال تعديلات في مجلس الأمن على نص القرار الفرنسي- الأميركي الذي كان شديد القسوة مع لبنان والمقاومة. أستطاعت قطر ذلك لأسباب عدّة بما فيها القدرة على الأخذ والردّ مع كلّ المعنيين بالأزمة اللبنانية التي كان يمكن أن تتسع رقعتها لتصبح حرباً أقليمية.
تُوّجت الجهود القطرية بزيارة قام بها أمير الدولة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لبيروت. وكان بذلك أوّل رئيس دولة يزور لبنان بعد العدوان. وأضطلع بنفسه على ما حلّ بالضاحية الجنوبية معقل quot;حزب اللهquot; في أشارة واضحة ألى أن هناك نظرة عربية متعاطفة مع الحزب بمقدار التعاطف مع جميع اللبنانيين من أي طائفة أو منطقة كانوا... وأنّ المطلوب أحتضان الحزب في هذه المرحلة وليس عزله عربياً على الرغم من الأرتباطات المعلنة التي لديه مع النظام الأيراني.
يبقى أن الوجود العربي في القوة الدولية في جنوب لبنان أمر في غاية الأهمية، خصوصاً أنّه وجود للدولة العربية العضو في مجلس الأمن أضافة ألى أنّها دولة عربية تتعاطى مع الجميع من دون عقد وتلعب أوراقها من فوق الطاولة وليس من تحتها. مثل هذا الوجود الذي لا يمكن فصله عن خطوات سياسية دؤوبة ومتكاملة يعوّض ألى حد ما التقصير العربي حيّال لبنان. هذا التقصير الذي عانى منه اللبنانيون في الماضي القريب والبعيد.