كنت كتبت سابقا.. وبالتحديد يوم 27-ديسمبر.. وتحت عنوان الإنسان الفلسطيني وإختيار اهون الشرين... ما مفاده حث فلسطيني الداخل على إعادة إنتخاب فتح وللمرة الأخيره لتفادي الأزمه الدولية المرتقبه من نجاح حكومة حماس.. وبرغم أنني لا أنتسب لأي من الحركتين.. إلا أنني اجد نفسي مرة أخرى وبعد زيارة أخيره للأرض المحتله.. أعود لأكرر الفكرة مع طرح فكرة أخرى تعزز من الحاجه إلى وجود قيادات شابه جديديه لديها الرؤيه ابوالشجاعه للخروج من المأزق الحالي.. بناء على الوضع المأساوي الذي رأيته في الأرض المحتله.. حيث ومصل التنافس على السلطه ما بين حماس وفتح أشده في الأرض المحتله على حساب بؤس الفلسطيني.. كلاهما يحاول جاهدا أخذ النصيب الأكبر من الكعكة الفلسطينيه المحروقة والمعجونة بالبيض الفاسد.. هذا التنافس يضع الجهد الفلسطيني القيادي والمفروض توجيهه نحو وضع البدائل لكيفية التخلص من الإحتلال.. في حلقة مفرغه.. تستند إلى الفئويه وإلى مصالحها الذاتيه آملة ومراهنة على أي تطورات إقليميه.. وعربيه.. وعالميه قد تخرجها من شللها التام.. غير مستوعبه التغييرات العربية والإقليمة التي تحاول جاهدة التخلص من عبء الموضوع الفلسطيني برمته..

حقيقة أن قيادة فتح.. لا تريد الإعتراف بفشلها في التعامل مع الإحتلال.. وأن وجود هذه السلطه برأسيها.. الداخلي الممثل بفتح.. والخارجي الممثل بالمنظمه والتي همشت وتلاشت معظم مؤسساتها.. وأصبحت عبئا على الدول العربيه المضيفه تماما كما أصبحت القضيه الفلسطينية عبئا على معظم الأنظمة العربيه.. لا يخدم المصلحة الفلسطينية إلا أن تعامل الرئيس أبو مازن مع القضية أكسبه إحترام دولي.. وبرغم أن إسرائيل عملت جاهدة لتحجيمه وعدم نجاحه.. إلا أن موقفه الثابت في محاولته لتفادي حرب اهليه داخليه أكسبه شيء من المصداقيه على الطرف الإسرائيلي.. بحيث تحاول وزيرة الخارجيه الإسرائيليه ليفني الآن طرح فكرة ضرورة فتح قناة التفاوض معه قبل فوات الأوان.. فأي خلل فلسطيني داخلي.. وأي إنهيار تام (وهو وشيك جدا) للسلطة يضر بإسرائيل....
قيادة حماس التي تتخبط الآن بين المطالب الشعبية المحقه في طلبها لرواتبها.. وبين مطالب الرأس الآخر المقيم في دمشق.. والذي يحاول الترويج لفكرة مقاومة مماثلة لمقاومة حزب الله في لبنان.. غير قادر على إستيعاب أن الإنسان الفلسطيني تحت الإحتلال لا يستطيع لا الثوره ولا إنتفاضه أخرى وأن الطريق الوحيد لخدمة المصالح الفلسطينيه هي التعامل بواقعية كبيره مع المتغيرات لما يخدم فقط مصلحة فلسطيني الداخل حاليا على أمل وبهدف حل مشكلة فلسطيني الشتات بما يتناسب مع الإتفاقيات لاحقا... إن الإضراب جاء ليؤكد لحماس بأن الفلسطيني الجائع والمقهور لا يستطيع إنتظار المشاورات وتضييع الوقت ما بين فتح وحماس للوصول إلى وحدة وطنيه.. لا يستطيع الإنتظار في ظل حكومة مراوغه ترفض وضع سقف زمني لإنهاء مشاوراتها.. وتعمل مسبقا على إسقاط هذه الحكومه بتعنتها ومطالبتها برئاسة الوزراء في ذات الوقت الذي تعلم فيه بأن مجرد وجودها هو سبب الحصار المالي.. والدولي.. وكل ذرائع إسرائيل في عدم التفاوض...
حماس ملزمة باتخاذ قرارا إما تغليب مصلحة الإنسان الفلسطيني على مصلحتها ومستقبلها ذاته.. أو الخروج من السلطه مادامت لم تستطيع تحقيق أي إنجاز سوى جر الفلسطيني إلى حافة الجوع. وبالتالي فإن هذه الإضرابات تعطي الصلاحية لأبو مازن لإقالة الحكومة للخروج من المأزق....
على حماس أن تعي بأن نجاحها في الإنتخابات لم يكن بسبب برنامجها السياسي بقدر ما هو بسبب إكتسابها مصداقيه ماليه عجزت فتح عن كسبها.. وأن هذه الإضرابات إنما هي تعبير شعبي عن فقدها لهذه الثقه وبالتالي فقدها للشرعيه.. وأن هذه الإضرابات إنما هي تعبير شعبي على طلب التغيير في هذه الرؤيه السياسيه.. لما يخدم مصالحه داخليا وإقليميا ودوليا..
أما تعنتها وتخوينها للمضربين في عملية ضغط نفسيه ستخسرها الشارع الفلسطيني مهما كان وطنيا.. فلا مجال للمزاودات الوطنيه حين يتعلق الأمر بمستقبل وجياع أطفال 80% من الشعب الفلسطيني..
على الفلسطينيين البحث الدائم في خيارات وبدائل.. إما حكومة وحده وطنيه بقيادة فتح للتفاوض فورا مع إسرائيل..
أو حل كل السلطات مع إضراب عام للضغط على المجتمع الدولي لحل القضية الفلسطينية حلا يتوافق مع عالمية الحقوق الإنسانية..
أو القبول بفترة زمنيه لإنتداب عربي من دول الجوار للتخلص من قبضة الإحتلال الإسرائيلي.. وتأهيل الفلسطينيين لإدارة أنفسهم..
أي من هذه الخطوات تمثل ضرورة ملحه لإستباق خطط إسرائيل في التوسع الإستيطاني الذي لم يتوقف.. وفي سباقها مع الزمن لإكمال بناء الجدار بحيث تصبح كل الأراضي المسروقه ومنابع المياة المسروقه سابقا ولاحقا عرضة للمساومة..
الوضع الفلسطيني الداخلي.. إضافة إلى بؤس فلسطيني الشتات الذين خرجوا من العراق.. ولا زالوا عالقين على الحدود السوريه.. ولم تشفع لهم فلسطينيتهم في الحصول على إذن للدخول إلى سوريه أو أي من الدول العربية الأخرى.. وفلسطينيو لبنان الذين سيصبحون الورقة المحروقة في أية إتفاقية سلام بين لبنان وإسرائيل كلها عوامل يجب أخذها في الحسبان.
أما انشغال حماس في محاولة درس تجربة حزب الله في محاولة جديدة لإنتفاضة مسلحه.. أو مقاومة مسلحه باي شكل من الأشكال فهي مضيعة جديده للحياة ذاتها.. ووصفة جاهزة لمساعدة إسرائيل مرة أخرى وتقديم اليد لها في ذرائعها العديده لعدم وجود الشريك الفلسطيني.. ومنطق عقيم لا يتساوى مع الواقع البائس الذي يعيشه سكان الأرض المحتله.. وسيودي بالقضية برمتها إلى كارثة إنسانية وسياسية وضياع ما بقي من الحقوق الفلسطينية..
في زيارتي الأخيرة قبل أسبوع مررت بنفسي في تجارب ما يمر به الإنسان الفلسطيني من معاناة يومية.. وسمعت أيضا أن أقصى ما يتمناه فلسطينو الداخل حاليا هو شيء من الإستقرار الإقتصادي.. المعيشي الذي يضمن له قوت أطفاله لهذه السنه.. والسنة المقبله.. شيء من بنيه تحتيه إقتصادية تستطيع خلق فرص عمل يرافقها تطور قانوني ملزم للجميع.. حيث أن إنهيار النظام القانوني تحت الإحتلال.. خلق واقعا مبهما.. ففي حين أنه زاد من قبضة إسرائيل التي غيرت وحذفت وحرّفت القوانين بما يتناسب مع تشديد قبضة إحتلالها إلا أن خروجها من بعض الأراضي وتسليمها للسلطه.. وتخبط السلطه ما بين قوانين الإنتداب البريطاني والقوانين الأردنيه وعدم تطوير أي منهما لخدمة تطوّر القوانين بما يخدم الأمن الفلسطنين.. أفرغ الشارع الفلسطيني من مفهوم سيادة القانون.. وأدى إلى حاله غير مسبوقه من إنعدام الأمن.. وبالتالي فإنه منتهى الظلم أن نطالب هذا الإنسان بدفع مزيد من التضحيات في عملية لا ينفع معها سوى التعاطي العقلاني و الحصول على المزيد من التضامن الدولي لحل القضية..

باحثة وناشطه في حقوق الإنسان - لندن